في خضم التطورات السريعه والمتلاحقه والتي أصبحت تنعكس بلاشك علي النظام البيئي عالميا، وما إستلزمه ذلك من ضروره البحث والتفكير عن حلول للمشكلات والتغيرات التي تواجه النظام البيئي العالمي من قبل الحكومات والمنظمات المعنيه بالمحافظه علي النظام البيئي العالمي ، وفي سياق المساعي العالميه نحو تحقيق التنمية الاقتصاديه المستدامة والتي أصبحت وبكل تأكيد هدفا رئيسيا أمام كافه الدول علي مختلف مستويات التنمية الإقتصادية بها.
لأن القطاع المصرفي أصبح الان اللاعب والحاكم الرئيسي في قياده مسيره التنمية الإقتصادية المستدامة لاي دوله ، فكان ذلك دافعا نحو إتجاه القطاع المصرفي في كافه الدول بالتوجه نحو أستحداث نظم تمويل تختص بتقديم الدعم المادي للمشروعات الإقتصادية الصديقة للبيئه أو ماتعرف لمشروعات الاقتصاد الاخضر علي الصعيد الاقتصادي ، والصيرفه الخضراء علي الصعيد المصرفي، وتعتبر الخدمات المصرفية الخضراء شكل من أشكال الخدمات المصرفية التي تحصل الدولة منها على فوائد بيئية، وتصبح البنوك مصرفًا أخضرًا من خلال توجيه عملياته المصرفية الأساسية نحو تحسين البيئة، كما تعرف الأعمال المصرفية الخضراء على أنها أنشطة تمويلية من قبل المؤسسات المالية المصرفية تهدف إلي تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وزيادة مرونة المجتمع تجاه الآثار السلبية لتغير المناخ مع مراعاة أهداف التنمية المستدامة الأخرى مثل تحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل والمساواة بين الجنسين، كما أصبح مصطلح الصيرفة الخضراء أكثر إنتشارا في عالم البنوك اليوم، وهو مايعني وضع استراتيجيات مصرفية شاملة تضمن تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامه، وتعزيز الممارسات الصديقة للبيئة أيضًا، كما تنطوي الصيرفة الخضراء على تعزيز المسؤولية البيئية والاجتماعية مع توفير خدمات مصرفية ممتازة.
كما أن الخدمات المصرفية الخضراء تهدف في نطاق واسع منها علي معالجة بعض القضايا الأكثر إلحاحًا في العصر الحالي، وبالتالي فإن الخدمات المصرفية المسئولة تتضمن التزامًا قويًا من البنوك بتحقيق التنمية المستدامة ومعالجة المسؤولية الاجتماعية للشركات كجزء لا يتجزأ من أنشطتها التجارية، كما يمكن أن تكون الصيرفة الخضراء مجموعة فرعية من الخدمات المصرفية المستدامة التي تميل إلى التقاط أبعاد بيئية واجتماعية أوسع.
وساهمت العديد من المشروعات الإقتصادية التي نفذتها الدوله المصرية علي مدار ال٦ سنوات الماضية والتي تصنف علي إنها من المشروعات التي تندرج ضمن الاقتصاد الاخضر ، وهو ماجعل مصر تمتلك محفظه إستثماريه قويه في مشروعات الاقتصاد الاخضر ، وهو ماجعل هناك إهتمام كبير من قبل الاستثمار النظيف ، والذي يبحث عن التواجد داخل تلك المشروعات ، ولعل ذلك هو مايعد حافزا قويا ومهم للاستثمارات الاجنبيه ان تتواجد داخل تلك الاستثمارات، وهو أيضا ماكان حافزا قويا للقطاع المصرفي المصري أن يستحدث أشكالا جديده في نظم التمويل الخاصه به والتي تستطيع أن تقدم حافزا لاستقطاب هذا النوع من الاستثمار النظيف، هذا بالإضافة الي إمتلاك مصر السياسات الواضحة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة إلا أنه أيضا هناك فرص لخلق بيئة تمكينية للمؤسسات المالية للعب دور كبير لتعزيز النمو الأخضر في الحاضر والمستقبل.
ويتمثل دور البنوك في تمويل الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر في فتح الاستثمارات الخاصة بذلك، بالإضافة إلي النظر في المخاطر وتقييم المشاريع من منظور اقتصادي وبيئي، وعلى الرغم من أن العديد من البنوك المصريه أثبتت ريادتها في تمويل المشاريع الخضراء أو المناخية إلا أن المحفظة الخضراء لمعظم البنوك لا تزال منخفضة للغاية، وقدرت مؤسسة التمويل الدولية "IFC" إجمالي القروض الخضراء والائتمانات من البنوك في الدول النامية للقطاع الخاص بنحو 1.5 تريليون دولار أمريكي.
وفي السياق ذاته، أصبح عدد من البنوك في مصر على دراية قويه بدورها في معالجة العديد من القضايا المتعلقة بتحقيق الاستدامه البيئيه مثل تغير المناخ ، وهو مايعني أنه يجب على القطاع المصرفي في مصر إطلاق شبكة التخضير للنظام المالي للمساهمة في تحليل وإدارة المخاطر المتعلقة بالمناخ والبيئة في القطاع المالي وتعبئة التمويل السائد لدعم التحول نحو اقتصاد مستدام، وذلك في إطار ماقامت به بعض البنوك المصرية من خطوات لتخضير عملياتها من خلال دمج المخاطر البيئية وتغير المناخ في استراتيجياتها وأنظمة إدارة المخاطر وطرح المنتجات المالية الخضراء لتوسيع آفاق أعمالها، وفي السياق ذات تفتقر بعض الدول إلى سياسات الصيرفة الخضراء، وذلك نتيجة الافتقار إلى الإطار التنظيمي والإشرافي الضروري للتحول للإقتصاد الاخضر، وكذلك الفشل في دمج مخاطر البيئة وتغير المناخ في استراتيجيات البنوك وأنظمة إدارة المخاطر وبالإضافة إلى ذلك غالبًا ما يجعل الإطار المالي الحالي من الصعب تلبية الاستثمار المطلوب بسبب وجود معوقات على المستوى القطاعي والمؤسسي.
وفي حين أن المصارف الخضراء لا تزال مفهومًا جديدًا في القطاع المصرفي، إلا أنها يمكن أن تخدم أهداف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وذلك من خلال تمويل أنشطة التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه بالتعاون مع القطاع الخاص، ويتشابه مفهوم الصيرفة الخضراء مع مفهوم التمويل المناخي الذي حددته اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والذي يشير إلى التمويل الذي يهدف إلى الحفاظ على زيادة المرونة والنظم البشرية والبيئية لآثار تغير المناخ السلبية، ونظرًا لأن المخاطر المالية الناجمة عن تغير المناخ أصبحت أكثر وضوحًا وأوثق صلة بالقطاع المصرفي فإن عددًا متزايدًا من البنوك المركزية والمؤسسات المالية يتعامل معها بجدية أكبر، وأوضحت بأن المخاطر المتعلقة بالمناخ أصبحت مخاطر مالية وبالتالي فإن رعاية المخاطر المناخية تقع ضمن تفويضات البنوك المركزية، كما تم إنشاء TCFD من قبل مجلس الاستقرار المالي وهو هيئة دولية تراقب وتقدم توصيات حول النظام المالي العالمي ، بهدف تطوير الكشف عن المخاطر المالية الطوعية والمتسقة المتعلقة بالمناخ والتي ستكون مفيدة للمستثمرين والمقرضين والتأمين الشركات ومديري الأصول في تحديد وإدارة المخاطر الماليه، كما تم إنشاء مجموعة دراسة التمويل المستدام G20 لتحديد العوائق التي تحول دون التمويل الأخضر وتحسين النظام المالي لتعبئة رأس المال الخاص للاستثمار الأخضر والمستدام.
ويجب أن تلعب البنوك المركزية والهيئات التنظيمية المالية دورًا داعمًا في تعميم التمويل الأخضر والتأكد من قياس المخاطر المتعلقة بالمناخ بشكل صحيح والتحقق منها والإبلاغ عنها، مما يكون داعما قويا نحو تعجيل التحول ناحيه الاقتصاد الاخضر.
بقلم - أحمد ابو على:
الباحث والمحلل الاقتصادى
اترك تعليق