أيام قليلة ويُقبل علينا شهر رمضان المبارك بالخير والبركات، وكلنا يريد أن يكون من الفائزين بثواب وبركات الشهرالكريم، وكلنا يعلم أن كل عمل في الإسلام لابد أن تسقبه النيّة، فبالنيّات تُقبل الأعمال، ويتضاعف أجرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امرئ ما نوى..."،
فبماذا تنوي قبل شهر رمضان لتفوز به ويتضاعف أجرك؟ أولا: تنوى بصيامك أن تُسْلِم نفسك لله تعالى وتبتغى بحبسها ومنعها عن أسباب الحياة من طعام وشراب تبتغى بذلك وجه الله ورضاه. ثانيا: تنوي أن تحرص على العمل بكل ما تعلم مما فى القرآن الذى أنزله الله تعالى فى شهر رمضان فتأتمر بما أمر الله وتنتهى عما نهى. ثالثا: تنوي أن تصوم بكل جوارحك فلا تفضى ببشرتك إلى أهلك بشهوة ولا إلى غيرهم بشهوة ولا بغير شهوة بل تنوي أن تجعل لمسك ومسّك لكتاب الله وأن تُرْبِت على رؤوس الأيتام وأن يكون صومُك بكل جوارحك، بلسانك فتحفظه عن السب والشتم واللعن وقول الزور فلا تغتاب ولا تكذب ولا تذم ولا تنم ولا تلهى وقتك بالشعر ولا بالغناء ولابالقصص والمسلسلات والأسمار، بل تجعل لسانك رطبا بذكر الله وقراءة القرآن والطيب من الأقوال، تصوم بيدك عن السرقة والاختلاس والغش والتحرّش فلا تمدها لأحد بالبطش والأذى بل تمدّها بالصدقة والإحسان ومساعدة الأهل خاصة الناس وعامة، تصوم برجلك عن السعى فى التخريب والإثم والعدوان والذهاب لأماكن اللهو والفجور بل تقوم برجلك تسعى لصلة الأرحام والإحسان إلى الجار والإصلاح بين المتخاصمين والصلاة والقيام.
رابعا: إذا أفطرت أن يكون طعامك كطعام رسول الله طوال شهر رمضان التمر والماء وفقط، فعن أبي هريرة: كان يمر لرسول الله هلال، ثم هلال لا يُوقد في شئ من بيوته نار لا لخبز، ولا لطبيخ.
خامسا: تنوي أنك إن أردت زيادة فتكون بالزبيب أو التين والزيتون والماء واللبن، وإذا كانت نية ذلك شاقة عليك فادع الله أن يُيسر عليك كل هذه الأعمال ويقدرها لك ويتقبّلها منك، ثم استحضر معاني الصوم، فالصوم له معاني جليلة، فهو يحمل معنى مجاهدة النفس لكل ما تتوق إليه من رغبات دنيوية، وترويضها على الامتثال لطاعة الله، وحُسن عبادته، ولذا يقول الإمام الغزالى فى "الإحياء": (ومن أخلى معدته فلا يكفيه ذلك لرفع الحجاب ما لم يخل همّته عن غير الله عزّ وجلّ وذلك هو الأمر كله، ومبدأ جميع ذلك تقليل الطعام)، وليكن لديك الثقة واليقين أن الله سيهديك إلى صراطه المستقيم لأنه القائل "والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سُبُلنا".
كما أن الصوم يحمل معنى الطهارة، فهو في ذاته طهارة ظاهرة وباطنة، ظاهرة بتطهير الإنسان نفسه فى القول والفعل المحرّم الذى يفسد صومه، هو الذى يخرج من فمه فليس ما يدخل الفم ينجِّس بل ما يخرج منه ويحمل أجمل وأرقى المعانى الظاهرة والباطنة لأركان الإسلام. فمن معاني الصوم أنه طهارة باطنة بصدق المعاملة فى الصوم مع الله وإخلاص النيّة له فى العبادة، وهو صلاة مع الله وتقوية لصلتك به فى تحمل المشقّة طلبا لمرضاته تعالى ومراقبتك له دائما وخشيتك منه خوفا من أن تفعل شيئا يفسد صيامك فهو يجعلك فى صلاة دائمة، وهو زكاة للنفس والبدن بمعنى أنه ترقية للنفس وتنقية للبدن من أدران السنة كلها مما علق بها من ذنوب ومعاصى ومن سموم وشحوم وثقل وعبء.
وهو حج إلى الله لأن معنى الحج هو القصد وأنت بصيامك تقصد من سوى الله وتترك بيتك وأهلك ومالك قاصدا وجه الله وكل ذلك فى الصيام، فأنت تمتنع طواعية عن الطعام والشراب والأزواج وتنفق المال، وفى أوقات منه تعتزل الدنيا كلها وتعتكف، وكلها معانى الحج، بلَّغنا الله وإياكم شهر رمضان ويسَّر الله لنا الصيام والقيام وصالح الأعمال
اترك تعليق