هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

الكهف الملعون
.
.

قصة ريهام حمدى

كيف انتهى الحالُ بي هنا؟ سأموتُ هنا وحيداً بالقبر لا يُسمع لي صوت ,دقائق وينتهي كل شيء , دقائق ويتوقف نبضي للأبد سأغمضُ عيني الآن وأتهيأ لما سألقاه . دُفنت حياً . عجباً لما رأيت عجباً لما فعلت كنت أنا وشياطيني من قتلوني .

 



يُقال أن من يموت يرى حياته تمر أمام عيناه لكم أتمنى ألا تكون هذه حقيقة لا أرغب في رؤية حياتي مجدداً فقط أريد الموت بسلام , وأي سلام هذا؟
بدأت أشعر باختناق بدأ الهواء المتواجد ينفذ , عجيب هدوئي وعدم مقاومتي ,الآن سأغمضُ عيني لأرحل بسلام.
- أخاك لم يستيقظ بعد؟ اذهب وايقظه يا أحمد.
- حسناً يا أمي سأفعل .
ذهب أحمد لإيقاظ أخيه وقد غط في نوم عميق , اندهش لوجود تراب كثير وطين على سريره وحوله وعلى وجهه ,
- ما هذا؟ جمال جمال استيقظ جمال.
فتح جمال عيناه وكأنه عاد من الموت
- ما هذا ؟ أين أنا؟
- أنت هنا بالبيت , ما هذه الأتربة أكنت بالمقابر أمس تدفنُ أحدهم؟
- مقابر؟ نعم كنت بالمقابر , ولكن كيف جِئت إلى هنا مجدداً؟
- رجاء لا تقصُ تخريفك على والدتك لديها ما يكفيها من الأمراض التي كنت أنت السبب فيها , سأُغلق الحجرة قبل أن تراك , اغتسل ونظف هذه الفوضى , سئمتُ من متابعة تخاريفك لا أريد حتى أن أعرف السبب.
- من هنا بالبيت يا أحمد؟ والدك هنا وأختك جميلة؟
- ماذا؟ والدك؟ ما الذي حل بك؟ توفى والدنا ما يقرب من عام ولا أعرف أين ذهبت جميلة . لماذا لا أتذكر؟ سأرحل الآن لدي دروس بالجامعة لألحق بها . سلام . لا تزعج والدتك .
إذاً لم يتم الإتفاق هذه المرة أيضاً , عجباً بماذا أضحي هذه المرة كي يعود أبي وأختي؟ ولماذا مازلت حياً؟ لابد أن أعود مرة أخرى لكهف اللعنات . نهضت من الفراش ونظفت الغرفة جيداً قبل أن أرى والدتي , حالتها الصحية بالفعل لا تسمح بكل هذه الفوضى .
- صباح الخير يا أمي . كيف الحال يا غاليتي .
- بخير يا ولدي لماذا تأخرت كل ذلك الوقت في الاستيقاظ؟
- عذراً كنت في عمل هام بالأمس سأتناول معك الطعام وارحل لمشوار هام
- بالتوفيق يا عزيزي
تناولت الطعام على عجل مني وانصرفت . كم كانت رؤية والدتي بخير تبعث علي بالأمل , لكم رغبت في السؤال عن أختي ولكني أخشى ألا تتذكر مثل أحمد . على كل حال لابد لي من الإنصراف والذهاب للكهف اللعين , إن لهم معي حساب عسير . تباً لشياطيني الحمقاء.
رحلت من البيت وما أن رحلت حتى وجدت أن الليل قد حل . لم أفهم ولم يستوعب عقلي ولكن هيهات هل ما حدث معي في السابق كان طبيعياً؟
همساتي اللعينة تضحيتي بأختي شياطين كهفي ؟ عجباً ألن ينتهي كل هذا؟ ألم يحن الوقت كي أستعيد كل ما فات؟
وأخيراً وصلت للكهف الملعون , رؤيته تجعل الدماء تتوقف في عروقي , تباً لرسومات الحائط اللعينة أشعر بمعاناتهم أشعر بعذابهم . كيف يمكن لرسم أن يكون بمنتهى الدقة ؟ كيف يمكن أن تنطق الجدران من الألم؟ سحقاً للتحذيرات ليتني عملت بها قبل أن أقرر الدخول لهذا المكان الملعون أشخاص مقطعة أجزاء صغيرة كل جزء له عين خاصة به وله فم صارخ متألم جماجم في كل مكان ورؤوس ليست لبشر مغطاة بشعر كثيف مازالت تفور دماءها , رسومات تحذيرية لأي شخص يفهمها بأي لغة كانت هدفها بث الرعب لعل الوافد يرجع .
دلفت للحجرة ومنها لساكن الكهف الملعون .
- ما الذي جاء بك يا جمال؟
- أختي وأبي ؟ لماذا لم أجدهم؟ وعدتني بالأمس إذا ضحيت بنفسي ونزلت القبر لأموت سيعودون واليوم لم أجدهم.
- وهل تمت التضحية يا جمال؟
- ماذا تقصد ؟
- أراك أمامي هائماً على وجهك ,أم أنك تدرك الحقيقة؟
- الحقيقة؟ لا ادرك من الأمر شيء , لا أفهم لماذا لم أموت ؟ قمت بكل ما أبلغتني به ولكن لا شيء حدث , استيقظت في سريري وقابلت أخي وأمي واكتشفت خداعك لي مجدداً .
- لعل اضحيتك لم تقبل . أراك واقفاً أمامي . ألست أنت الضحية؟ لماذا لم تمت؟
- وما العمل الآن ؟طلبت مني في البداية أن أقدم أختي كي يعود أبي وأراه مرة أخرى وفعلت . وخدعتني ولم يعد أبي . وطلبت مني أن أضحي بنفسي وستعود أختي وأبي وفعلت بالأمس . وخدعتني للمرة الثانية . وها أنا أقف أمامك قاتل أختي أعيش بذنب ثقيل ولا أعلم كيف أنظر في وجه أمي وأخي وماذا أقول لهم؟
- هناك حل . ولكن هل ستستطيع التنفيذ؟
- ما هو؟ أبلغني.
- تضحي مجدداً.
- بمن ؟ بنفسي ؟ مرة أخرى ؟
- كلا
- بأخي ؟ لا لن يحدث أبدا .
- لا ليس أخوك بالطبع ليس أحداً منكم على الاطلاق , لقد سبق لك وضحيت ووفيت , فقط أنت هائم لا ترى الحقيقة . لابد من التضحية بطفلة بريئة صغيرة . كتلك التي تقطن بالمنزل المجاور . هي هدفك الآن , لابد أن تدفنها حية كما فعلت بنفسك في المقابر. نسيت أن أبدي أعجابي بما فعلته أمس , حركة ذكية أن تنزل بقبر مفتوح وتنتظر فيه إلى أن يقومو بإنزال الميت ويغلق القبر . والآن كرر فعلتك وقم بالتضحية بتلك الفتاة وسيعودون جميعاً.
- ولكن منذ أن انتقلنا لهذا البيت اللعين وأنا ألاحظ أن لا أحد يقطن حولنا , الشارع بأكمله مهجور كتلك البيوت القديمة منذ أيام الحرب والعدوان على السويس , حكايات نسمعها عن صرخات أطفال ونساء وعجائز تُسمع من البيوت لذا لم يقربها أحد.
- وأنت؟ لماذا سكنت هنا؟
- لا أتذكر. لا أتذكر على الاطلاق , كل ما أتذكره هو ذلك القبو الملعون وتلك الصرخات في رأسي والورقة الدامية , لم أرى أبداً ورقة تنزف دماً وكلما مسحت عنها الدماء كلما زادت , وجدتها ووجدت بها عنوان الكهف هنا وجئت إليك ورأيت رسم الحائط , غلبني فضولي .
- إن لك قلباً شجاعاً أيها الأحمق والآن انصرف وحقق مطلبي وأنا أعلم أنك ستستطيع .
تركت الكهف ورحلت واقتربت من شارعنا , قد كان كلامي حقاً لا أحد يقطن هنا , وحده الأحمق من يفعل ذلك . ما العمل الآن ؟ لابد لي من الذهاب لمنطقة مجاورة واستدراج أي طفلة من هناك .
مشيت كثيراً حتى وجدت بعض الاطفال يلعبون الكرة بالشارع حاولت اللعب معهم ولكن يبدو أن عددهم كامل لم يعيرني أحد أي اهتمام ولم يلتفت لي أحد كأني سراب وكأن صوتي غير مسموع . سحقاً لجيل هذه الأيام لم يعد لديهم أي احترام لمن هم أكبر منه.
وجدت غايتي , طفلة صغيرة تبكي بجوار حائط , على ما يبدو أن الأطفال لا يرغبون في اللعب معها . هي إذا ما أبحث عنه , تلك هي ضالتي.
كم أحسست بدنائتي وأنا أقوم باستدراجها بالحلوى والابتسامات الزائفة ولكن لا سبيل آخر , أفعل أي شيء في سبيل رجوع أبي .
صرخاتها مازالت تتردد في أذني يعتصر قلبي ندماً على ما فعلت كم كانت تترجاني ببكاءها وصراخها , كم كانت خائفة وهي تسير خلفي وحينما دخلت القبر المفتوح وقمت أنا بإغلاقه عليها . دفنتها حية لعلي أجد أبي وأختي . سأكفر عن فعلتي لاحقاً ولكن اطمئن أولاً عليهم. لابد لي أن أعود الآن للمنزل . لا أعرف لماذا تهابني كلاب المقابر ؟ كنت قديماً أخاف منهم والآن هم من يخافون من مروري بجوارهم . هل أصبحت من الشر بمكان لأصل لهذه المرحلة؟ هل حقاً تشعر الكلاب بالشر؟ مهترىء شرير فاسد هذا أنا . سأغمض عيني الآن وغداً أمر جديد.
- استيقظ يا جمال , استيقظ
- من ؟ ماذا؟ أحمد؟
- نعم ومن سواه؟
- من هنا يا أحمد؟
- ماذا تعني؟
- من بالبيت؟
- أنا فقط هنا . ومن سواي يمكن أن يكون هنا يا جمال؟
- أين والدتك؟ ووالدك وأختك؟
- هل عدت لتلك التخاريف مرة أخرى والدك مات قرب العام ووالدتك أيضاً ماتت . ولم يكن لدينا أخت يا أحمد . ذكرني أن نذهب سوياً لطبيب يفحصك . أعددت لك الطعام سأرحل لدروسي . سلام.
- والدتي اختفت؟ ما الذي حدث؟ خدعني للمرة الثالثة .
- سأموت غيظاً . كلاااااااااااااااااااااااااااااا
في شارع موازي تحدث اثنان :
- هل سمعت هذا الصراخ يا منصور؟
- نعم إنها أصواتهم المعذبة هلم بنا نبتعد عن هذا الشارع يكفي ما حدث بالأمس من غياب الطفلة سما , والدها يحترق عليها .
- ألم يجدوها بعد؟ ألم يراها أحد على الاطلاق؟
- شخص رآها تسير وحدها باتجاه الشارع تفتح يدها كأن شيء ما يقتادها وذهبت ومنذ ذلك الوقت لم تعود.
- لابد أن أطلب نقلي من هذه المدينة .
- ليست المدينة فقط هذا الشارع لا يسكنه أحد ويقال أن فقط الأرواح الشريرة تفعل ذلك . هلم بنا نسرع .
===========
رحلة جديدة للكهف الملعون تملكني الغضب الآن , مُعذب أنا وغاضب .
- والآن ما الذي حدث؟ قمت بقتل الفتاة الصغيرة ولم أجد غير أخي .
- وإذاً؟
- ماذا تعني؟
- هل حقاً لا تتذكر ما حدث؟
- ما الذي حدث؟
نظر لي بعين حمراء تقطر دماً وشعر أشعث , ضحك حتى اهتزت الجدران حولنا ثم كشر عن أنيابه ونظر لي نظرة رعب شديدة .
- أيها الأحمق . أنت ملكي . أنت من قتلت أبيك وأمك وأخيك وأختك وأخيراً قتلت نفسك . أنت نفس معذبة طُرحت أرضاً ليس لك إلا أن تُنفذ أوامري وتستدرج المزيد .
- والآن تذكر جيداً . تذكر تلك الليلة .
أغمضت عيني , الآن أتذكر , أصر والدي على الإقامة بهذا المنزل قال إنه ورثه عن أحد أعمامه الراحلين . اعترضت أمي في البداية ولكن مع إصراره مكثنا جميعا فيه .
سمعت تلك الصرخات والهمسات , أنا من وجدت القبو أولاً ونزلته ورأيت الورقة الدامية بمكان الكهف . الكهف ليس بعيداً إنه خلف جدران القبو تسكنه الشياطين , هم من أمروني بقتل والدي .
أراه الآن يتوسل وأرى أمي وأخي و أختي , كنت مسلوب الإرادة , لم أكن أنا من فعل ذلك . من أمسك ذلك السكين وقتلهم واحداً تلو الآخر ؟ من حفر قبراً في القبو الملعون ودفنهم فيه؟
عشت بعدها وكأن شيئاً لم يكن . حتى جاءت الهمسات مرة أخرى والصراخ والورقة الدامية , الآن ضحية جديدة . كنت أنا هذه المرة .ودفنت نفسي في قبر مفتوح على أطراف المنطقة .
وبالأمس قتلت الطفلة البريئة .
- حسنا , أنت الآن منا ورسمك وعائلتك على الحائط , ستفعل ما أطلب وستستدرج من أقول . والآن اذهب فمكانك البيت وقت أن أطلبك ستسمع همسي. ما هو ردك؟
- أجل يا سيدي . سمعاً وطاعاً
تمت





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق