يصر أبي أحمد، رئيس الوزراء الأثيوبي، على أن الحرب في تيجراي قد انتهت. كما يزعم أن قواته حققت انتصارًا حاسمًا على الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي وأن التقارير عن استمرار التمرد خاطئة. لكن تقريرًا نشرته دورية "فورين أفيرز" الأمريكية المرموقة يقول إن الواقع في تيجراي مختلف جدا. فالقوات الإثيوبية تسيطر على جزء كبير من المنطقة، لكنها لم تحقق السيطرة الكاملة، ولا يزال قادة ومقاتلو الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي طلقاء.
ومن أسباب استيلاء القوات الإثيوبية على العاصمة ميكيلي بسرعة هو أن الجبهة سحبت أعدادا كبيرة من مقاتليها ووزعتهم عبر المناطق الريفية المحلية والمناطق الجبلية النائية. والمعروف ان الجبهة الشعبية وصلت للسلطة عام 1991 باستخدام تكتيكات حرب العصابات ضد نظام منجستو هيلا مريم. الآن، عادت إلى تلك الممارسات ويبدو أنها شنت سلسلة من الهجمات ضد القوات الإثيوبية، لكن يصعب معرفة مدى تكرار أو فعالية هذه الهجمات لأن أديس أبابا تفرض تعتيمًا شديدًا على ما يجري في المنطقة.
ولا يمكن استبعاد حدوث تمرد دموي آخر. ويمكن أن تكون انتفاضة تيجراي معدية أيضًا، وقد تنشط أو تندمج مع الثورات في أجزاء أخرى من إثيوبيا. وحتى إذا تمكنت القوات الإثيوبية من القضاء على الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، فإن الاستياء الشعبي العميق من عدوان رئيس الوزراء سيستمر في التفاقم، مما يؤدي لظهور جيل جديد من القادة المناهضين لأبيي والذين سيفعلون ما في وسعهم لمقاومة أديس أبابا.
وبعيدا عن تيجراي، سرّعت الحرب وتيرة ما كان يمثل بالفعل أزمة تآكل شرعية أبي أحمد، فبعد أقل من ثلاث سنوات من البدء في إصلاحات ديمقراطية وبعد عام واحد من حصوله على جائزة نوبل للسلام، يجد رئيس الوزراء الإثيوبي نفسه في حالة حرب وأصبح يحكم بالإكراه أكثر من التراضي، مع عدم وجود خطاب يوحد الأمة لإضفاء الشرعية على سلطته. وفي ظل تراجع الدعم الدولي، قد يجد أبي أن معالجة تداعيات حرب تيجراي أصعب بكثير من الحرب نفسها.
تزايد حالة السخط والكراهية .. ضد حكومة أديس أبابا
ومن بين ما جاء في التقرير إن الهجوم العسكري أذل الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي ولكنه أذكى النزعة القومية لدى أهالي الإقليم. على مدى 28 عامًا، قبل تولي آبي السلطة، هيمنت الجبهة على الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، وكانت تدافع بشدة عن الحكم الذاتي لإقليم تيجراي. لكن اختيار أبي رئيسًا للوزراء في 2018 كسر شوكة الجبهة وأنهى هيمنتها على السلطة. نتيجة لذلك، أدت محاولات أبي قمع تيجراي عسكريًا وإخضاع حكومتها لسيطرته إلى ظهور كراهية عميقة وسخط شديد تجاه الحكومة المركزية.
زاد نظام أبي الأمور سوءًا بحملة تمييز منهجي واستبعدت أديس أبابا أبناء تيجراي من وظائفهم بالسفارات، ومن بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي بالصومال، وحتى من شركة الطيران الوطنية. ويتعرض سكان تيجراي الذين يعيشون خارجها لمضايقات شديدة، وتقوم قوات الأمن بمداهمات تعسفية لمنازلهم. وقالت لجنة حقوق الإنسان في إثيوبيا إنها "تشعر بقلق بالغ" بشأن التمييز العرقي ضد أهالي تيجراي، "الذي يتجلى في الإجازة القسرية من العمل والمنع من السفر للخارج حتى لتلقي العلاج الطبي أو الدراسة".
ولا شك في أن قيام أديس أبابا بمعاقبة أهالي تيجراي في جميع أنحاء البلاد سيؤجج نيران التمرد. لكن جبهة تحرير تيجراي تواجه معركة شاقة ضد الدولة الإثيوبية. البيئة الدولية لم تعد مواتية بالقدر الذي كانت عليه في الثمانينيات، عندما كانت جبهة التحرير الشعبية الإريترية حليفة للجبهة الشعبية لتحرير تيجراي. الآن، إريتريا دولة مستقلة ترى في جبهة تيجراي عدوًا لدودًا. ويجد زعماء تيجراي أنفسهم محاصرين بين إريتريا والسودان، دون سهولة الوصول إلى حدود دولية تمكنهم من تأمين وصول الأسلحة والإمدادات.
لا تعني هذه القيود أن جهود جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيجراي محكوم عليها بالفشل، لكنها تعني أن التمرد يمكن أن يكون منخفض الدرجة وطويل الأمد، وأن فعاليته ستحددها قدرة الجبهة على تشكيل تحالفات مع الجماعات المتمردة الأخرى لتشتيت جهود الجيش الإثيوبي. وبغض النظر عن مدى قوة جبهة تحرير تيجراي، فإن حملة أبي العسكرية والتمييز الذي يمارسه نظامه ضد أبناء المنطقة يعزز المقاومة السياسية لسيطرة الحكومة الفيدرالية في تيجراي. وفي ظل عدم وجود توافق، سيتعين على أديس أبابا أن تحكم من خلال القمع.
ساعدت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، عن غير قصد، حملة تشويه السمعة التي كان يشنها أبي ضدها، وخصوصًا عندما أطلقت صواريخ على منطقة أمهرة. لكن حكومة أبي عملت لإذكاء المشاعر المعادية لتيجراي لتبرير التوغل العسكري في المنطقة.
ويشير تقرير الفورين أفيرز إلى أن أبي يمكن أن يسعى لإحياء أجندته الإصلاحية وإجراء انتخابات ديمقراطية تأخرت كثيرًا بسبب الوباء، وربما بسبب خوف أبي من احتمال ظهور نتائج غير مواتية. وسيرحب المانحون الغربيون وبعض الجماعات العرقية في إثيوبيا بمثل هذه الخطوة. لكن مصداقية آبي ستواجه صعوبة عند ترديد نغمة الإصلاح الديمقراطي، خصوصًا وأن هجومه العسكري على جبهة تحرير تيجراي جاء بعد أشهر فقط من اتهام قواته الأمنية بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان خلال العمليات الأمنية في منطقتي أمهرة وأوروميا. كما إن الإصلاح سيترتب عليه تقليص سيطرة الحكومة المركزية، وهذا قد يجعل أبي عرضة لتحديات إضافية من الجماعات المتمردة وأحزاب المعارضة.
لذلك قد يقرر أبي إعادة هيمنة الدولة المركزية بإطلاق قوات الأمن لقمع المقاومة. يمكنه الاعتماد على خطابه المناهض لجبهة تحرير شعب تيجراي، بهدف إضفاء الشرعية على مثل هذا النهج، وبحجة عدم السماح لأي مجموعة بالتصرف كما لو كانت أكثر أهمية من المجموع، وتصنيف من يفعلون ذلك بالإرهابيين. ويعتقد منتقدو أبي أنه يريد تركيز السلطة في يديه، لكنه يعلم أن ذلك سيفجر الصفقة التي جمعت البلاد معًا على مدى العقود الثلاثة الماضية، مما يولِّد تمردات جديدة ويتسبب في تفاقم الصراعات القائمة.
حتى خارج تيجراي، فشل أبي في بسط سيطرة فعالة على أراضي إثيوبيا الشاسعة. ورغم أنه ينحدر من منطقة أوروميا، أخفق في تهدئة الاضطرابات هناك أو في منطقتي ووليجا الغربية وبني شنقول-جوموز. وإلى جانب القتال المستمر في تيجراي، فإن التمردات الطويلة والاشتباكات المنتظمة بين الجماعات العرقية المتنافسة بهذه المناطق تقدم دليلًا قويًا على صعوبة حفظ الاستقرار السياسي في إثيوبيا وعلى حقيقة أن كل حكومة سعت للحفاظ على السلطة بانتهاك الشرعية، وبالقوة وحدها، أطيح بها في النهاية.
اترك تعليق