الحوار الأسري هو نواة نجاح كل أسرة لأنه يشعر أفراد الأسرة بالأمان والدفء والطمأنينة. ويخلق نوعاً من العمل الجماعي يشترك فيه كل أفراد الأسرة. لكن اختفاءه يحدث فجوة كبيرة ويفقد الابناء الترابط الأسري والعلاقات الدافئة بينهم. ونجد صعوبة في التعامل مع الأبناء عندما يفقدون الثقة في آبائهم ويصبح توجيهاتهم للأبناء مرفوضة. بل ومكروهة ويكون الابناء عرضة لتأثير الآخرين عليهم ويقودونهم للانحراف واللامبالاة مما يترتب عليه متاعب نفسية واجتماعية. فالأساليب الخاطئة في التربية والتعامل بشدة وصرامة يفقد الابن الإحساس بالثقة بنفسه ولا يجد الأمان بين أسرته لأن نجاح أي بيت هو انسجام الحالة الحوارية بين أفراد الأسرة والصداقة المبكرة بين الأبناء والآباء هي البيئة الداعمة التي تخلق لغة حوار مفهومة وواضحة.
د.رحاب العوض "استاذ علم النفس السلوكي وعلم الاجتماع بجامعة القاهرة" قالت: للاسف الشديد اختفي الحوار الأسري وحل محله التواصل مع الاغراب عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتحول الاجتماع الأسري الي لوم وتهديد من الوالدين لابنهم ومقارنته بالغير أو الاجتماع لالتقاط صورة ظاهرية وعرضها بالسوشيال ميديا رغم ان الاجتماعات الاسرية احيانا يكون لها عامل السحر في حل المشكلات الاسرية او الوقوف علي ما ينقص احد افراد الاسرة مادياً وعاطفياً او ما يحتاجه من دعم نفسي في جزئية ما بحياته.
اجتماع ثابت
أضافت: الاجتماعات الاسرية كان لها موعد شبه محدد سواء الخميس او الجمعة علي الغداء ليتقابل الابناء مع الام والاب. فهم طوال الاسبوع منشغلون بالدراسة او العمل فكان هذا اليوم يوم الاسرة. ولكن مع الانشغال بالعمل والارهاق الجسدي طوال الاسبوع وكثرة الدروس الخصوصية او تدريبات النادي تحول يوم الجمعة الي يوم لقضاء المصالح المنزلية وشراء مستلزمات الطعام او النوم مما ادي الي التباعد النفسي والاجتماعي بين افراد الاسرة الواحدة وتحول كل منهم في جزيرة منعزله عن الاخر متوجها للاصدقاء بالمدرسة او السوشيال ميديا ليكون له عالمه الخاص. وللاسف يؤدي ارتباط المراهقين ببعضهم الي قصور تجاربهم الاجتماعية وبالتالي قصور في اتخاذ القرارت او الالتزام. بعكس ان يكون المراهق قريباً من والده أو والدته أو أخيه الأكبر.
أشارت إلي أنه للتغلب علي الابتعاد الاجتماعي او النفسي بين أفراد الاسرة الواحدة علينا ان نُقر بان لدينا قصوراً ومشكلة تحتاج الي حل جذري وهو وضع موعد محدد للاجتماعات الأسرية وجعلها وقتاً لطيفاً ينتظره الابناء لعرض ما قاموا بإنجازه او الحديث عن اوقات الضيق او الفرحة الخاصة بهم مع اقرانهم بالمدرسة او النادي وعدم جعل هذه الاوقات محاكمة للاطفال أو التركيز علي عيوبهم وأخطائهم وحتي ان كان هناك خطأ منهم فعلينا لفت الانتباه دون التقليل من شأنهم او الحديث السلبي او العدوان اللفظي عليهم. فالاجتماعات الاسرية او الـ g(family meetin لها تاثير علي الحب والاحتضان النفسي للابناء وتسهم في تقليل الخلافات بين الاسرة سواء الزوجين او الابناء والوالدين .
فن الوالدية
د.حسنية البطريق "استشاري الارشاد النفسي والعلاقات الأسرية" قالت إن الحوار الأسري نواة نجاح أي أسرة. فعندما يختفي الحوار بين افراد الاسرة تتفاقم المشكلات وتفقد الأسرة الترابط والعلاقات الدافئة بين أفرادها. ويفقد الابناء الثقة في الاب والام. ويكون الابناء عرضة لتأثير أصدقاء السوء عليهم. بالاضافة إلي أن من أسباب اختفاء الحوار هو الخرس الزوجي. فالزوجان من بداية ارتباطهما ملتزمان الصمت وبالتالي تختفي لغة الحوار والمشاركة الاسرية بينهما. بالاضافة الي أن اساس نجاح أي بيت من البداية هو انسجام الحالة الحوارية بين الزوجين فإذا كان الحوار الأسري موجوداً فعلا يكون بينهما تفاهم ومراعاة لشعور بعضهم البعض فإذا اختفي الحوار ينتج عنه طفل مصاب باضطرابات وقلق ومخاوف من الآخرين.
أضافت د. حسنية: هناك حلقة مفقودة بيننا وهي أننا ليس لدينا "فن الوالدية" وهو عدم وجود فن الحوار فكلامنا مع اولادنا يتلخص فقط في إصدار الأوامر التي تمثل سلطة عليهم وتصل إليهم علي انها مجرد أوامر وتعليمات فقط لأنهم غير مواكبين للغة أولادهم. فالاباء لا يطبقون مقولة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال: عاملوا أولادكم لزمانهم لا لزمانكم. وهذا يؤكد أننا نحتاج لغة موحدة بيننا وبين أولادنا حتي نصل الي لغة مشتركة بيننا. فبعض الأسر تضع قيوداً في لغة الحوار. فالصداقة ان لم تنشأ بذرتها من الطفولة فلن تجني ثمارها. وهذا يتطلب لغة حوار مفهومة وجيدة وواضحة.
عوامل داخلية وخارجية
أشارت إلي أن هناك عوامل داخلية كانت سبباً في اختفاء الحوار بين افراد الأسرة أولها عدم التفرغ للاولاد وعدم الانصات لهم بسبب الانشغال بأمور الحياة في العمل وتفرغ الاب لتلبية احتياجات أولاده المادية بالإضافة الي عدم استخدام فن اختيار الكلمة مع الأبناء واستخدام كلمات تجرح مشاعرهم وتؤذيهم نفسياً مثل "انت غبي" أو "انت مش فاهم". فهذه الكلمات تؤثر سلبا علي علاقة الام والاب بالأولاد. كما ان عدم تكريس وقت كاف للتفرغ لهم وإحساس الابن دائما بعدم أهميته عند الأم والأب يزيد الفجوة. وبالتالي يصبح الحوار معدوماً. فنحن في حاجة لتعلم فن التواصل اللفظي وغير اللفظي مع الأبناء ومراعاة نفسياتهم.
قالت إن هناك عوامل أخري خارجية أخطرها واهمها استخدام الموبايل والانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي. وهذا ادي الي حدوث عزلة وتوقف الحوار تماما.
قدمت د.حسنية حلولاً للتغلب علي اختفاء الحوار الأسري والتي تتلخص في توافر ثلاثة عوامل وهي "اقامة" بمعني خلق وقت كاف بين افراد الأسرة والعمل بروح الفريق الواحد في عمل جماعي يشترك فيه كل أفراد الأسرة والعامل الثاني هو "الاستدامة" بمعني المداومة علي عمل معين ومشترك بين افراد الأسرة أو ابتكار اعمال جديدة مشتركة. بالاضافة الي "الاستقامة" وهي أن نقوم بتربية اولادنا بتوطيد علاقتهم مع الله عز وجل. بالاضافة الي مراعاة الحالة المزاجية للأبناء خاصة في مرحلة المراهقة التي تتطلب غرس القيم والمبادئ الدينية كما انه لابد أن يتم خلق البيئة الداعمة للحوار بمعني أن هناك فجوة كبيرة في الاسرة بسبب عدم التوافق مع العالم الخارجي وهي عدم تقبل أخطاء أبنائنا وعدم التوافق مع أفكارهم وميولهم.
الاختلاف الفكري
د.خلود زين "استشاري العلاقات الاسرية والاجتماعية" قالت إن عدم اتفاق الزوجين الفكري أول اسباب اختفاء الحوار الأسري. فلابد أن يحرص كل منهما علي اختيار شريك الحياة بدقة وان يكون بينهما توافق وتقارب لأن عدم اتفاق الزوجين أمام الأبناء وعدم وجود حوار بينهما ومشاجرات مستمرة يخلق التفكك وعدم ارتياح الابناء بينهما لأن الرجل الشرقي يتخيل دائما أنه علي صواب دائماً. ويرفض وجود حوار بينه وبين شريكة حياته. ويتخد جميع القرارات منفردا وبدون مشاركة الزوجة. وبالتالي يؤثر تأثيراً سلبياً علي تربية الاولاد. فلابد أن نعلم ابناءنا طريقة المناقشة السليمة وان يتخلي الام والاب عن طرق العقاب الشديدة التي تنعكس علي نفسية الابناء لأن الحوار الأسري له عدة جوانب هي حوار بين الزوجين. وحوار بين الام والاولاد. وحوار بين الاب والاولاد. واختفاء الحوار بين الأب والابناء يكون بسبب وجود الاب معظم الوقت خارج المنزل لظروف العمل وبالتالي لا يجد الابناء فرصة للحوار مع الأب بالإضافة الي ان اختفاء الحوار بين الام والابناء عندما يشعر الابن بأن هناك حالة من التوجيه والارشاد فقط من الأم. وهنا يفقد كنيته ويؤثر علي الطفل سلباً وبالتالي يكون تأثيره اكبر في ضياع الأمان والحب داخل الاسرة ويتجه الاولاد الي صديق مقرب يبحث معه عما فقده داخل أسرته بالاضافة إلي أن الفجوة التي تحدث احيانا بين الزوجين نتيجه الخرس الزوجي يؤدي إلي توتر العلاقات بين الابناء وبالتالي يؤثر عليهم نفسيا واجتماعيا ويؤثر علي بناء شخصياتهم وإحساسهم بالطمأنينة اكثر بين أقرانهم.
فجوة كبيرة
إكرام خليل "الاخصائية النفسية واستشاري العلاقات الاسرية والاجتماعية" تقول: للاسف الزواج الفاشل ينتج عنه عدم وجود حوار أسري. فكثرة المشاجرات بين الوالدين يفقد الاسرة لغة الحوار. كما أن عدم التواصل الصحيح بين الأب والأم والأبناء يخلق فجوة كبيرة بينهم بسبب تعلقهم بالسوشيال ميديا وسرعة ريتم الحياه والمفاهيم الخاطئة الموروثة عن الأجداد مثل غياب الأب طوال الوقت بسبب الجري وراء جمع الأموال لتأمين مستقبل أبنائه وغياب الوعي الاجتماعي مما جعل الاسرة تفتقد اللمة والتجمع علي مائدة واحدة يومياً فافتقدت الدفء والتواصل. فكل فرد من أفراد الأسرة أصبح يعيش في عالمه الافتراضي وهذا أثر بشكل كبير علي لغة الحوار بين افراد الاسرة وقلل التواصل الاجتماعي بينهم من خلال خلق بيئه آمنة عبر السوشيال ميديا وأحدث نوعاً من الانفصال الأسري.
أضافت: كل فرد أصبح يفرض سيطرته وثقافته علي الآخرين وهذا يظهر من خلال خطأ يقع فيه الآباء وهو التحدث دائما بلغتهم القديمة لأنهم غير قادرين علي مواكبة لغه أبنائهم وبالتالي يفقد الحديث بينهم رونقه ومع الوقت يتحول إلي شجار فعدم اختيار اللغة المشتركة بينهم خاصة في سن الشباب يضطر معه الابناء إلي الهروب الي احضان أصدقاء السوء بعيدا عن الاسرة. وهذا يساعد في خلق بيئة أمنة نفسياً. فالحوار يوفر الإحساس بالأمان والدفء بالإضافة الي ان اختفاءه يساعد علي الخيانة الزوجية وانحراف الأبناء نحو الطرق غيرالصحيحة. وسيطرة أصدقاء السوء وأصحاب الفكر المنحرف عليهم.
اترك تعليق