أسرع إلى أمه وهى تسغيث من شدة الألم وتطلب الدواء على عَجَل،فتناول زجاجة الدواء بلهفة فإذا بها فارغة من الدواء،فدمعت عيناه ووضع يده وهى ترتجف فى جيبوه فإذا بها فارغة من النقود،فأسرع إلى الصيدلية لعله يجد فى قلب صاحبها رحمة تعفيه من دفع ثمن الدواء.
لقد ارتسمت فرحة خفيفة على هذا الوجه المغمور بالحزن،وتولد لدى صاحبه بصيص من الأمل،فمسئول الصيدلية ليس رجلا بل امرأة،أى ملاكاً من ملائكة الرحمة، ولكن خاب الظن وتبخرت الفرحة،حين نهرته وضربته تلك المرأة بعد أن اكتشفت أنه لا يملك ثمن الدواء.
كل ذلك وهو واجمٌ وعينيه فى الأرض،كأن رأسه قد انحنت من كثرة الهموم الجاثمة عليها،وبينما هو كذلك جاء من أزاح تلك الهموم وقال له ارفع رأسك.
إنه صاحب المطعم البسيط المواجه للصيدلية الذى جاء مسرعا فحاسب على الدواء وناوله للفتى مع كيس من الحساء،فنظر إليه الفتى وهو مذهول من هذا الحنان،ولا ينطق من شدة الفرح،كما لم ينطق من شدة الحزن.
وهنا أسرع الولد إلى أمه،ودارت الأيام ومرت سنين،وإذا بصاحب المطعم البسيط يقع على الأرض بعدما ناول مسكينا شيئا من الطعام دون مقابل، فسكن الجسد،وتوقفت اليد،التى لطالما ناولت الدواء والغذاء للفقراء، عن العمل.
فذهبت به ابنته للمستشفى،وجلست تبكى حزنا على أبيها،وبالها مشغول بنفقات العلاج لا تدرى من أين تقوم بتدبيرها.
وهنا يدخل طبيب شاب،فيُلقى نظرة على المريض،ويأمر فوراً بعمل اللازم،ثم بعث إلى ابنة هذا الرجل فواتير العلاج مكتوبا عليها "لقد تم دفع نفقات العلاج قبل ثلاثين سنة،زجاجة دواء وكيس حساء".
بقلم - دكتور نبيل عبدالفتاح قوطه:
مدرس القانون الدولى العام
كلية القانون- جامعة بدر بالقاهرة
اترك تعليق