كثرت في الآونة الأخيرة الأحداث والتصرفات المخجلة التي أثارت اشمئزاز وبلبلة لدى المتابعين لها على السوشيال ميدياً، وكان لها ردود أفعال واسعة تخطت حدود الدولة المصرية، وباتت حديث الصباح والمساء على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية العربية والعالمية، من بين هذه الأحداث وأهمها، مبادرة عقد زواج مشاركة بين الزوجين، وهو ما عرف بـ" زواج التجربة".
مصطلح زواج التجربة في حد ذاته أثار جدال واسع بين فئات الشعب المصري، والمؤسسات والهيئات الدينية، فهو مصطلح يحمل بين طياته معاني سلبية ودخيلة على المجتمع المصري المتدين، الذي يأبى ما يخالف الشرع والقيم الاجتماعية، فقد تم استخدامه لتحقيق شهرة زائفة ودعاية رخيصة على مواقع التواصل الاجتماعي، بداية صياغة هذا العقد جاء على يد المحامي المصري أحمد مهران، أستاذ القانون العام والمحامي المتخصص في قضايا الأسرة..
حيث أعلن في أواخر شهر ديسمبر الماضي عن مبادرة للحد من ارتفاع نسب الطلاق في مصر على حد تعبيره، وأن فكرة المبادرة استنبطها من الأرقام والإحصاءات الرسمية، التي تشير إلى ارتفاع نسب الطلاق في مصر خلال السنوات القليلة الماضية، والتي باتت تشكل أزمة قانونية واجتماعية في مصر، فقال معبراً ومفتخراً عن مبادرته هذه بأنها " تعتبر النموذج الأنسب لهذه المرحلة التي تهدف للحد من انتشار الطلاق في المجتمع العربي، من خلال الالتزام والحفاظ على كيان الأسرة واستبعاد الطلاق كحل لأي من المشاكل التي تواجه الزوجين في السنوات الأولى"، كما صرح بأن" زواج التجربة هو الأفضل والأنسب للزوجة المصرية والزوج المصري، والأضمن لسلامة الحياة الزوجية واستمرارها دون انقطاع أثناء فترة التجربة".
كما ذكر أنه استوحى الفكرة من" قائمة المنقولات"، التي يتم فيها ذكر كل تفاصيل شقة الزوجية وما تحويه من أثاث وأجهزة كهربائية وأدوات منزلية ومفروشات وما شابة ذلك، ويقوم الزوج بالتوقيع عليها ويقر أنه ملزم بردها إذا ما طلب منه ذلك، وبهذه الطريقة المشابهة، تسلقت إلى ذهنه فكرة عقد قانوني ملحق بعقد الزواج، ويتضمن الشروط غير المادية التي يتفق عليها الزوجان قبل الزواج، ليكون بمثابة رادع قانوني في حال لم يلتزم أحد الطرفين بتلك الشروط.
بداية الفكرة
وفور إقرار هذا العقد والعمل به، مع أول زوجين ذهبا إليه بمكتبه لرفع دعوى الطلاق بعد سنوات من الزواج، لكثرة الخلافات بينهما، فحاول الصلح بينهما أكثر من مرة لكنهما رفضا، وعند عرضه عقد مبادرة مشاركة الزواج عليهما، قابلاه بالموافقة، ومن هنا بدأت الحكاية، حيث استغل الأستاذ أحمد مهران المحامي قبول هذين الزوجين على العقد الذي ابرمه بنفسه ليطلق من خلاله مبادرة " زواج التجربة"، على نطاق أوسع على صفحته الشخصية على السوشيال ميديا، مما جعل الكثير من المتابعين له يقابل الفكرة بالهجوم الشديد، وسرعان ما انتشرت بين فئات المجتمع وبدأت ردود الأفعال تتوالى ما بين مؤيد ورافض للفكرة بشدة، والبعض وصفه " بزواج المتعة" لتقييده بعدد سنوات معينة، حتى وصل الأمر للهيئات الدينية بالدولة، ما جعل الأزهر الشريف يبادر بإصدار بيان من جانبه، وصف فيه زواج التجربة بأنه" اشتراط فاسد لا عبرة له"، وأضاف أن" اشتراط انتهاء عقد الزواج بانتهاء مدة معينة يجعل العقد باطلاً ومحرماً"، وعقب الأزهر على صورة العقد المتداولة" أنها تتنافى مع دعائم منظومة الزواج في الإسلام، وتتصادم مع أحكامه ومقاصده، إضافة إلى ما فيها من امتهان للمرأة".
الرد الرسمي للأزهر الشريف، جاء على النحو التالي" الزواج ميثاق غليظ لا يجوز العبث به، واشتراط عدم وقوع انفصال بين زوجين لمدة خمس سنوات أو أقل أو أكثر في ما يسمى بزواج التجربة اشتراط فاسد لا عبره به، واشتراط انتهاء الزواج بانتهاء مدة معينة يجعل العقد باطلاً ومحرماً"... صادر عن مركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية.
أما بالنسبة لدار الإفتاء فقد صرحت بأنها تدرس المبادرة بكافة جوانبها، وأوضحت أنه" اطلعنا على الأسئلة المتكاثرة الواردة إلينا عبر مختلف منافذ الفتوى بدار الإفتاء المصرية، حول ما يسمى إعلامياً بمبادرة" زواج التجربة"، والتي تعني بزيادة الشروط والضوابط الخاصة في عقد الزواج، وإثباتها في عقد مدني منفصل عن وثيقة الزواج، والهدف من ذلك إلزام الزوجين بعدم الانفصال في مدة أقصاها من ثلاث إلى خمس سنوات، يكون الزوجان بعدها في حل من أمرهما، إما باستمرار الزواج أو الانفصال حال استحالة العشرة بينهما".
ونفيد: أن هذه المبادرة بكافة تفاصيلها الواردة إلينا قيد الدراسة والبحث عبر عدة لجان منبثقة عن الدار، وذلك لدراسة هذه المبادرة بكافة جوانبها الشرعية والقانونية والاجتماعية، للوقوف على الرأي الصحيح الشرعي لها، وسوف نعلن ما توصلنا إليه فور انتهاء هذه اللجان من الدراسة والبحث.
ومن جانبها، دعت جميع فئات المجتمع إلى عدم الانسياق وراء دعوات حداثة المصطلحات في عقد الزواج، التي ازدادت في الآونة الأخيرة، والتي يكمن في طياتها حب الظهور والشهرة وزعزعة القيم، مما يحدث بلبلة في المجتمع، ويؤثر سلباً على معنى استقرار وتماسك الأسرة، التي حرص عليه ديننا الحنيف ورعته قوانين الدولة.
تأهيل الزوجين
وأكدت دار الإفتاء أن" اشتراط منع الزوج من حقه في طلاق زوجته في فترة معينة بعد الزواج، هو من الشروط الباطلة، لأن فيه إسقاطاً لحق أصيل للزوج جعله الشرع له، وهو حق التطليق، فاشتراط هذا الشرط إن كان بعده فهو شرط باطل، فيصح العقد ويبطل الشرط في قول جميع الفقهاء.
وأضافت دار الإفتاء أن" تجنب الخلافات الزوجية لا يكون مسلكه وضع الشروط الخاصة، والحرص على كتابتها تفصيلاً في وثيقة الزواج الرسمية، أو إنشاء عقد آخر منفصل موازي لوثيقة الزواج الرسمية، بل سبيله مزيد من الوعي، بمشاورة المختصين والتنشئة الزوجية السليمة، والتأهيل للزوجين بكافة مراحله".
بالنهاية، يمكن القول بأن زواج التجربة، ليس زواج تجربة من الأساس، إنما هو عقد صلح، وأن الهدف من وراء هذا المصطلح هو لفت الانتباه، الذي بسببه أحدث بلبلة في المجتمع، وأثار قضية لم تكن مثارة من الأساس وهي أن الأزواج يتزوجا بهدف المتعة أو" زواج التجربة".
اترك تعليق