أكدت الدراسات الميدانية وعلماء الدين وخبراء التربية والاجتماع أن غياب الوعي الديني الوسطي يعد البوابة الذهبية للتطرف والإلحاد، وطالبوا بوضع إستراتيجية متكاملة تبدأ من الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام لنشر الوعي بين مختلف فئات الشعب وخاصة الشباب والطفولة المتأخرة حيث يتم استقطابهم من جماعات التطرف الدموية وكذلك جماعات الإلحاد والتشكيك في ثوابت الدين وخاصة في عالم أصبح قرية صغيرة يمكن من خلال وسائل الاتصال والتواصل لتغيير الأفكار والعبث بالعقول إن لم تكن متسلحة بالوعي الشامل وخاصة الوعي الديني الذي يعد حجر الزواية في تحصين فئات شعوبنا وليس الشباب فقط.
د. محمد الشحات الجندي:
لابد من إستراتيجية متكاملة لتصحيح الجمود
د. حسن شحاتة:
مناهج التعليم التقليدية وغياب دور الأسرة أبرز الأسباب
أظهرت دراسة ميدانية، أجريت حديثا، أن غياب الوعي الديني لدى الشباب يمثل المرتبة الأولى في أسباب ظاهرة التطرف بنسبة 2 .75 % في استطلاع للرأي أنجزته الدراسة مقابل 8 .4 %عارضت ذلك ، كما ذكرت الدراسة موافقة 1 .62 % من عينة الدراسة على ضعف قنوات الحوار بين الشباب والجهات المعنية، فيما وافق الى حد ما نسبته 31 %، بينما أبدى 9. 6 %عدم موافقتهم على هذا الرأي، حيث تشير كثير من الدلائل خصوصا في السنوات الأخيرة، إلى تدني معرفة بعض الناس لجوهر الدين ، أو تكوين وعي ديني سليم لديهم، وهذه النسبة في حالة ازدياد، مما أدى ذلك إلى بروز الإلحاد والتطرف في المجتمع، فهما وجهان لعملة واحدة.
كشفت دراسة للدكتور أسامة الأزهري، عضو اللجنة الدينية بمجلس النواب، عن إحصائية نفذها من عام 2012 ، بشأن فكر التطرف الديني من جهة، والتطرف الإلحادي من جهة أخرى، وتبين أن هناك نحو 70 قضية بمفهوم مغلوط تطرحها التيارات الدينية المتطرفة، وتمثل ارتباكا عنيفا لدى الشباب، يلحدون بسببها، وهؤلاء تحولوا من قناعة بالإلحاد إلى التلحيد، من خلال إستراتيجية مدروسة، كان أساسها غياب الوعي.
الفهم والاقناع
يؤكد د. محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن هناك من يطبق الدين بصورة آلية ومن دون فهم، فالبعض يطبقون الدين في العبادة والأمور الدينية، ويتركون التصرف الصحيح باستخدام الدين في الحياة، والتعامل بطريقة جيدة مع الآخرين، بسبب عدم وجود وعي كاف بالدين من ناحية التعامل والتصرف الصحيح، وأيضا عدم الأخذ بالجوانب التي قد تغير من مجتمعنا نحو الأفضل، مع قلّة الوعي الكافي بالدين.
وأضاف د. الجندي أن الأسباب التي تقف وراء تدني الوعي الكافي للدين، منها الابتعاد عن مجالس العلم، وعدم مصاحبة الصالحين، والتباعد عن الأجواء الإيمانية والروحانية، والانشغال في أمور الدنيا وملذاتها، والطمع الكبير بالمال، بسبب العيش في وسط تغلب عليه المعاصي والبعد عن الله تعالى، وانتشار اللهو وتضييع أوقات الفراغ عبثاً دون ملئها بالطاعات والعبادات والأعمال المنتِجة، كذلك التسويف وطول الأمل، والسهر المفرط فيما لا فائدة منه، ومصاحبة أصدقاء السوء المبتعدين عن طاعة الله، فذلك يؤدي إلى ظهور تأثيرات سيئة تطول بالمجتمع وخاصة الشباب فإما أن يصل إلى مرحلة تطرف أو يتلفت إلى أقصى اليسار ويصل إلى الإلحاد.
وأوصى د. الجندي بضرورة عرض المفهوم الديني الصحيح، وإبراز المقاصد العليا للدين والشريعة وأهمها حفظ الأنفس، وترسيخ 5 قيم في وعى الإنسان المسلم، كاحترام حقوق الأكوان مؤكدا أنها أوسع وأشمل من مفهوم حقوق الإنسان، وازدياد العمران، وإكرام الإنسان، وحفظ الأوطان، وزيادة الإيمان.
تكامل الأدوار
ودعا د. حسن شحاتة، أستاذ المناهج بجامعة عين شمس، إلى أن ضرورة أن تقوم الجهات المختصة في الدولة بوضع مناهج دراسية، تقوي من الوعي الديني لدى الطلاب، ووضع دورات تدريبيه للأساتذة، ويجب على الدولة الحد من بعض مواقع التواصل الاجتماعي، التي تعمل على تغيير الفكر الجيد، وتساعد على ابتعاد الشباب عن الدين.
وأشار د. شحاتة إلى أهمية دور الأسرة في التوعية الدينية لأن دور الأسرة في هذا المجال كبير، لابد أن تسعى لخلق وتنمية الوعي الديني لأفرادها وخصوصا الصغار منهم، فيتم بناء الطفل في الجانب الديني بصورة سليمة، ويجب أن يبدأ هذا النوع من التعلّم الديني منذ الصغر، لكي لا يقع الأولاد في أخطاء قد تؤدي إلى ابتعادهم عن الله عز وجل ومعصيته، ويجب على العائلة مراقبتهم، وإبعادهم عن أصدقاء السوء، وعلى الآباء تثقيف أنفسهم بصورة تجعلهم قادرين على تربية أبنائهم بطريقة جيدة على أصول وأفكار وفرائض الدين، وإعطائهم الوعي الكافي في هذا الجانب المهم من رحلة الإنسان.
وأكد د. شحاتة أن مناهج التعليم منذ الصغر تعطى حيزا كبيرا منها للعقيدة الصحيحة، لافتا إلى أن الإشكال فى هذه المناهج تبدو نمطية تقليدية تلقينية، كما أن كثيراً من المعلمين يتعاملون معها كمعلومات جامدة، ومن ثم يكون هدف الطلاب هو الحصول علي درجات النجاح في الاختبارات لا غير، إلا من رحم الله، كما أن تجديد لغة الخطاب الدينى بعدما غاب دور العلماء وطلبة العلم وهو أمر لابد منه، كان سببا في غياب الوعي الديني ونصل إلى وجود تطرف وإلحاد في مجتمعنا.
الوعي المجتمعي
ويؤكد د. جمال عبد المطلب، أستاذ علم الاجتماع بجامعة بني سويف، أن قضية الوعي وخاصة الديني، تعد محورية، تتسبب في تفلت الشاب وتجعله فريسة سهلة إما للتطرف، أو الإلحاد لأن هناك ارتباطا وثيقا بين الإرهاب والإلحاد، فالتطرف اللادينى «الإلحاد»، يولد مع التطرف والغلو والإرهاب لأن نفوس العباد إذا قدم لها محتوى ديني صادم وتكفيري وشلالات من الدماء سترفضها.
وأوضح أن الإلحاد هو تقليد لموضات غربية دخيلة علي مجتمعنا، فكثير من الشباب أصبح لا يتورع عن إعلان إلحاده، وبعضهم يتباهي به علي مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن الإلحاد هو الانحراف عن الحق والطريق المستقيم إلى الباطل وعن الهدى إلى الضلال وعن الأديان السماوية إلى الشرك والكفر والمادية، وهؤلاء الملحدون لا يعترفون بدين ولا بوجود الله، وليسوا علي قدر من الثقافة والدين والعلم والفكر، وإنما هم سطحيون في أفكارهم.
وأشار د. عبد المطلب إلى أن ضعف الإيمان، والاطلاع على ثقافات وأفكار جديدة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي التي ساهمت في القدر الأكبر من هذه المشكلة، حيث انتشرت هذه الأفكار بين الشباب بلا حسيب أو رقيب، كما انفتح الشباب علي ثقافات وأفكار غريبة ومختلفة بصورة مفاجئة، ومن بينها تلك التي تبث أفكار التشكيك والإلحاد، عن طريق بث الشبهات حول القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، ومسائل القضاء والقدر، والحكمة والتعليل في أفعال الله عز وجل، والطعن في بعض أحكام الشريعة الإسلامية، وأخرى تبث أفكارا متطرفة ومتشددة وكلها مغالاة في الدين، فنجد شابا إرهابيا، بسبب قلوب خاوية أو ضعيفة الإيمان فتمكنت منها، إلى جانب بعض القنوات الدينية التي تنشر الفتاوى المجرمة دينيا وقانونياً وهى تمثل حاضناً محتملا لأفكار الإلحاد والإرهاب.
ودعا د. عبد المطلب إلى تفعيل دور وسائل الإعلام، وزيادة برامج التوعية من قبل وزارة الشباب والرياضة والتشبيك مع وزارة الأوقاف والمؤسسات الدينية، لزيادة الوعي ككل لدى الشباب والأمهات والآباء لكي يحصنوا أبناءهم وألا يكونوا فريسة سهلة لأي أفكار متطرفة أو إلحادية.
اترك تعليق