هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

مقبرة الإفلاس

في محاضرات الصحافة العملية أخبرنا أستاذنا حينذاك أن نرتب مجموعة أخبار-لم تحدث-من حيث أهميتها، وكانت تلك الأخبار تتحدث عن زلزال مدمر وحرائق الغابات وباقي الكوارث الطبيعية، وفي النهاية كان الخبر الأخير يتحدث عن انفجار خط أنابيب النفط"التابلاين"، وبعقلي الصغير وقتها توقعت أن الكوارث الطبيعية وعدد الضحايا هم أكثر الأخبار أهمية؛ لكني فوجئت أن خبر انفجار التابلاين هو أهمهم على الإطلاق، وحينما لمح أستاذي تعبيرات الدهشة على وجهي أخبرني أن خط التابلاين هو أكبر خط نفطي بالعالم، وتوابع الخبر سيؤثر على الاقتصاد العالمي، وبالتالي سيتأثر ملايين البشر من العواقب الوخيمة لتلك الأزمة، ومنذ ذلك الحين وأنا مقتنعة أن أخبار الاقتصاد هي أساس كل الصراعات السياسية، والسبب الرئيس في تدهور حال الشعوب على الصعيد الاجتماعي والأخلاقي..الخ. 
 


وأكبر عوامل نجاح الاقتصاد وازدهاره هم البشر؛ لهذا السبب لا شك أن جائحة كوفيد-19 ضربت اقتصاد العالم في مقتل بعدما أودت بحياة 1.9 مليون شخص في أنحاء العالم، في حين أن سلالاتها الجديدة لم تترك للبشر أيّ بصيص أمل حتى بعد ظهور لقاحات عدة للوقاية منها، الأمر الغريب حقًا أن القطاعات التي استفادت من الأزمة فور اندلاعها في بداية العام الماضي لم تستطع الحفاظ على معدل نموها الاقتصادي؛ فعلى سبيل المثال كانت شركة أمازون من أكبر المستفيدين من الأزمة نظرًا لتوافد الكثير من العملاء على موقعها لشراء المنتجات أونلاين، ووفقًا للأرقام كانت أمازون تجني 11 ألف دولار في الثانية الواحدة في شهر أبريل 2020، ولكن التعامل مع عملائها الجدد ونفقات تطهير مخازنها وتوظيفها لموظفين آخرين للتعامل مع كل هذا العمل الإضافي جعلها تنفق 4 مليارات دولار في تلك الفترة، مع العلم أن أرباحها الإجمالية في 2019 لم تتجاوز(2.5) مليار دولار.
الآن قد يخبرني أحدكم أن أمازون لم تستطع التعامل مع ضغط العمل وأنها فشلت في إدارة الأزمة وتحويل العقبات لفرص..حسنًا، دعوني إذن أخبركم بما حدث مع شركة نتفليكس، تلك الشركة التي حصلت علي أكثر من 16 مليون مشترك في أبريل 2020 لم تستطع-بالرغم من هذا النجاح الكبير-أن تحقق أرباحًا عالية؛ لأن مشتركيها الجدد من جميع أنحاء العالم استخدموا عملاتهم الوطنية للاشتراك في خدماتها، في حين أن قيمة صرف العملات انخفضت في جميع الدول جراء الأزمة، وخلاف هذا وذاك اضطرت نتفليكس إلى إنتاج أعمال درامية جديدة من أجل الحفاظ على رضا العملاء القدامى والجدد، وطبعًا بمقارنة أرقام أمازون ونتفليكس-الأرباح والخسائر-سنجد أن الأزمة لم تصُب في مصلحة الشركتين على الرغم من إقبال العملاء على خدماتهم بشكل مفرط.
إذن أين تقبع المشكلة بالتحديد؟؟ فالأزمة الاقتصادية لم تتدهور بسبب تفشي فيروس أو حتى بسبب حرب نووية؛ لكن السبب الرئيس في تدهور الاقتصاد يكمن في تصرفات الدول قبل الأزمة؛ فتجاهلهم للأزمات السياسية ومشاكل اللاجئين، وزيادة الصراعات بين بعضهم البعض أوصل الاقتصاد إلى الهاوية بالفعل، وكانت كورونا هي القشة التي قصمت ظهر البعير؛ فشركة واحدة لا تستطيع أن تزدهر في حين أن باقي الشركات تعاني من خلل كبير، ودولة واحدة لا تستطيع أن تنعش اقتصادها بالاعتماد على أسواقها المحلية فقط، وأكبر دليل على ذلك هي الصين؛ فعلى الرغم من كونها دولة ملياريه إلا أن اقتصادها القوي نابع من صادراتها، والذي بلغت خلال عام 2019 ما يقرب من (2.5) تريليون دولار، وهو ما يعادل (17%) من إجمالي ناتجها المحلي، وبناء على ذلك لا نستطيع أن نُعلق شماعة أخطائنا على جائحة كورونا فحسب، ولكن عوضّا عن ذلك ينبغي على العالم أن يفتش في دفاتره القديمة عن الأيام التي وضع فيها أول مسمار في نعش اقتصاده، قبل أن تقودنا أخطائنا إلى مقبرة الإفلاس.

بقلم - هبه مرجان:





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق