بين الأخذ بالأسباب ومحبة الآخرين

التضحية.. وفـــــــــاء..أم انتحــــــــــــــار؟
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

إذا أردت أن تعرف الشعب المصري على حقيقته فارصده في الأزمات، وإذا أردت أن تعرف أصالة المرأة المصرية فراقبها حين يمر أحد أفراد أرستها بازمة ما.

ولاتوجد أزمة تضرب الوطن حاليا أشد من أزمة كورونا، هذا الفيروس الذي يقتل في صمت وفي المقابل شاهدنا عشرات من قصص الفداء والتضحيات في الموجة الأولى من كورونا، ولأن كورونا ليس كغيره من الأمراض  فالتعامل مع مريض الكورونا بشكل مباشر يعني الإصابة وقد يكون هناك موت محقق.


ومع بداية الموجة الثانية وهي أكثر خطورة وضراوة من الأولى هنا يثور السؤال هل مشاركة مرضي كورنا بهذا الشكل الإنساني والوجداني يعد لونا من ألوان الوفاء المقبولة أم هي ضرب من ضروب الانتحار وفاعلها يعد آثم شرعا وهو ما نناقشه في السطور التالية.

بداية هذه القصة مع البرلمانية مايسة عطوة، عضو مجلس النواب، التي أعلنت إصابة زوجها بفيروس كورونا وبعد التوجه للطبيب وعمل الأشعات والفحوصات التى أثبتت أنه أصيب بالفيروس.

أضافت مايسة عطوة أنها أرسلت لوزيرة الصحة ولكن كان فى الوقت الذى وصل فيه الحال بعدم وجود أماكن فى المستشفيات، متابعة: "وفى النهاية وجدنا سريرا فى مستشفى خاص ولكننا أنا وزوجى قررنا أن نخوض تجربة العزل المنزلى، وما أدراكم العزل المنزلى ومشقته لمن سيرعى الحالة وراحته النفسية للمريض نفسه، أبنائى طالبوا أن أعزل نفسى فى غرفة ووالدهم فى غرفة، وكان ردى قاطع يا نعيش سوا، لا تتخيلوا كان لردى عظيم الأثر فى حالته النفسية".

وتابعت: "أما ابنتى التى قامت برعايتنا بحكم معيشتنا معهم، كأنها مدربة على أعلى مستوى للرعاية مع كامل الإجراءات الاحترازية هى وزوجها، فى الوقت اللى قرأنا وسمعنا عن بنات تخلت عن استلام آباء وأمهات مصابين كانت بناتى أكثر راعيا لأبوهم وأنا معه طبعا، لم نغادر الغرفة 14 يوما، لم نر الشارع 14 يوما، ولم أشعر أحدا بما نحن فيه وكل من كان يقصدنى بقضاء حاجة أحد لم أتأخر أبدا، واليوم كررنا التحاليل والأشعات له واحتياطى لجميع من بالمنزل، وبفضل الله ثم دعاء أمى وأهلى وأصحابنا كلنا بخير وتم شفاؤه والحمد لله".

ووجهت النائبة مايسة عطوة الشكر للدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب والأمين العام للبرلمان، للاطمئنان عليها ومحاولة تقديم المساعدة، موجهة رسالة للمواطنين قائلة: "حافظوا على نفسكم، لا تستهونوا ولا تزوروا بعضكم البعض حتى تنكشح الغمة عن الأمة، تجربتنا تمت عن طريق مخالط لمخالط والحمد لله إن ربنا شفى الجميع.

عبد الباسط وأمه

قصة أخري نرصدها هذه المرة من صعيد مصر وتحديدا من الأقصر فبمجرد أن لاحظ على أخيه أعراض الإصابة بفيروس كورونا، قرر الدكتور عبد الباسط إدريس الصيدلي بالأقصر، تعليق لافتة على باب منزلهم يقول فيها «يوجد لدينا حالة اشتباه كورنا»، ونأسف لعدم استقبال الزيارة ، وهو يسأل أهل قريته الدعاء.

لم يكن تعليق اللافتة مجرد دليل على سلوك متحضر لشاب من جنوب مصر «يفهم في الأصول»، أو موقف بطولي لرجل صعيدي في وقت يواجه فيه الماصبون بكورونا وأهل بيتهم  التنمر، ولكنه أيضا بمثابة عمل مسؤول من صيدلي يدرك خطورة الوباء وقدرته على الانتشار، وحصد الأرواح في وقت وجيز.

«قمت بتعليق اللافتة قبل أن أبدأ في إجراءات عزل المخالطين داخل البيت».. يقول الدكتور عبد الباسط الذي يقيم مع إخوته الـ6 وأطفالهم داخل عمارة واحدة، ولا يعلم أحد حجم المعاناة التي يعيشون  فيها.

الأخ المصاب تم نقله إلى مستشفى العزل بقنا، ليكتشف الدكتور بعدها أن أمه تعاني من أعراض الإصابة، ويجلس تحت قدميها وهو يقدم لها ما تحتاج إليه من رعاية طبية.

«لم أحتمل أنينها المتواصل، أو رؤيتها في هذه الحالة من الضعف، لا يمكن أن أكون السبب في أن تشعر أمي أنها منبوذة، سأظل بجوارها حتى ينعم الله عليها بالشفاء أو نهلك معا» يقول عبد الباسط، وهو يحكي عن علاقته الخاصة جدا مع «الحاجة» نقطة ضعفه الوحيدة، وقوته أيضا!

كلما ظهرت أعراض الإصابة لشخص آخر في البيت يقوم عبد الباسط بعزله على الفور في حجرة منفصلة، وإجراء الفحوصات الضرورية له، وتقديم الأدوية التي قررتها وزارة الصحة، ومتابعة حالته على مدار الساعة.

مجهود جبار لا يمكن أن يتحمله شخص بمفرده، إلا أن الدكتور الصعيدي لا يزال متماسكا، وقادرا على آداء المهمة الصعبة بكفاءة عالية، في الوقت الذي يحاول فيه أن يبدو هادئا، ويبتسم في وجوه إخوته المصابين من حوله، حتى لا ينقل  حالته النفسية السيئة إليهم ويتسبب في إضعاف مناعتهم، وبالتالي يهدم كل ما يبنيه على مدار الأيام.

الخبر السار، أن الحالات التي تم عزلها داخل البيت لمدة أسبوع، مستقرة، ما يعني أن عبد الباسط ليس وحده، ولكن الله يقف إلى جواره، بعد أن فعل كل ما في طاقته، ونجح في اختبار البر بوالدته.

التقدير والاحترام هو ما يحظى به الصيدلي وأخوته، من أهل قريتهم، بعد التصرف الشجاع الذي قاموا به، ما جعل دعوات جيرانهم لا تتوقف من أجل شفائهم، ليعود بيتهم مفتوحا من جديد في القريب العاجل إن شاء الله.

ولأن قصص كورونا الإنسانية عديدة وفي بلاد العالم المختلفة نرصد هذه الواقعة التي اثارت تعاطفا كبيرا على صفحات التواصل الاجتماعي ففى مشهد إنسانى مأساوى، توفت امرأة مسنة فى سيارة فى ساحة انتظار السيارات فى المستشفى العام الواقع فى مكسيكو سيتى، بالمكسيك، بعد أن نقلها حفيدها إلى المستشفى لأنها عانت فى الصباح من مشاكل فى الجهاز التنفسى.

والتقط المصور المكسيكى "موسيس بابلو" الذى يعمل لصالح وكالة "كوراتو اوسكورو"، صورا للحظة وصول الشاب برفقة جدته إلى المستشفى، وبعد لحظات توفت الجدة وحاول حفيدها مرارا إحياءها من خلال التنفس من الفم "قبلة الحياة"، إلا أنه بعد دقائق أكد الأطباء وفاتها، وانهارت ابنتها بمجرد قدومها بالبكاء بعد أن تأكدت من وفاة المسنة.

أشارت صحيفة "سين امبارجو" المكسيكية إلى أن افراد طبيون نقلوا الجدة من السيارة الى المستشفى لإصدار شهادة الوفاة.

خطا ومرفوض

يقول الكتور عبد المعاطي المناعي استشاري جراحة الكلي هذا التصرف من الناحية الطبية خطأ ومرفوض تماما لأنه سيؤدي إلى انتشار الحالات وزيادتها وبالتالي نحتاج إلي أماكن جديدة بالمستشفيات.

واضاف لابد من عزل المخالطين عزل تام وعدم التعامل معهم إلا من بعيد لأن الفيروس ينتشر بسرعة كبيرة بين المخالطين والمخالط لمريض كمن يشعل عود ثقاب بجوار محطة بنزين وتكون نسبة الاصابة فوق 95% .

وأوضح أن الأخذ بالحذر والاحتياط لا يعني انعدام المشاعر  فمثلا المخالطة لزوجها إذا التزمت بالملابس الواقية ولبس الكمامة والمطهرات ستقلل نسبة الاصابة لديها، ولاداعي مثلا لاحتضانه أو تقبيله خاصة في حالة الإبن أو الإبنة لتأكيد قوة المشاعر فتقليل نسب الغصابة هو الذي سيعجل بعودة الحياة إلى ما كانت عليه.

تقول الدكتورة إيمان منصور مدير الطب الوقائي بمدينة بدر أراي من وجهه نظري  لو أن الام لديها أولاد آخرين فلا يجب عليها أن تدخل في العزل مع واحد وتعرض حياتها للخطر لأنها إذا توفت سيصبح باقي الأولاد أيتام، وقدر يشردوا في الدنيا في حال لم يكن لهم أحد سواها وستصبح الدنيا بالنسبة لهم سيئة جدا وغير مقبولة، والأفضل طبعا أن تراعي باقي أولادها ولا تعرض نفسها لهذا الخطر الكبير أما في حالة إذا كان للأم بان واحد أو ابنة واحدة فسيكون من الصعب عليها تركه.

وأضافت مهما كانت درجة الحب فلايجب تعريض حياة شخص سليم للخطر أبدا لأن التعامل مع فيروس كورونا أمر غير مأمون العواقب نهائيا.

نماذج مشرفة

تقول الكاتبة نجلاء لطفي في الأزمات تظهر معادن الناس وحقيقة مشاعرهم فكما ظهر جحود بعض الناس حاليا وتخليهم عن ذويهم وتنصلهم من علاجهم بل ودفنهم، ظهر نوع أخر من الحب والتضحية بين الأقرباء بل والغرباء فقرأنا قصة الفتاة التي حملت أمها لمستشفى عام لعلاجها من الكورونا ولما رفضت المستشفى جلست الفتاة بأمها على الرصيف تحتضنها حتى فاضت روحها ولم تخش من انتقال العدوى إليها فكل همها كان  انقاذ أمها، وذلك الرجل الذي هب بأمه للمستشفى وقبل أن يسعفونها كانت روحها قد فاضت فقام تلقائيا بدون أن يخشى العدوى بعمل تنفس اصطناعي لها لعله ينقذها، تلك النماذج لا تُعد نوعا من التهور أو الإهمال أو كما يحلو للبعض تسميته بالإنتحار إنما هو دليل على شدة الحب والرغبة في فعل أي شئ لمساعدة الأحبه.

وقد نرى أن ذلك طبيعي من الأبناء لأبائهم أو العكس ولكن عندما يكون من الغرباء فإنه قمة العطاء والتضحية والإيثار فصديقتي التي تسعى لعلاج جارتها المريضة وتخدمها وتُعد لها الطعام عندما سألتها ألاتخشين العدوى فقالت: أتخذ كل احتياطاتي وأتوكل على الله ولكن إن تركتها ستموت لأنها ليس لديها من يساعدها وهو ما لا أقبله فأين حق الجار؟ كذلك كان هناك الطبيب الذي منع زميلته الحامل من الكشف على مريض بالكورونا وحل محلها وأصيب بالفيروس ومات بسببه فأنا لا أراه مُنتحرا بل أراه فدائيا ضحى بحياته لإنقاذ زميلته من الخطر وإنقاذ المريض من الموت.

إن هؤلاء نماذج مُشرفة يستحقون أن نُبرز أفعالهم ليكونوا قدوة لغيرهم وليمنعوا الكثيرين من التخاذل.

صفة نبيلة ولكن

يقول الشيخ إبراهيم رضوان إمام وخطيبب بوزارة الأوقاف، تعد التضحية من أهم الصفات النبيلة التي يمكن أن يتحلى بها شخص ما، فالإنسان السوي له قيم ومبادئ فكرية وأخلاقية يحملها ويتحلى بها، وكلما كان الإنسان صاحب قلب طيب كلما أقدم على التضحية من أجل الآخرين وحمايتهم من المشاكل ودفع الأذى عنهم ولو كان مضحيا بروحه، والباعث على ذلك هو ايمانه القوي النابع من داخله بعظم هذه المبادئ والقيم . 

وتعرًف التضحية في الاصطلاح بأنها:  بذل النفس أو المال أو الوقت لأجل غاية أسمي، وهدف أرجى، مع احتساب الأجر والثواب على ذلك عند الله تعالى. فالتضحية أمر راسخ في فطرة الإنسان وجزء من وجوده، وما تعظيم الشجاعة عند الإنسان إلا تقديرا لقيمة التضحية ولهذا جعل الله الجهاد في سبيله أفضل الأعمال. فمنها ما هو محمود كالتضحية بالنفس والمال لأجل الله دفاعا عن الدين والوطن، ومنها ما هو مذموم كأن تكون في نصرة باطل أو الحاق أذى بالآخرين ولم تكن في سبيل الله او ابتغاء مرضاته أو تحقيقا لمقصد شريف.

فالفرد الذي يتحلى بهذا الخلق من التضحية المحمودة  يتخلص من سلطان الهوى ونوازع الأثرة ومخالفة النفس الأمارة بالسوء فيفوز برضا الله ومحبته ورضا الصالحين والبركة في الذرية.  وكذلك الأمة التي يتحلى أفرادها بخلق التضحية فإنها أمة قادرة على تحقيق أهدافها وآمالها وطموحاتها والوصول إلى غاياتها فيسود بين أفرادها الحب والمودة والتآلف والتراحم فتصير أهلا لمحبة الله  ورضوانه.

والسؤال الذي يمكن أن يطرح في هذه الأيام:

 هل مساعدتي لأحد أقاربي أو لشخص عزيز لدي ممن ابتلاهم الله بهذا الوباء مع احتمالية نقل المرض إلىً يسمى تضحية؟

والجواب على هذا هو أن الشريعة تحض على مساعدة الآخرين والوقوف بجانبهم وخاصة في وقت الحاجة والظروف، كما أنها أيضا تدعو الإنسان إلى الأخذ بأسباب الوقاية للحفاظ على النفس، فإذا وجد من يقوم بمساعدته ومعاونته كالأطباء في المستشفيات وأهل الاختصاص فلا داعي للقيام بتعريض النفس لخطر الإصابة لأن هذا يعد تقصيرا في الأخذ بالأسباب . أما إذا تعينت عليك المساعدة فعليك بسبل الوقاية والاستعانة واحتساب الأجر عند الله سبحانه.  قال صلى الله عليه وسلم في فضل معاونة الاخرين(والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)  وحذر من الحاق الضرر بالنفس و بالآخرين فقال (لا ضرر ولا ضرار)  فالتضحية هي البذل وقت الحاجه.

واضاف إذا توفي هذا الشخص المضحي في حالة أنه تعين عليه المساعدة فلاشك أن ثوابه عظيم وفي حالة عدم تعيين المساعدة عليه فحسابه على الله لانجزم بالاثم لكنه خطأ.

يقول الدكتور أحمد مكي إمام وخطيب مسجد السيدة زينب هذه المسالة مهمة وتحتاج إلى توثيق من الكتاب والسنة ولكن إذا أردت رايي الخاص فأقول أن الزوجة التي تصر على العزل مع زوجها وتصاب بالفيروس أو الأم التي تصر على العزل مع ابنتها وتصاب ايضا هو ليس وفاء وليس انتحارا! لماذا ليس وفاء لان الوفاء يقتضي مقابلة شيئا بشئ فشخص عليه دين الف جنيه فيوفيه بالف جنيه ويكون وفاء إذا كان تصرف الأم او الزوجة سينقذ حياة ابنتها ولكن هذا لايحدث فهي فقط تعرض حياتها للخطر دون أن يؤثر ذلك في انقاذ الإبنة وعليه فعلي الأم أن تحفظ نفسها ولا تعرض حياتها للخطر فهو ليس وفاء، وكذلك لا نستطيع أن نقول عليه انتحار لأن المنتحر  يقدم على فعل متيقن منه أن فيه الموت  لكن في هذا الامر الوفاة بالفيروس ليست أمرا متيقنا فلا نستطيع أن نقول أنه انتحار.

وأضاف: هذه العاطفة القوية أدت إلى اندفاع خاطئ وهي نوع من العادات والتقاليد التي نتحلي بها وهي عادة خاطئة تؤدي الي الموت والهلاك وعليى الجميع أن يدرك أن هذا الترك ليس فيه مايخالف الشرع وليس فيه مايناقض الوفاء والوفاء الحقيقي يكون في اتباع الاجراءات الصحيحة التي تحافظ على حياة الأم والزوجة والأولاد وحياة الجميع.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق