يظهر من وقت لآخر وسيط ما ليهيمن على فن تقديم وصياغة الكلمة، وفقا لسبل التدوين المتاحة، بداية من التدوين على حوائط الكهوف بالصور والاشارات والعلامات، ثم بتداول الحكايات الشفوية وحكايات الربابة والراوي الشعبي بمختلف صوره ومسمياته، حتى ظهرت الطباعة، وانتشرت الكتابة بالنقر على أزرار الآلة الكاتبة، ثم ما لبثت أن تحولت إلى الكتابة بالنقر على أزرار الحاسوب.
وبين بعض هذه المراحل كانت هناك مجموعة وسائط مثل «الوسيط السمعي» المتمثل في الراديو والمحطات الإذاعية في عصورها الذهبية، ثم الوسائط «السمعية والبصرية» المتمثلة في السينما والتليفزيون.
وهكذا انتقلت الكتابة الإبداعية من الطباعة إلى الرقمنة حتى أصبحنا في عصر الحداثة الرقمية، كما يقول «آلان كيربي» في كتابه الشهير الذي يحمل العنوان نفسه، حيث انتقلت الروايات والقصص من نص مكتوب على الورق بوسيلة واحدة هي اللغة، إلى نص تتعدد فيه وسائل التعبير والوصف والإيضاح بشكل يتسع للصوت، والصورة، وفنون الأنيميشن، والألعاب الإلكترونية أيضاً؛ ما جعل الرقمنة ضرورة لإنتاج سرد جديد يتلاءم مع عصر المعلومات والمعرفة.
وتماهيًا مع هذا العصر واستجابة لتلك الحاجة الملحة إلى إنتاج هذه النوعية السردية الرقمية، جاءت فكرة الأديبة والناقدة الدكتورة «إيمان الزيات» عضو اتحاد كتاب مصر، لتحويل القصة الاطارية لحكايات «ألف ليلة وليلة» المأخوذة عن أحد أهم الكتب التراثية الشرقية التي كان لها عظيم الأثر في الأدب العالمي إلى نص رقمي تفاعلي بصيغة «hypertext - النص الفائق»، من خلال الورشة التفاعلية التي قدمتها على مدار شهر نوفمبر 2020م على منصة «القهوة البحرية» الإلكترونية، وبدعم ورعاية الباحثة الثقافية الأستاذة « أميرة مجاهد». شارك معهم فيها اثنا عشر عضوًا من تخصصات مختلفة وشرائح عمرية متباينة من العشرينات حتى الخمسينات.
وتدور أحداث الحكاية الإطارية حول وصول الملك شهريار إلى الحكم، ولقائه الأول بزوجته شهرزاد.
أُخرِج النص التفاعلي لحكاية «ألف ليلة وليلة» الإطارية في 20 صفحة، تتضمن أكثر من 95 رابطاً تفاعلياً ووسيطاً من وسائط المالتيميديا المتنوعة التي شارك أعضاء الورشة في جمعها من مصادر مختلفة وحرصت د.الزيات على أن تتضمن (وسائط الصورة الثابتة، والرسوم المتحركة، ومقاطع المسلسلات الدرامية، والفوازير، والأفلام السينمائية العالمية، والموسيقى والمؤثرات الصوتية، فضلاً عن مقاطع الحلقات الإذاعية لعمالقة الإذاعة المصرية، بالاضافة للنص المكتوب بقلم الكاتب «طاهر أبو فاشا»)، وذلك لضمان ثراء النص التفاعلي تماهيًا مع ثراء النص الورقي لحكايات «ألف ليلة وليلة».
زمن القراءة والمشاهدة لحكاية «ألف ليلة وليلة» الإطارية التفاعلية لا يتعدى 25 دقيقة، يحصل فيها القارئ والمشاهد على مجموعة من المتع الصوتية والمرئية من الفنون المختلفة فضلاً عن المتعة القرائية للنص المكتوب، وأضافت «الزيات» مجموعة من المعلومات الإثرائية المتنوعة حول علاقة الواقعية السحرية بكتاب «ألف ليلة وليلة»، ومصادره الأصلية، واللوحات التشكيلية والموسيقى العالمية الخاصة به، فضلاً عن أحدث الأفلام السينمائية التي أنتجت منه - فيلم «علاء الدين» - بطولة النجم العالمي ويل سميث.
اترك تعليق