لم يجد المتسول متسعاً له في الشوارع فانتقل إلي مواقع التواصل الاجتماعي ليتجول بشكل اكثر حرية ويسراً. خصوصاً بعد افتضاح الاساليب التي يعتمدها لاستجداء المواطن فلم تعد تنطلي عليه استخدام المتسول لاساليب التقليدية كادعاء العجز والمرض او الاستعانة بالاطفال حتي يرق قلب الزبون او حتي بيع المناديل ورش البخور. اما عبر الشبكة العنكوبتية فلا احد يراه او يعرفه. ويمكنه تجميع المساعدات ليلاً وصباحاً ومن اي مكان.
لاحظنا ان الكثير من المجموعات علي مواقع التواصل الاجتماعي تكتظ بالمحتالين الذين يتخفون عبر حسابات مزيفة بأسماء مبهمة ووهمية واحيانا شعارات واذكار دينية. ويطلبون مساعدات نقدية وعينية بجمل استعطافية لاستدرار مشاعر الجماهير.
عادة ما يلجأ المتسولون عبر الانترنت إلي انشاء حسابات وهمية بشعارات دينية لايقاع ضحاياهم ويستغلون العالم الافتراضي في طلب المساعدة وتحويل الاموال عبر "المحفظة كاش" لعلمهم انهم مجهولون بالنسبة للمتبرع واذا انكشفوا يستخدمون "البلوك".
خبراء الاتصالات والرقمية:
المتسول متقدم تكنولوجياً درجتين.. عن المواطن العادي
عادة ما يستخدم بطاقة شخصية مزورة.. وأرقام تليفونات وهمية
اكد خبراء تكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي ان المتسول علي شبكة الانترنت متقدم تكنولوجياً درجتين عن المواطن العادي وعادة ما يستخدم بطاقة شخصية مزورة وايضا ارقام تليفونات وهمية للتمويه والتضليل.
يقول إسلام غانم .استشاري تكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي ان مسألة فحص الحساب للشخص الذي يطلب المساعدة هل هو حديث أم قديم »قد يفيد ولكن بنسبة 10% فقط. فهي أداة ضعيفة جدا للتحقق من هوية الشخص لأن الأمر أعمق من ذلك فمن خلال التقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي يمكن التلاعب في الحسابات المزيفة علي مواقع التواصل بصنع صور وهمية لأشخاص غير موجودين في الواقع حتي يصدق الآخرون أنها حسابات حقيقية فهناك برامج تسمح بعمل آلاف من الحسابات في وقت واحد» مضيفا أن متسول الانترنت عادة ما يكون متقدما من الناحية التكنولوجية عن الفرد العادي بدرجة أو درجتين.
أضاف انه علي كل شخص التبرع في الجمعيات الخيرية أوالتحويل الالكتروني للجهات المستحقة من خلال التطبيقات المختلفة فهي الوسيلة الوحيدة للحماية عبر الانترنت نظرا لعدم القدرة علي التحقق من الشخص الذي نتحدث معه عبر الشات فالأمر في منتهي الصعوبة.
أشار غانم إلي أن الشخص الذي يطلب تحويل أموال إلي رقم تليفون عليه محفظة إلكترونية سيكون غبيا جدا لأن احتمالية ضبطه كبيرة فأتصور أن الغالبية يلجأون إلي قبض التبرعات بشكل يدوي .كما أن تقديم البلاغ بالنصب في مباحث الانترنت سيكون الرد عليه "محدش ضربك علي ايدك "لأن المواطن المفترض أنه علي علم بالأماكن الموثوق فيها للتبرع .
أكد ان النصاب الالكتروني لديه أدوات معينة يستعملها في الإحتيال »الفرد العادي ليس علي علم بها »مناشدا الأسر من خلال الشباب بضرورة تثقيف نفسها تكنولوجيا ومتابعة المستجدات عبرالانترنت وبدورهم نشروا الوعي لبقية الأسرة.
وكان للدكتور أحمد مختار .خبير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات رأي مختلف. حيث يوضح أنه ليست مهمة المواطن أن يعمل كمباحث ويفحص حسابات الآخرين كي يحمي نفسه وإنما الجهة المنوطة بها عمل ذلك هي مباحث الاتصالات كما أن من خلال المحفظة الالكترونية اذا ترك الشخص رقم تليفون وطلب تحويل أموالا هي الوسيلة التي من خلالها نتبع الشخص النصاب. لكن الأمر معقدا نوعا ما لأن ما زال هناك خطوط تليفونات وهمية يتم التلاعب من خلالها عبر وسطاء يدعون أنهم وكلاء لشركات التليفونات المحمولة من خلال بطاقات شخصية مزورة »موضحا أيضا أن المتسول المحترف قد يمتلك حسابا علي فيس بوك منذ عدة سنوات وهو يجهز له كشبكة لاستخدامه في النصب والحصول علي المساعدات حتي لا ينكشف وهذا يثبت أن الحسابات القديمة والحديثة ليست دليلا علي مصداقية الفرد.
أضاف إلي أن هناك أناسا مستحقة بالفعل لكن تستحي طلب التبرع فتستخدم حسابا مزيفا كما أن منظومة التكافل الاجتماعي في مصر منظومة قوية جدا وكل المساجد الكبري بها جمعيات شرعية وخيرية للتبرعات والمواطن الكسول لا يريد أن يبذل مجهودا ويذهب لعمل الخير بنفسه ويتحري عن المستحقين للصدقات فيلجأ إلي الانترنت فالاستسهال هو الذي يفتح بابا للنصاب.
خبراء علم النفس:
مثقف ويدرس ضحاياه.. ويلجأ للإنترنت لأنه آمن
لا أحد يقاسمه الحصيلة.. والأمر غير مكلف ولا يحتاج لأدوات مساعدة
اكد خبراء علم النفس ان محتال الانترنت مثقف جداً ويتحول بين صفحات التواصل الاجتماعي ليبحث ويدرس ضحاياه. وان "الشحات" يلجأ إلي مواقع التواصل لأنها آمنة من العقاب والحصيلة تكون له بمفرده فلا احد يشاركه فيها.
اضافوا ان التسول علي الانترنت ارخص سعراً فلا يحتاج إلي ادوات مساعدة سواء للتنكر او لاستدراز عطف الناس مثل طفل او غيره.
يقول د.وليد هندي استشاري الصحة النفسية إنه بعد عام 2013 واقتحام التكنولوجيا ووسائل الاتصال للحياة وجعل العالم كله قرية واحدة وانتشار التجارة الالكترونية وإمكانية بناء صداقات عبر الانترنت مما جعل الناس تعيش في عالم افتراضي بعيدا عن الواقع» مما جعل المتسول يجد في مواقع التواصل مسرحا له أكثر رحابة واتساعا فضلا عن أنه آمن من العقاب ولا أحد يعرفه من خلال عمل حساب وهمي كما أنه غير خاضع للمنظومة التي تحكم المتسولين فيما بينهم »فما يحصل عليه يكون له بمفرده دون مشاركة أحد أي ليس له رئيس وهذه أحد الدوافع المهمة للجوء المتسول إلي الانترنت »فضلا عن أنه ليس بحاجة لتغيير شكله باستمرار كمتسول الشارع فلا يحتاج إلي وسائل تنكرية أو تأجير طفلا أو شراء بعض السلع كالسبح والبخور والمناديل أي ليس بحاجة إلي "عدة شغل "فالتسول عبر الانترنت غير منظم وأرخص سعرا وأقل مجهودا .والمتسول الالكتروني لا أحد يفرض عليه تقسيمة شوارع أو أماكن معينة كما في الواقع.
أشار إلي أن زبون المتسول الأونلاين منتقي أي يمتلك بطاقة ائتمان أو لديه حساب أو محفظة علي تليفونه يمكنه من خلالها تحويل الأموال له أو يمتلك شركة مثلا يستطيع أن يستفيد منها بالحصول علي بضائع يمكنه بيعها بعد ذلك أما متسول الشارع فيعتمد علي الزبون العشوائي »مضيفا أن التسول في الشوارع له مواسم وأماكن حيث ينشط في أيام الإجازات والأعياد وشهر رمضان وأمام السينمات ودور العبادة.بينما المتسول الديجتال غير مرتبط بحيز مكاني أو جغرافي .
ويوضح استشاري الصحة النفسية أن التسول قائم علي دغدغة المشاعر ومخاطبة هوي النفس وعملية مقايضة الانسان أن أمواله تذهب كصدقة أو ذكاة أو تطهير لها في العموم وبمثابة تجارة مع الله ومهما كانت درجة وعي المواطن وثقافته وتعليمه من الممكن أن ينخدع مادام الأمر مرتبطاً بالعواطف التي تجعله يرق من مجرد بكاء طفل صغير فالانسان بطبعه قلبه ضعيف ومتقلب. مؤكداً أن متسول الانترنت مثقف ومتطور وينتقل بين الصفحات المختلفة ليحلل ويدرس الشخصيات المختلفة.
ناشد د.هندي المواطن التفرقة بين الصدقة ورمي فلوسه علي الأرض فالصدقة لها 8 مصارف معلومة لدي الجميع ولا تعطي أي مبالغ لأي شخص بدون إيصال رسمي وفي جهة مشهرة تابعة للدولة مثل الشؤون الاجتماعية أو الصناديق التابعة للأزهر ووزارة الأوقاف وغيرها أو فرد معلوم لديه.واذا كان المواطن لا يريد أن يبذل مجهودا» يحول الأموال عن طريق البنك للمستشفيات أو يسدد ديون الغارمات وهناك طرق عديدة غير النت »مطالبا كل فرد بالثبات الانفعالي في مواجهة أي شخص يخاطب مشاعره ويتحقق أولا من هو من خلال المعرفة الحقيقية أو الكاميرا أو رسالة صوتية أومقابلته وجها لوجه.
تعرب د.إنشاد عمران.أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية عن استيائها من هؤلاء المتسولين الذين يستخدمون كل أنواع الاستجداء.قائلة :إن ما يفعلونه يسيء لسمعة مصر ويعتبر نصبا علنيا ونحن لسنا شعباً من الشحاتين. فبعض الدول العربية ترسل المساعدات المالية لهؤلاء مما يظهر الدولة أنها مقصرة.
تلقي د.إنشاد اللوم علي المواطن الذي يدفع لهم ويصدقهم.وتري أنه مادامت هناك استجابة ستزداد الظاهرة فالمتسول ذكي اجتماعيا ومنهم من لديه عمارات وحسابات في البنوك وبأقل مجهود لكن المواطن في ذهنه أنها صدقة ويريد الثواب.وعلي المحتاج أن يتقدم إلي الشؤون الاجتماعية لبحث حالته وأعتقد أن التحول الرقمي سهل ذلك بالإضافة إلي الخطوط الساخنة وأرقام الإغاثة للحالات الطارئة
رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر:
الصدقات لليتامي والأرامل والمرضي غير القادرين.. وليس المخادعين
يستشهد فضيلة الشيخ عبدالحميد الأطرش.رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر في بداية كلامه بحديث الرسول صلي الله عليه وسلم "المؤمن كيس فطن ". ونهي النبي عن التسول وحذر منه »فقال "إن المسألة لا تجوز إلا لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع" والتسول سيكون مثل النقطة السوداء في وجه صاحبه يوم القيامة.وعلمنا رسولنا كيف نرد السائل بطريقة مهذبة فقال"رد السائل ببذل يسير أو برد جميل فإنه يأتيكم من ليس من الإنس أو الجن لينظر كيف تعملون فيما خولكم الله فيه" كما بين النبي أنه ليس المسكين الذي ترده اللقمة أواللقمتان فالشخص الذي يطرق الأبواب ويسأل هذا وذاك ربما ليس في حاجة.فالذي في حاجة حقيقية يستحي أن يمد يده.
وأقول لكل عاقل: الحي الذي تسكن فيه لا يخلو من أرملة تعول أيتاما ولا مريض لم يقو علي الدواء ولا عاجز لا حول له ولا قوة فهؤلاء أولي بزكاة أموالكم وصدقاتكم أما الانترنت فهو وسيلة حديثة للخداع ومواقع التواصل الاجتماعي بها الصادق والكاذب.
اترك تعليق