دعا أحد أساتذة الجامعة تلامذته الذين تخرجوا منذ فترة من الزمن،فاجتمعوا فى ضيافة أستاذهم يتذاكرون شئون حياتهم،وقدَّم لهم أستاذهم القهوة فى مجموعة فناجين أنيقة ومجموعة أخرى من أكواب عادية.
ولكن لاحظ الأستاذ أن أيديهم جميعاً قد امتدت للفناجين الأنيقة فقط،فقال لهم لقد أخذتم الفناجين الأنيقة وتركتم الأكواب العادية،مع أن المطلوب هو شرب القهوة بغض النظر عما إذا كانت فى فنجان أو كوب عادى.
لا شك أن فى ذلك درس من أعظم الدروس،وهو تربية النفس على القناعة،وأنك طالما حصلت من على ما تريده من الستر ومقومات الحياة الكريمة،فلا داع للجرى وراء المظاهر والكماليات التى لا يضرك الحرمان منها،وخاصة إذا كلفك الحصول عليها أن تسلك طرقاً غير مشروعة.
فلا شك إذا فى روعة القصة،ولكن الأروع منها هو حديث شريف،لخًّص فيه رسول الله ذلك كله وزيادة،بل ولخًّص فيه أسباب السعادة مجتمعة، حيث أخبرنا فيه النبى صلى الله عليه وسلم أن من أصبح عنده قوت يومه،آمنا فى سربه،مُعافاً فى بدنه،فقد حِيزت له الدنيا بحذافيرها.
والعجيب ياسادة أننا نكاد جميعا – والحمد لله – نمتلك تلك الثلاث،ومع ذلك يدُبُّ فينا الخوف من الغد،ولا تجد أحداً يشعر بالراحة إلا من رحم ربى،أو إن شئت فقل: إلا من أنعم الله عليه بفهم هذا الحديث،وأعمل مضمونه وطبقه على نفسه،فشعر براحة البال.
صحيح،ماذا تريد بعد تلك الثلاث؟.
عِش يومك ملكا مع تلك الثلاث،ودع القلق من الغد،فإن الذى كفاك ما كان بالأمس،سيكفيك فى غد ما يكون.
أما سألت نفسك،من الذى رزقك بتلك الثلاث اليوم؟.
إنه الله.
هو الذى كفاك عيش اليوم،وهو الذى يتولاك فى الغد كما قلت.
عِش سعيداً اليوم،فإن أدركت الغد سعيداً،فُزتَ بسعادتين ،وإن أدركته حزيناً أعانتك سعادة الأمس على تحمل حزن الغد.
ولكن أغلب ظنى أن الله ما كان ليُحزن عبداً فى غده، وهو قد عاش الأمس بقين فى الله ألا يخذله فى الغد.
ثم أنه ينبغى على كل منا أن يعيش كل لحظة على أنها آخر لحظة،وطالما الأمر كذلك،فلا خوف ولا قلق،فالأمر كله إلى انتهاء،فعلِّق القلب بالله،فقد كفاك أمر الحياة وأنت جنين،ثم وأنت طفلاً،واليوم تضطرب ثقتك فيه بعد كل تلك السنين.
عيبٌ عليك ياهذا،فأفق مما أنت فيه.
بقلم دكتور - نبيل عبدالفتاح عبدالعزيز قوطه:
مدرس القانون الدولى العام
كلية القانون- جامعة بدر بالقاهرة
اترك تعليق