أشجار اصفرت أوراقها وتساقطت، ولم يبق منها إلا أعواد ذابلة، تقف كأشباح وسط التباب الجبلية التى كانت نموذجا لاستغلال طاقة الشباب لتعمير واستصلاح مساحات من الأراضي الزراعية فى قلب الصحراء الشاسعة تخيف أصحاب المزارع، وترعبهم فى ظل تمدد تلك الظاهرة بمعدلات مخيفة تحولت إلى كابوس مظلم يهدد مستقبل 50 شاب من أهالى مركز ومدينة بلاط بمحافظة الوادى الجديد .
أصبحت أزمة نقص المياه هاجساً يهدد مصير 50 أسرة بالتشرد والضياع ، وهم يشاهدون أشجار النخيل ومحاصيل القمح والشعير وغيرها ، تتساقط بين الحين والآخر بعد أن جفت ثمارها وتشققت تربتها الطينية والتى تحولت إلى منازل للفئران وجحورا تختفي خلفها الثعابين والكائنات الجبلية من حرارة الشمس وندرة المياة.
يأتى ذلك في الوقت الذي تبذل فيه الحكومة المصرية جهودا مضنية لاستصلاح آلاف الأفدنة الغير مستغلة بصحراء مصر الغربية لتوفير فرص عمل للشباب ، على النحو الذى يدفع مسيرة الإنتاج والتنمية ، لتحقيق أهدافها المستقبلية ، من الإكتفاء الذاتى وتوفير المنتجات المحلية والمحاصيل الزراعية ذات العائد الإقتصادى بمحافظة الوادى الجديد.
« بوابة الجمهورية » ترصد تفاصيل المعاناة اليومية والكارثة الإنسانية التى باتت مصدر تهديد واضح، لأكثر من 50 أسرة وصغارها تعيش بمدينة بلاط ، أحدى مراكز محافظة الوادى الجديد الإدارية ، والتى تعتمد على العائد من زراعة 5 أفدنة فى قلب الصحراء ، فى ظل تفاقم أزمة نقص المياه لأسباب فنية
وسوء تخطيط وكثرة أعطال واحتراق غاطس البئر، بدأت منذ عدة أشهر واستمرت قرابة عام ونصف مضت على استلام بئر مياه جوفى، لاستصلاح 250 فدانا موزعة على 50 شاب بنظام حق الإنتفاع وبديلا للوظيفة الحكومية. تلك الأزمة التي تسببت في موت الزروع، وجفاف عشرات أشجار النخيل
وعزوف الشباب عن متابعة أعمال الزراعة بعد أن أصابهم الفقر واليأس وتشتت قواهم بين مفترق الطرق بالرغم من عدم استغلال المساحة الكلية المخصصة للمشروع لعدم كفاية المياه المستخرجة من البئر المتعطل حتى الآن. يقول حسين محمد عبدالدايم رئيس مجلس إدارة رابطة بئر شباب شمال قرية الخير والنماء بمركز بلاط التابع لمحافظة الوادى الجديد
فى تصريح خاص لبوابة الجمهورية، أن معاناة الشباب بدأت بعد مضي عام ونصف من تخصيص بئر مياه جوفى تم حفرها على عمق مسافة 750 متر تقريبا ، شمال قرية الخير والنماء بمركز بلاط ، لزراعة 250 فدانا موزعة على 50 شاب بواقع 5 أفدنة تم تسليمها لكل شاب بنظام حق الإنتفاع وبديلا للوظيفة الحكومية لمدة 3 سنوات مدة التعاقد وفترة سماح عامين منذ استلام المشروع.
واضاف عبدالدايم ، أن المشكلة تكمن في عدم قدرة تصريف كميات المياه المستخرجة من البئر لرى المساحة الكلية المخصصة للزراعة باستثناء 150 فدانا من إجمالى 250 ولم تعد كافية لريها بعد مرور عام ونصف تقريبا لأسباب تتعلق بنقص المياه واحتراق طلمبة الغاطس أكثر من 3 مرات وهو الأمر الذى استنفذ الكثير من الأموال
على نفقة الشباب لتغطية تكاليف الصيانة والإصلاح والتى بلغت 250 ألف جنيه حتى الآن في أقل من عام. وتابع أن إجمالى تكلفة أعمال استصلاح المساحة المخصصة وتمهيد الطرق وتركيب شبكات الرى بلغت حوالى مليونى جنيه ، بالإضافة إلى 60 ألف جنيه إجمالى تكلفة إستهلاك الكهرباء يتم دفعها شهريا ،
وهو الأمر الذى دفع مجلس إدارة البئر للتفكير فى تركيب شبكات تعمل بنظام الرى الحديث ، إلا أن حسابات المقايسة الفنية أثبتت أن الناتج من تصريف مياه البئر لن يكفي لرى المساحة الكلية ، مشيرا إلى أن تصرف طلمبة الغاطس تنتج 200 مترا فى الساعة فى حين أن تصرف رشاش المياه بنظام التنقيط يروى متر ونصف مساحة 5 أفدنة فى الساعة ،
مما يتطلب تركيب 200 رشاش لرى 300 متر ، لتصبح النتيجة النهائية شبه مستحيلة وفقا للحسابات ، وخاصة أن الرى الحديث يجب أن يتم بشكل يومي ، فى حين أن مقادير تصريف مياه البئر لن تتمكن سوى من رى مساحة 5 أفدنة كل ٣ أيام لمدة ساعة ونصف فقط ، طبقا لجدول مواعيد توزيع ساعات المياه على أراضي المزارعين
مما يعنى هلاك المحاصيل بمرور الوقت. وفى نفس السياق أوضح يوسف ابراهيم محمد 32 أحد الشباب المنتفعين بالبئر ، أن أحلامهم ومصدر دخلهم الوحيد شهريا من عائد الزراعة تحول إلى كابوس مزعج يهدد مصير أفراد عائلات 50 شاب إجمالى منتفعى المشروع ، مشيرا إلى أن الأمر يتطلب تدخل الجهات المختصة بوزارة الرى والزراعة
ومحافظ الإقليم لإغاثتهم من الخسائر الفادحة التى يتحملونها شهريا بسبب جفاف أشجار النخيل وهلاك محاصيلهم الزراعية بسبب نقص المياه والتى استنفذت كامل أموالهم فى إصلاح وتغيير طلمبة الغاطس لأسباب فنية وسوء تخطيط من البداية. وأشار محمد ، أنهم منذ استلامهم المشروع لم يبخلو بجهد أو تضحية على مدار ساعات اليوم
فى سبيل إنجازه على النحو الذى يثبت جديتهم مقابل الإنتفاع بديلا للوظيفة الحكومية ، وهو الأمر الذى لفت أنظار المسئولين ونال إشادة واستحسان اللواء محمد سالمان الزملّوط محافظ الوادى الجديد خلال تفقده المشروع منذ عدة أشهر ،
إلا أن نقص المياه وعدم كفايتها لرى إجمالى المساحة المخصصة كان بمثابة الصدمة التى تحولت إلى معاناة وفقدان للأمل والتفكير فى هجر المشروع ، بعد بوار مساحة كبيرة من الأراضي الخضراء وجفاف عشرات فسائل النخيل لعدم إستجابة الجهات المختصة لتوفير مصدر مياه اضافي لتعويض الخسائر وإنقاذ مايمكن إنقاذه .
وقال ياسر محمد عبدالدايم أحد شباب بئر مركز بلاط المنتفعين بالبئر ، أنه عاد إلى الوادى الجديد تاركاً عمله فى القاهرة لإستلام مشروعه والاستقرار بمسقط رأسه بلاط ،
لافتا إلى سعادته البالغة وهو غاية الرضا والتفاؤل بما سيعود عليه من ناتج الزراعة سعيا لتوفير مصدر دخل ثابت لأسرته ، إلا أنه فوجئ بصعوبات كثيرة ومعوقات متتالية حالت دون تحقيق حلمه البسيط ، لافتا إلى بوار أرضه ومحصوله بالكامل فى ظل نقص المياه الكارثي واحتضار فسائل نخيله اليابسة. وتابع إن غالبية من حصلوا على مساحة 5 أفدنة دخلوا في سباق مع الزمن من أجل تنفيذ المشروع وبدأوا فعليا في الزراعة والإنتاج بعد رحلة من المعاناة حتى تحقق الحلم
وأصبح كل شاب منهم يمتلك مساحة من الأرض يزرعها بانتظام ويجني ثمرة تعبه في الوقت الذي تعثر فيه آخرون لعدم قدرتهم على توفير مستلزمات الزراعة لغلو اسعار الكهرباء ونقص المياه وضعف إنتاجية المحصول. وناشد عبدالدايم محافظ الإقليم اغاثتهم والتدخل بعين المسئولية قبل فوات الأوان رأفة بأفراد الأسر التى تعول على المشروع
لتوفير مستلزمات معيشتها من أجل حياه كريمة وآمنة ، مطالبا بتمديد فترة السماح المقررة قبل دفع الإيجار السنوى البالغ 750 جنيها قيمة إيجار الفدان الواحد سنوياً ، وتوفير مصدر مياه اضافي لرى المساحة المتبقية والتى لم تستغل بعد من إجمالى مساحة البئر المتعطل. ومن جانبه أكد المهندس عبدالحكم جبالي رئيس مركز ومدينة بلاط
أنه سيتم تشكيل لجنة فنية لمعاينة اعطال البئر ، فضلا عن سعيه لتوفير منحة أو قروض ميسرة لمنتفعى المشروع من الجمعيات الزراعية والبنك المركزي لتمويل المشروعات من قبل الجهات المانحة فى سبيل تركيب خلايا الطاقة الشمسية بديلا للكهرباء وشبكات مياه تعمل بنظام الرى الحديث لترشيد استهلاك المياة والكهرباء.
اترك تعليق