إن من أعظم أسباب السعادة عدم الغضب،وإلا فكم سعادة حُرم المرء منها بسببه،وكم من جرائم وكوارث حدثت بسببه.
فينبغى على المسلم تدريب نفسه على الحلم،وهو الأمر الذى يقتضى فى الوقت ذاته تدريبها على عدم الغضب،ففى الحديث الصحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِى، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ»
إنَّ هذا النهى النبوى المتكرر عن الغضب لهو دليل على مدى ضرر هذه الصفة الذميمة.
وهو الأمر الذى يُثبته لنا العلم الحديث، حيث أن هناك فى الجسم غدة تُسمَّى الغدة الأدرينالية،هذه الغدة حينما يغضب الإنسان تُفرز مادة الأدرينال بالزيادة التى تتسبب فى رفع ضغط الدم،فلا يشعر المرء ما يقول ولا ما يفعل.
ونحن قد نسمع البعض منا يقول-مثلا- إن فلان فوَّر دمِّى أو جعل دمِّى يغلى.
وتلك حقيقة علمية ذكرها دكتور ابراهيم الفقى فى كتابه "حياة بلا توتر"،فقد قامت عالمة النفس الأمريكية كاشلين لولر بإجراء تجربة فى جامعة تيسينى الأمريكية عن أثر بعض الضغوط على عدد كبير من الطلاب، فوجدت أن مجرد التفكير أو التحدث عن معانى الإساءة والخيانة التى يتعرض لها الإنسان لدقائق معدودة،يؤدى إلى تغيرات ملحوظة فى ضغط الدم ومعدل نبض القلب ومستوى التوتر العضلى،وزيادة معدلات الموصلات العصبية والنشاط الكهربى فى الجهاز العصبى،ناتجة عن ضخ عدد من الهرمونات والمواد الناقلة العصبية تسبب فيما وصفته بحالة "غليان الدم فى العروق".
كما تمتد هذه الآثار الضارة للغضب حتى إلى الحيوانات، فنجد علماء الحيوان يُحدِّثُوننا أن الأخطبوط-مثلا- حينما يقع فى شبكة الصياد يأكل ذراعين من ذراعاته من شدة الغضب.
ونلاحظ هنا أن النهى الوارد فى الحديث ليس عن الغضب فى ذاته،فالغضب من الأمور الجبليَّة أى من الأمور الفطرية التى لا يستطيع المرء دفعها كلياً،وإنما المراد عدم التمادى فى الغضب.
وقد ذكر الدكتور إبراهيم الفقى –رحمه الله- حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ،والذى رواه الترمذى، " خير بنى آدم البطىء الغضب السريع الفىء ،وشرهم السريع الغضب البطىء الفىء".
ثم قال معلقا على الحديث" فهو إشارة مباشرة للإسراع بالتدريب على الحلم والفىء من الغضب،أى الخروج السريع من دوامة الانفعال قبل أن تتغير بيولوجية الجسم وتتهيج أجهزته وتشتعل خلاياه.
ولذا حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على تغيير الوضعية التى يغضب عليها المرء،فإن كان واقفاً جلس وإن كان جالسا اضطجع،بل حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك على الوضوء فى هذه الحالة لأن الغضب من الشيطان ،والشيطان من النار،والماء يُطفىء النار.
فعلى المرء أن يتحلى بالحلم،وأن يعفو عن الآخرين،فما زاد الله عبداً بعفو إلا عِزَّاً.
ولقد أراد أناساً أن يختبروا حلم الأحنف بن قيس-وكان مضرب المثل فى الحلم- فصاروا خلفه طوال الطريق يشتمونه بأقبح الشتائم وهو لا يدفع عن نفسه شيئاً حتى إذا كان على مقربة من الحى الذى يسكن فيه فقال لهم: إن كان لديكم بقية من السب والشتم فآتونى به فإنى أخشى أن يسمعكم أهل الحى فينالكم منهم الأذى أو الضرب.
وكان سيدنا معاوية بن أبى سفيان مشهوراً بالحلم وكان يقول- كما ذكر العقاد فى كتابه عنه- " كان سيدنا معاوية يقول: " يابنى أمية فارقوا قريشاً بالحلم فوالله لقد كنتُ ألقى الرجل فى الجاهلية فيوسعنى شتما وأوسعه حلما فأرجع وهو لى صديق،إن استنجدته أنجدنى وأثور فيثور معى،وما وضع الحلم عن شريف شرفه ولا زاده إلا كرماً.
بقلم دكتور - نبيل عبدالفتاح قوطه:
مدرس القانون الدولى العام
كلية القانون- جامعة بدر بالقاهرة
اترك تعليق