ما أجمل النخيل ، تلك الشجرة الباسقة التى ارتبطت بالإنسان منذ بداية الخليقة ، فأحسن صورها القرآن وأشار إليها بالبنان فى 23 موضعا مختلفا ، لما لها من رسوخ الجبال وشموخ الأبطال ،
فلا يتساقط ورقها صيفا أو شتاء ، لتعانق عناقيدها السماء وجريدها البطحاء ، حاملة ثمارا خالصة النقاء غضة المذاق تقى العلل وشفاء كل داء ، حيث قوامها الممشوق ، وشكلها الفريد وطلعها النضيد ، التى يهواها من يراها ويعتنى بها أصحابها ومرعاها ، فاستوصوا بعمتكم النخلة خيرا فإنها خلقت من طينة آدم ، فكانت رطبا جنيا لمريم العذراء وكم بكى جذعها حنينا واشتياق إلى خاتم المرسلين وأشرف خلق الله.
عرفت البشرية زراعة النخيل قبل أكثر من 6 آلاف عام، واتخذ الإنسان من ثمارها غذاءً ودواءً، ومن جذوعها وأغصانها سكنًا وفراشًا. كما قامت على أشجارها ومنتجاتها الثانوية العديد من الصناعات التى أصبحت مصدرًا للثروة الإقتصادية ودعم آلاف الأسر من المزارعين لتوفير مستلزماتهم ودخول صرفهم المعيشية ، وخاصة في محافظة الوادى الجديد ، التي تحتل الصدارة في إنتاج التمور بمصر ، لكونها الشجرة الوحيدة التي يستخدم كل أجزائها فى مختلف الصناعات والمجالات ذات الفوائد والقيمة التسويقية التى لا تنافسها فيها أي شجرة أخرى.
وبالرغم من تلك المزايا التى اختص بها الله أشجار النخيل لعباده من خواص وسمات وفوائد تنفرد بها دون غيرها لمجابهة أعباء الحياة والإستفادة من العائد ، تواجه زراعة النخيل وتجارة التمور ، تهديدًا بالغًا خلال السنوات الأخيرة، نتيجة انتشار حشرة صغيرة لا يتجاوز طولها بضعة سنتيمترات، بعد إصابتها المئات من الأشجار وتحويلها الى «منطقة موبوءة» تتضائل معها فرص الإنقاذ فى مهمة شبه مستحيلة تنتهي عادة إم باقتلاع النخلة المصابة، أو التخلص منها بالحرق المباشر والدفن فى مقابر جماعية يمكن تسميتها بضحايا مذبحة ايدز النخيل.
وقالت المهندسة نجلاء حسن السعدنى ، مدير إدارة الشئون الزراعية بمديرية الزراعة بالوادى الجديد ومسئول كارت الفلاح بالمحافظة ، أن مصر تمتلك حوالى 17 مليون نخلة من بينها 2.5 مليون نخلة فقط بالوادى الجديد ، مشيرة إلى أن سوسة النخيل الحمراء (Rhynchophorus ferrugineus) أحد أنواع الخنافس ذات الخطم وهى من أخطر الآفات الحشرية التي تهاجم النخيل على مستوى دول وقارات العالم المختلفة ، الأمر الذى دفع الباحثين ومنظمات مكافحة الأمراض لتصنيفها ضمن الأكثر فتكا بقلوب الأشجار وحياة الثمار , والمعروفة باسم (إيدز النخيل) والتى تم اكتشاف أول إصابة بها في المملكة العربية السعودية بالمنطقة الشرقية في بداية عام 1987 م.
واضافت "السعدنى" ، أن خطورة الآفة الفتاكة تمكن فى مهاجمتها بشراسة جميع الأعمار من الأشجار التى يقل عمرها عن 20 عاما بداية من جذع النخلة الغض وسهل الإختراق وقلبها النابض بالحياة ، وخاصة خلال موسم التجديد وتقليم جريد النخيل أحد وسائل النظافة المتبعة ، حيث يصعب إكتشافها مبكرا كلما ازداد ارتفاع الأشجار عن سطح الأرض ، لتبدأ عملية الإختراق والتغذية دون توقف طوال فترة نمو أطوارها وتكاثرها داخل جذع الشجرة اليابس .
واوضحت المدير التنفيذى لمنظومة كارت الفلاح الذكى بالمحافظة ، أن إجمالى مساحة المناطق المستغلة لزراعة النخيل على أرض المحافظة بلغت 28258 فدانا بها 2538560 نخلة ، بواقع 12255 فدانا بمركز الخارجة لعدد 1221108 شجرة نخيل ، ومساحة 5612 فدانا بقطاع إدارة موط الزراعية تضم 558256 نخلة ، إلى جانب القصر والتى تشغل مساحة 1669 فدانا بواقع عدد 162734 نخلة تقريبا ، و بالإضافة إلى 2104 فدانا متوسط إنتاج 104410 نخلة تم زراعتها فى منطقة العوينات التابعة لمركز ومدينة الداخلة.
وتابعت أن إجمالى مساحة مركز باريس المستغلة لزراعة أشجار النخيل بلغت قرابة ال 1946 فدانا تشغل 153871 نخلة ، بينما تمتلك مدينة بلاط مايقرب من 761 فدانا بواقع إنتاج 75699 نخلة سنويا ، ختاماً بمركز الفرافرة والتى بلغ إجمالى مساحة أراضيها المستغلة فى زراعة النخيل إلى 3911 فدانا بواقع 262482 نخلة تضم أصناف الصعيدى ، المنتور ، التمر ، برحى ، مجدول ، سكوتى ،برتمودا ساقعى ،اخلاص ملكابى ، العمبرة، الفريحى ، سكرى ، درنجيلا، دجنة، زغلول ، الخضرى.
وفى سياق متصل، أكد الدكتور مجد المرسي وكيل وزارة الزراعة بمحافظة الوادي الجديد فى تصريح خاص ، أن المديرية تعمل بكافة إدارتها المختصة تكثيف جهود عمليات فحص مزارع النخيل واتباع كافة أساليب الوقاية والحماية الدورية باستخدام الحقن المباشر ، ورش مبيد التابافان لمكافحة الإصابة مبكرا ، مشيرا إلى تنفيذ حملات موسعة لإزالة وإعدام النخيل المصاب فى المناطق المكتشفة حديثا ، كان آخرها بمدينة الخارجة وغيرها ببعض قرى باريس والداخلة وغيرها بمراكز المحافظة الخمسة.
ولفت المرسى، أن المديرية تواصل تشكيل لجان مرور فنية وفرق متابعة إشرافية تم تدريبها على طرق المكافحة وتزويدها بالخبرات اللازمة والأدوات الحديثة لمجابهة الآفات وإرشاد المزارعين بطرق الوقاية والتحصين ، حيث تتولي حصر اعداد الحالات ورصد بؤر الإصابة قبل انتشارها فى مراحلها الأولى داخل المزارع المستهدفة ، إلى جانب تدريب اصحابها علي كيفية إكتشاف الإصابة مبكراً والوقاية والعلاج، من خلال عدة لقاءات إرشادية للحد من فرص إنتشار ظاهرة السوسة الحمراء حفاظا على معدلات الإنتاج وسلامة النخيل.
وتابع ، أن مخطط مكافحة سوسة النخيل الحمراء يعتمد على برامج الإدارة المتكاملة، والتى تشمل المقاومة الكيماوية والمعاملات الوقائية ، وذلك بإتباع نظام يتضمن نزع الأعشاب الضارة و مخلفات التقليم ، ووضع أفخاخ من فيرومونات جنسية إلى جانب صيانة التربة والتسميد الجيد ، مشيرا إلى أهمية النظافة الدورية لتاج النخلة مع مراعاة مداوة أي جروح بارزة باستخدم المبيدات المناسبة ، لافتاً إلى ضرورة إزالة الأشجار المصابة وحرقها خارج المحيط فور اكتشاف الإصابة ، مع الإلتزام بقرار عدم نقل الفسائل والمنتجات الثانوية بين القرى والمراكز تنفيذا لتوجيهات محافظ الإقليم.
اترك تعليق