قضت المحكمة الإدارية العليا المصرية برئاسة المستشار عادل بريك نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين سيد سلطان والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى ونبيل عطالله وأسامة حسنين نواب رئيس مجلس الدولة بإلغاء الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة الصحة وملحقاتها ببراءة ثلاثة من العاملين بالهيئة العامة للبريد.
الإضراب فى المرافق الحيوية عدوان صارخ على سلامة الدولة وأمنها الوطنى والقومى وافتئات على الحاجات العامة للأمة
إضراب الموظفين العموميين لا يتفق مع نظام المرافق العامة ويهدم أربعة مبادئ للقانون العام ونظام الوظيفة العامة المنبثقة عن القانون الإدارى
جميع الدساتير المصرية منذ عام 1923 خلت من النص على الإضراب سوى دستور 2012 الذى نقل عنه دستور 2014 وهو غير قابل للتطبيق بذاته, وجميعها اتفقت على احترام الوظائف العامة وأنها تكليف لخدمة للشعب
التعارض بين حقين دستوريين حق الإضراب السلمى وحق المواطن في طلب أداء خدمات المرفق العام يوجب تغليب الحق الدستورى الجماعى المتعلق بمصالح المواطنين
الوظيفة العامة تتكفل بمراقبة انحرافات الغير وانحراف أعضائها أكثر خطورة على استقرار الدولة واستمرار مرافقها واضراب الموظفين يترتب عليه فقدان ثقة المواطنين وهم المؤتمنون على مصالح الدولة وأهدافها وتنميتها
إذا كان الإضراب يعد عملا قانونيا فى نطاق القانون الخاص بقيود نص عليها المشرع فإنه على عكس ذلك عمل غير مشروع بالنسبة للموظفين العموميين
حظر المحكمة للإضراب الوظيفى يسانده ما قررته الأجهزة الرقابية لمنظمة العمل الدولية من عدم المساس بالمرافق العامة الأساسية و الحيوية للدول
لا توجد اتفاقية دولية صادرة عن منظمة العمل الدولية تنظم الإضراب فى المرافق العامة والإعلان العالمى لحقوق الإنسان جاء خلوا من أية إشارات تصريحا أو تلميحا للإضراب كحق , وكثير من رجال الفقه الدوليين يرفضون وصفه بالحق الدولى
جميع أنواع الإضراب للموظفين العموميين محظورة : التقليدى والدائرى والقصير والمتكرر والتوقيفى المفكك والبطئ والمستتر والاعتصام (الإضراب مع احتلال موقع العمل)
عمل الهيئة القومية للبريد يتصل مباشرة بمصالح المواطنين فى كافة مناحى الحياة والموظف العام أداة الدولة المنفذ لإرادتها ومشيئتها وفقا لمبدأ الولاء الوظيفي
إزاء سكوت المشرع فإن المحكمة تتحمل مسئوليتها القانونية نحو إرساء دعائم الحق والعدل بما يحفظ للسطات الدولة الإدارية استقرارها ودوام سير المرافق العامة بانتظام واضطراد بما يتلافى التعطيل عن الدوام الرسمي لعمل تلك السلطات
العاملون الثلاثة أضربوا عن العمل بالبريد عام 2014 وحرضوا زملائهم عليه وأُغلقت المكاتب البريدية على مستوى الجمهورية (المنوفية والشرقية والجيزة وأسيوط وبنى سويف ) ومُنع الموظفين المختصين بتحصيل المبالغ المالية المستحقة للدولة.
وقضت المحكمة العليا بفصلهم من الخدمة وهم (س.ح.ح) مساعد مكتب بريد أبو رجوان قبلى و (ع.ع.ع) رئيس قسم التسويق بمنطقة بريد جنوب أكتوبر و( ر.ع.خ) موظف بمكتب بريد أوسيم بمنطقة شمال أكتوبر.لأنهم أضربوا عن العمل بالهيئة القومية للبريد أيام 23و24و25فبراير2014 معتصمين أمام مركز الحركة الفرعى خلال تلك الأيام مما أدى إلى تعطيل العمل به، وقاموا بتحريض زملائهم على زيادة الاعتصام وغلق المكاتب مما ترتب عليه إضراب زملائهم وإغلاق العديد من المكاتب البريدية على مستوى الجمهورية وتعطيل العمل بها وعدم قيام الموظفين المختصين بتحصيل المبالغ المالية المستحقة للدولة.
وتأتى أهمية الحكم أنه تضمن مبدأ حظر الإضراب فى المرافق العامة فى ضوء الدساتير المصرية منذ العصر الملكى حتى اليوم وقواعد القانون الدولى والتجارب الدولية ذات النظام اللاتينى مما يجعله حكما عالميا فى المبادئ القانونية التى قررها .
حيثيات الحكم أودرتها المحكمة فى 13 عنصر هى:
أولا : جميع الدساتير المصرية منذ عام 1923 خلت من النص على الإضراب سوى دستور 2012 الذى نقل عنه دستور 2014 وهو غير قابل للتطبيق بذاته , وجميعها اتفقت على احترام الوظائف العامة وأنها تكليف لخدمة للشعب :
ثانيا : لا توجد اتفاقية دولية صادرة عن منظمة العمل الدولية تنظم الإضراب فى المرافق العامة والإعلان العالمى لحقوق الإنسان جاء خلوا من أية إشارات تصريحا أو تلميحا للإضراب كحق , وكثير من رجال الفقه الدوليين يرفضون وصفه بالحق الدولى
وذكرت المحكمة أنه على المستوى الدولى , فإن الإضراب عن العمل وليد الثورة الصناعية وما ترتب عليها من زيادة عدد العمال وتكتلهم فى القطاع الخاص للزود عن مصالحهم المهنية فى عقد العمل التبعى ضد أصحاب الأعمال , وعلى الرغم من أن حق الإضراب مستمد من المواثيق الدولية إلا أنه لم يحظ على المستوى الدولى بذات الاهتمام الذى حظى به غيره من الحقوق ولعل عدم وجود اتفاقيات دولية بشأن تنظيم الإضراب بصفة مستقلة ومباشرة على المستوى الدولى أو الإقليمى وترك تنظيمه وفقا للتشريعات الداخلية لكل دولة هو ما أدى إلى رفض كثير من رجال الفقه بوصفه بالحق الدولى.
ثالثاً : إضراب الموظفين العموميين لا يتفق مع نظام المرافق العامة ويهدم أربعة مبادئ للقانون العام ونظام الوظيفة العامة المنبثقة عن القانون الإدارى :
أشارت المحكمة إن إضراب الموظفين العموميين أمر لا يتفق مع نظام المرافق العامة لأنه يهدم العديد من المبادئ التى يقوم عليها القانون العام ونظام الوظيفة العامة المنبثقة عن القانون الإدارى , فهو أولا يخالف مبدأ رئيسى وأساسى فى القانون الإدارى وهو مبدا سير المرافق العامة بانتظام واضطراد والمساس بالحياة العامة فى المجتمع والدولة , وأن أى خلل أو اضطراب فى السير الحسن للمرافق العامة سيؤدى إلى شلل وتوقف الحياة العامة والإضرار بمصالح الشعب فى الحصول على خدماته واشباع رغباته فى الأمن والتعليم والصحة والعدل، خاصة وأن هناك طرقا أخرى متعددة رسمتها مبادئ القانون الإدارى للحصول على الحقوق والمطالب مثل التظلم الإدارى وسلطة الإدارة فى سحب القرار أو تعديله، وحقه فى ولوج طريق التقاضى بدلا من اللجوء للعنف الوظيفى عن طريق الإضراب .
كما يخالف الإضراب ثانيا قاعدة التدرج الرئاسى وما تفرضه من واجب الطاعة واحترام أوامر الرؤساء حيث يقوم المضربون خلال اضرابهم واحتلاهم أماكن رؤسائهم داخل المرافق العامة بالاعتصام فيها بإحلال سلطتهم محل سلطة الرئيس الإدارى مهدرين واجبات الوظيفة , وذلك من شأنه إهدار مبدأ التدرج الرئاسى فبدلا من إلزام المرؤوس بأوامر الرئيس الإدارى فسوف يفرض المرؤوسون إرادتهم عليه , وفى ذلك مساس بالطابع العام للوظيفة العامة التى تختلف فى جوهر مقوماتها عن الوظائف الخاصة فى عقود العمل .
ويخالف الإضراب فى المجال الوظيفى ثالثا قاعدة أن الوظيفة العامة تكليف باَداء خدمة عامة , فالوظيفة العامة لا تنشأ بقصد شغلها بعدد من الموظفين وتقرر لهم عددا من المزايا الوظيفية بل لأنها تنشأ بهدف تزويد المرافق العامة بالوسائل التى تمكن تلبية الحاجات العامة للجماهير , لذا فإن كافة المزايا الممنوحة للموظفين العموميين مقررة فى الأصل لصالح الوظيفة ذاتها ومن يشغلها ومن ثم فإن الإضراب داخل المرافق العامة يعد صورة من صور الاستغلال غير المشروع للمال العام المخصص لاَداء الخدمات العامة للمواطنين .
كما يخالف الإضراب رابعاً مبدأ العلاقة التنظيمية واللائحية لمركز الموظف العام وهو المبدأ المتفق عليه فى الفقه والقضاء الإداريين على مستوى العالم فى الدول ذات النظام اللاتينى التى تأخذ بنظام القضاء المزدوج ومؤداه أن الموظف العام فى مركز لائحى وتنظيمى يحق معه للسلطة العامة أن تتدخل بإرادتها المنفردة بتعديله أو إلغائه فى أى وقت تشاء دون أن يكون للموظف العام الادعاء بثمة حق مكتسب فى البقاء فى وظيفة بعينها طالما أن ذلك تعبيرا منها عما تتطلبه مصلحة المرفق العام , والإضراب من شأنه دخول المضربين عن العمل الوظيقى فى مفاوضات مع السلطة العامة لتعديل مراكزهم اللائحة أو التنظيمية وهى نتيجة شاذة تأباها طبيعة المرافق العامة وما تقوم عليه من حسن اختيار موظفيها لتقديم خدمات للشعب .
رابعاً : الإضراب محظور فى الوظيفة العامة لتعارضه مع متطلبات المرافق العامة وما تقدمه من خدمات لا غنى للشعب وبهذه المثابة فإن الإضراب يعد عملا غير مشروع ضد المصالح العليا للدولة .
خامساً : الوظيفة العامة تتكفل بمراقبة انحرافات الغير وانحراف أعضائها أكثر خطورة على استقرار الدولة واستمرار مرافقها واضراب الموظفين يترتب عليه فقدان ثقة المواطنين وهم المؤتمنون على مصالح الدولة وأهدافها وتنميتها .
سادساً : أضافت المحكمة إن الإضراب وإن كان عملا قانونيا فى نطاق القانون الخاص بقيود نص عليها المشرع فى قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 فى المواد من 192 حتى 195 , فإنه على عكس ذلك عمل غير مشروع بالنسبة للموظفين العموميين , ذلك أن الموظف العام بقبوله الوظيفة الموكلة إليه يكون قد أخضع نفسه بكل الالتزامات والواجبات التى تفرضها الوظيفة العامة وترتبط بها، وعلى هذا النحو فإن الموظف العام الذى يلجأ إلى الإضراب يعد خارجا عن القواعد التى سنها القانون لضمان ممارسة الحقوق التى تترتب على العقد العام للقانون العام الذى يربط الموظفين العموميين بالدولة , ويمثل تصرفه خرقا لقوانين المرفق العام، ومس مساسا صارخا بالحياة الجماعية، مشكلا خطأ تأديبياً جسيماً يستنهض همة هذه المحكمة للحفاظ على المرافق العامة ببتره من الوظيفة العامة .
سابعاً : الإضراب فى المرافق الحيوية عدوان صارخ على سلامة الدولة وأمنها الوطنى والقومى, وافتئات على الحاجات العامة للأمة وحقوق المواطنين للحصول على خدماتهم الدستورية ,ويغدو معه إضراب الموظفين العموميين تعبيرا عن إيثار مصالحهم الشخصية على الصالح العام واَية ذلك أن المشرع العادى ذاته وفى نطاق القانون الخاص , حينما نظم حق الإضراب لعمال القطاع الخاص فى المواد من 192 حتى 195 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 المشار إليه , حظر فيه الإضراب أو الدعوة إليه فى المنشاَت الاستراتيجية أو الحيوية التى يترب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومى أو بالخدمات الأساسية التى تقدمها للمواطنين أو اضطراب فى الحياة اليومية لجمهور المواطنين. وهى الفكرة الجوهرية التى استقاها المشرع العادى مما استقرت عليه قواعد القانون الإدارى فى نطاق القانون العام .
ثامناً : وأضافت المحكمة إن ما انتهجته هذه المحكمة بحسبانها على القمة من محاكم مجلس الدولة المصرى من التجريم التأديبى للإضراب فى المرافق العامة خاصة الأساسية والحيوية، يجد سنده الدولى فيما قررته منظمة العمل الدولية من قاعدة أرستها أجهزتها الرقابية كلجنة الخبراء ولجنة الحريات النقابية تتتمثل فى أن حق الإضراب يجب ألا يمس المرافق العامة الأساسية و الحيوية كمرافق الأمن والتعليم والصحة والقضاء والاقتصاد بقولها : " تلك المرافق التى يعرض انقطاعها خطرا على حياة أو أمن أو صحة الأشخاص فى مجموعهم أو جزء منهم " , وهى وإن كانت مبادئ لا تتمتع بقيمة أعلى من قيمة المعاهدات الدولية إلا أن لها تأثير كبير فى توجيه سياسات الدول الأعضاء وتوحيدها فى هذا المجال نظرا لما تتمتع به هذه الأجهزة بسلطة معنوية سامية للحفاظ على كيان الدول من الانهيار .
تاسعا : جميع أنواع الإضراب للموظفين العموميين محظورة : التقليدى والدائرى والقصير والمتكرر والتوقيفى المفكك والبطئ والمستتر والاعتصام (الإضراب مع احتلال موقع العمل) حيث إن الإضراب لا يتفق مع نظام دوام المرافق العامة في الدولة أيا كان شكل الإضراب أو نوعه , وسواء اتخذ صورة الإضراب التقليدي الذى يعمد فيه المضربون عن العمل تاركين في نفس الوقت أماكن عملهم , أو الإضراب الدائري الذى يقوم على التخطيط والتنظيم المحكم المتتابع لأكثر من قطاع في العمل وهو ما يعرف بالإضرابات المبرمجة , أو الإضراب القصير والمتكرر وهو ما يعرف "بالإضراب التوقيفى المفكك" يقوم فيه المضربون بتوقفات عديدة ومتكررة في أوقات زمنية معينة ولو كانت قليلة , وقد استقر القضاء الفرنسى في قرار Oliveira المؤرخ 11 يونيه 1981 بأن الإضراب القصير يتحقق بالتوقف عن العمل لمدة ساعتين بطريقة متتالية كل ربع ساعة وانتهى خصم أجور المشاركين فى الإضراب , أو الإضراب البطئ أو إضراب الانتاجية وهو ما يعرف بالإضراب المستتر أو الجزئى حيث يبقى العامل فى العمل لكنه يعتمد على تخفيض الانتاج ويكتسب فيه العامل صفة المضرب من اللحظة التى يبدأ فيها ابطاء الانتاج والتقليل من فعاليته , أو إضراب المبالغة فى النشاط أو الإضراب الإدارى وهو الذى يتضمن تصعيدا فى النشاط ويتمسك المضربون بمطالبهم إلى حد التطرف بصورة مفاجئة مما ينجم عنه عدم الثقة فى المؤسسة التى يعلمون بها، أو الإضراب مع احتلال أماكن العمل وهو ما يسمى بالاعتصام وفيه يتوقف المضربون عن العمل لكنهم يبقون داخل أماكن عملهم بصورة تناوبية بقصد منع غيرهم من العمل وهو غير مشروع بالنظر إلى أنه يمس حرية الموظفين غير المضربين فى العمل , أو الإضراب السياسى الذى يكون فى حالة التنديد بقرار اتخذته السلطة العامة فى الدولة وهو غير مشروع ويشكل خطأ جسيما لأنه شرع للدفاع عن مصالحهم المهنية وليس التعبير عن اَرائهم السياسية , ومؤدى ما تقدم أن جميع الأنواع المذكورة سلفا عن الإضراب تتعارض تعارضاً صارخاً مع مبدأ دوام سير المرفق العام بانتظام واضطراد, كما أن الإضراب يؤدى إلى الاضطراب فى المرفق العام وتعريضه للخطر بشكل ظاهر وغير عادى , وفيه يتطاول الموظفين على الجهات الإدارية التى يعلمون بها فتنهار الوظيفة العامة .
وقد تعرضت المحكمة لتأصيل حظر الإضراب فى المجال الوظيفى فى فرنسا بمروره بمراحل عديدة بين الحظر والإباحة مدعما بأحكام مجلس الدولة الفرنسى كما عرضت المحكمة للتطور التشريعى للإضراب فى مصر ومروره بمراحل تشريعية عديدة بعد عام 1923 فى العصر الملكى حتى العصر الجمهورى.
عاشراً : عمل الهيئة القومية للبريد يتصل مباشرة بمصالح المواطنين فى كافة مناحى الحياة والموظف العام أداة الدولة المنفذ لإرادتها ومشيئتها وفقا لمبدأ الولاء الوظيفي : حيث تختص الهيئة القومية للبريد وفقا للمادة الثانية من القانون رقم 19 لسنة 1982 بإنشاءها بالقيام بنقل الرسائل والطرود البريدية وكذلك بأداء الخدمات المالية البريدية وأعمال صندوق توفير البريد , وإنشاء وإدارة وصيانة المنشآت والأجهزة اللازمة لتقديم تلك الخدمات وتنفيذ المشروعات اللازمة لتحقيق أغراضها أو المرتبطة بهذه الأغراض وتطوير خدماتها والتعاون مع الدول الأجنبية والمنظمات الدولية المختصة لتدعيم وتطوير الاتصال البريدي الدولي , وبالتالى تقدم الهيئة القومية للبريد للمواطنين العديد من الخدمات الحكومية، عبر مكاتبها المنتشرة فى جميع أنحاء الجمهورية حيث تتسابق العديد من الهيئات والوزارات لتقديم خدماتها عقب عمليات الميكنة وتحديث المكاتب وتزويدها بأحدث النظم التكنولوجية، ومن بين أهم تلك الخدمات خدمة صرف المعاشات والحوالات الحكومية والاحوال المدنية والتصديق القنصلى والحوالات المجمعة وتحصيل اقساط الاسكان الاجتماعى المخصص لشهداء ومصابى الشرطة ودفع ايجار الاسكان الاجتماعى وغيرها من خدمات المواطنين، مما يستلزم على الدوام على الموظف العام المنتمى إليها تحقق السلوك القويم الصالح جنبا إلى جنب للكفاية المهنية، وهو ما يوجب ألا يكون هُناك انحرافاً يمس المسلك القويم يؤثر تأثيراً سيئاً على الوظيفة التى حرص المشرع على إحاطتها بسياج من الاحترام , فإذا قبل لنفسه هذا السلوك، أصبح موقفا معيبا بالخروج الصارخ على قواعد العمل وامتنع عن اَدائه معطلا حق مرفق البريد فى اَداء دوره ، فإنه يكون قد انحرف بوظيفتها عن غاياتها، ذلك أن الموظف العام هو أداة الدولة والمنفذ لإرادتها ومشيئتها وفقا لمبدأ الولاء الوظيفي، الذى يفرض عليه أن يؤدي واجبه بعناية وإخلاص وأمانة بغض النظر عن عقيدته الذاتية وانتماءاته الشخصية ، فالوظيفة العامة تنبثق من سيادة الدولة وهو المعبر عنها فى اَداء الخدمات للمواطنين دون امتناع أو تمرد وإلا خرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته وظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامتها فتدق عليه موازين العقاب .
حادى عشر : العاملون الثلاثة أضربوا عن العمل بالهيئة القومية للبريد عام 2014 وحرضوا زملائهم على الإضراب وتم إغلاق العديد من المكاتب البريدية على مستوى الجمهورية (المنوفية والشرقية والجيزة وأسيوط وبنى سويف ) مما منع الموظفين المختصين بتحصيل المبالغ المالية المستحقة للدولة فالثابت في الأوراق أن المطعون ضدهم قد أضربوا عن العمل بالهيئة القومية للبريد أيام 23و24و25/2/2014 معتصمين أمام مركز الحركة الفرعى خلال تلك الأيام مما أدى إلى تعطيل العمل به , وقاموا بتحريض زملائهم على زيادة الاعتصام وغلق المكاتب مما ترتب عليه إضراب زملائهم وإغلاق العديد من المكاتب البريدية على مستوى الجمهورية وتعطيل العمل بها وعدم قيام الموظفين المختصين بتحصيل المبالغ المالية المستحقة للدولة , كما قاموا خارج المبنى الرئيسى لرئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد بالعتبة مع غيرهم بالتطاول بالألفاظ والهتافات معادية وطلبات فئوية بصرف أرباح شركة الاتصالات وعلاوة دورية وصرف بدل الولاء والانتماء على الشامل بدلا من الأساسى , ومن بين تلك المكتب التى تأثر بها الإضراب وأغلقت مكاتبها البريدية منطقة بريد شمال المنوفية حيث أضرب العاملين بها وتم غلق عدد 56 مكتب غلقا كليا فضلا عن عدد 34 مكتب غلقا جزئيا ومنطقة جنوب المنوفية تم غلق 33 مكتب بها غلقا كليا ومنطقة بريد الشرقية التى أدى الإضراب بها إلى عدم خروج معظم السواير , ومنطقة بريد جنوب اكتوبر محافظة الجيزة حيث تم إغلاق مكتبى العياط وأبو النمراسى غلقا كليا , ومنطقة بريد أسيوط بإيقاف العمل بمكاتبها البريدية , ومنطقة بريد بنى سويف حيث تم غلق 11 مكتبا غلقا كليا وتم سرقة مكتب بريد الوسطى فرعى , وقد ترتب على تلك الإضرابات تعطيل سير العمل بمكاتب البريد والإضرار بمصالح المواطنين المتعاملين مع الهيئة القومية للبريد والحاق خسائر فادحة بالهيئة .
وعروجا على ما تقدم , تكون المخالفة المنسوبة إلى المطعون ضدهم ثابتة ثبوتا يقينيا فى حقهم على نحو ما شهد به (إ.ع.م) رئيس قطاع الشئون القانونية بالهيئة القومية للبريد أثناء انتقاله لموقع الإضراب وبرفقته كل من (م.ع.) و(و.ع) المحاميان بالقطاع المذكور حيث تبين لهم وجود (ع.ع.ح) مدير عام الأمن بالهيئة الذى كان يقوم بحصر الأسماء وإعداد مذكرة للعرض على رئيس مجلس إدارة الهيئة وورد بها 18 اسما من المضربين وبدأت الأعداد تتزايد حتى وصلت خمسين مضرباً لكنه استطاع حصر 18 مضربا منهم، وكان من بينهم المطعون ضدهم، إلا أنه نظرا لأنه قد تبين من أن زملاءهم الأخرين يعملون بمحافظات أخرى فقد تم احالة كل منهم للنيابات الإدارية المختصة بالمحافظات التى تقع فى دائرتها عمل كل منهم،ومن ثم يكون ما نسب إلى المطعون ضدهم ثابتا ثبوتا يقينيا فى حقهم بغض النظر عن عدد الأيام التى أضربوا خلالها عن العمل , مما يتعين معه القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة الصحة وملحقاتها والقضاء بفصل المطعون ضدهم من الخدمة .
ثانى عشر : التعارض بين حقين دستوريين حق الاضراب السلمى وحق المواطن في استئداء خدمات المرفق العام يوجب تغليب الحق الدستورى الجماعى المتعلق بمصالح المواطنين فقالت المحكمة أنه لا يفوتها أن تشير إلى أن وجود نصين دستوريين الأول يتعلق بحق الإضراب السلمى وفقا للمادة 15 من الدستور ولم يضع له المشرع تنظيما داخل المرافق العامة والثانى يتعلق بحق المواطن في طلب أداء خدمات المرفق العام وفقا للمادة 14 منه وتدخل المشرع فيه في قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 ونصت المادة الأولى منه على جعل الوظائف المدنية تكليف للقائمين بها لخدمة الشعب ورعاية مصالحه , وفى مجال التعارض بين حقين دستوريين فإنه ينبغى تغليب الحق الدستورى الجماعى المتعلق بمصالح المواطنين الذى قرره ونظمه كل من المشرعين الدستورى والعادى عن الحق الدستورى الفردى الخاص.
ثالث عشر : إزاء سكوت المشرع فإن المحكمة تتحمل مسئوليتها القانونية نحو إرساء دعائم الحق والعدل بما يحفظ للسطات الدولة الإدارية استقرارها ودوام سير المرافق العامة بانتظام واضطراد بما يتلافى التعطيل عن الدوام الرسمي لعمل تلك السلطات فإعتراف الدستور المصرى بحق الإضراب لا يعني استبعاد القيود التي تحده كغيره من الحقوق الدستورية الأخرى ، ويكون للحكومة إزاء فقدان النص القانوني المنظم له أن تضع بنفسها باعتبارها مسئولة على حسن سير المرافق العامة وتحت رقابة القضاء القيود التي يجب اتخاذها لممارسة هذا الحق منعا من استعماله كوسيلة لمخالفة النظام العام، حماية للنظام العام من جهة ولضرورة
دوام سير المرافق العامة من جهة أخرى. وإزاء سكوت المشرع فإن هذه المحكمة تتحمل مسئوليتها القانونية نحو إرساء دعائم الحق والعدل بما يحفظ للسطات الدولة الإدارية استقرارها ودوام سير المرافق العامة بانتظام واضطراد بما يتلافى التعطيل عن الدوام الرسمي لعمل تلك السلطات مع الحرص على توفير كافة الضمانات التأديبية السليمة .
اترك تعليق