هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

"سعادة" اشهر حارسة فى التاريخ.. صمدت ٣٠ عاما دفاعا عن ١١٦ غرفة رومانية بالوادى الجديد. صور

عند الخروج من الصحراء البيضاء، بواحة الفرافرة،  وبين امتدادات الثلوج الحجرية وخيالاتها الساكنة تلوح أقطاب الجبال ومنحدرات الوديان ذات الرمال الناعمة والتى تعكس بريق الذهب الخالص عبر مرآة تشكلت بفعل أشعة الشمس المتعامدة على الطريق الأسفلتى كأفعوان ضخم أسود يتلوى فى تلك الصحراء الشاسعة البريئة كعدوٍ داهم لسكان قرية آمنين وقصر كان فى العهد القديم شامخا كحصن تلوذ به اعداد الفارين من بطش الطبيعة وهجمات الغائرين.


سعادة ليست خرافة صمدت ٣٠ عاما   لحراسة ١١٦ غرفة بمفردها فى قلب الصحراء بالوادى الجديد

امانتها وشجاعتها وقوة بصيرتها صفات صنعت منها حارسة مخازن غلال أهلها وعشيرتها

كانت تحتفظ ب ١١٦ ضبة ومفتاح خشبي ولا أحد سواها لأكثر من ٣٠ عاما متتالية

الأمطار العزيزة كانت سبباً في تهاوى حصن الرومان ورحيل سعادة منتصف القرن الماضي

سعادة ليست خرافة غفلها التاريخ قرنا من الزمان وفاقت شجاعتها حصون الرومان

 

وبالعودة إلى ثلاثينات القرن الماضي يظل قصر الفرافرة أحد  علامات الأبنية البارزة والحصون المشيدة التى بنيت على أنقاض قلعة رومانية قديمة تحولت بمرور الأعوام إلى مخازن على هي هيئة ١١٦ غرفة بنيت بالطوب اللبن لتعبئة الفائض من الغلال لاهالى واحة الفرافرة فى ذلك الوقت ، والتى لم يتبقي منها سوى أطلال متناثرة وشواهد خاوية تسكنها اشباح من الماضي وصورة التقطتها عدسة تصوير شيخ الأثريين فى ذلك الوقت أثناء زيارته للواحة منذ ٨٠ عاما لسيدة تدعى (سعادة) حارسة القصر لأكثر من ٣٠ عاما فى ذلك الوقت.

يقول رضا أحمد حمودة ٣٢ عاما مرشد سياحى وأحد أبناء مركز الفرافرة فى تصريح خاص لبوابة الجمهورية ، أنه يتذكر حكايات جده التى كان يرويها له فى صغره حول ماهية قصر الفرافرة وحارسته السيدة (سعادة )عبدالحفيظ هيبة ، والتى كانت تحرس مخازن الحصن بمفردها لأكثر من ٣٠ عاما منتصف القرن الماضي بعد وفاة زوجها  جاد الرحمن محمد كساب الحارس الأول ، مشيرا إلى أنها ورثت عن زوجها الشجاعة وقوة الفراسة فضلا عن امانتها التى اشتهرت بها وذكائها الشديد واللذان كانا سبباً فى تحملها ضخامة مسئولية الإحتفاظ باكثر من ١١٦ مفتاح لغرف تخزين الغلال دون غيرها من أهالى المنطقة.

 

  أضاف حمودة أن جده ذكر له أن حارسة القصر (سعادة ) رحلت فى أواخر اربعينيات القرن الماضي عقب إنهيار جدران الحصن أو القصر بسبب سقوط أمطار غزيرة أدت إلى تهالكه وتهاوى أبوابه المصنوعة من أشجار السنط العملاقة والتى لم تكن لتفتح إلا بواسطة رجلين على أقل تقدير فى حضرة حارسته ، ولم يمضي عام ١٩٤٥ م إلا وسقط بالكامل لتنتهى أسطورة القصر الرومانى ومعها نهاية قصة سعادة حارسة الحصن والتى غفلها التاريخ على مدار قرن من الزمان وخلدتها ذاكرة جدران هذا المكان والذى يخضع حاليا لقانون حماية الآثار المصرية.

وفى نفس السياق أضاف عبدالله على عبدالنبي ٤٣ سنة،  يعمل بوظيفة معلم بمدارس الفرافرة ، أن التاريخ ومدونات الباحثين والزائرين الأجانب بجانب المصريين من كبار الشخصيات التى عاصرت تلك الحقبة الزمنية منذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى أواخر الستينيات لم تشير إلى قصة حارسة الحصن أثناء زيارتهم للواحة باستثناء ما أشار إليه الدكتور أحمد فخرى شيخ الأثريين وأحد العلامات البارزة فى تاريخ الإكتشافات الأثرية الحديثة عن وجود سيدة فى العقد الخامس من عمرها كانت تحمل مفاتيح كثيرة  تعود لمخازن غلال داخل الحصن والمكون من 116 غرفة لكلا منها باب يحمل  ضبة وله مفتاح .

 

وتابع  أن أمانتها  وشجاعتها لحراسة هذا العدد الكبير من الغرف المحصنة أكثر ما جذب انتباه الباحث وزاده تعجبا ودهشة لقوة تحملها وبأسها الشديد ، والتى لم تكن تتقاضي سوى بضع كيلو جرامات قليلة نظير حراستها لغرف الحصن على مدار العام ، وكان صاحب الغرفة يأخذ منها المفتاح بنفسة لكى ياخذ ما يحتاجة من غلال لبيته . وغير مسموح أن تفتح الغرفة إلا بواسطة صاحبها فى وجود حارسته (سعادة) وسلم خشبي بطول طابقين يسمح للوصول إلى إرتفاع لا يقل عن عشرة أمتار للوصول إلى الغرفة المقصودة .

واوضح عبدالنبي أن الحارسة (سعادة) تنحدر من أصل قبيلة العيادية وهى من أصول مغربية لعائلة الشيخ مرزوق والذى شيد له مقام لا يزال قائماً حتى الآن بالفرافرة ، موضحاً أنه في نهاية الاربعينيات هطلت سيول غزيرة على الفرافرة وأنهار جانب كبير من الحصن المبنى بالطوب اللبن القديم ، وسارع الاهالي لإنقاذ ما تبقى من غلالهم بعدما قضى عليها السيل وانتهى مع انهيار الحصن قصة ( الأمانة ) التى حملتها حارسة حصن الفرافرة نقلا عن الدكتور  احمد فخرى فى كتابه عام 1938م.

 


ومن جانبه أكد مجدى ابراهيم مدير عام منطقة الآثار المصرية بالداخلة فى تصريح خاص لبوابة الجمهورية أن قصر الفرافرة تم بناؤه في العصور الوسطي علي مرتفع صخري يعلو عن الصحراء المحيطة به ، مشيرا إلى أن تصميمه مربعا يبلغ طول ضلعه حوالي 55 مترا وإرتفاعه حوالي عشرة أمتار.

 

واضاف إبراهيم أن اساساته ومداميكه السفلي  بنيت بأحجار غير مهذبة بإرتفاع مترين أما باقي المبني فمبني بالطوب اللبن بالإضافة إلى أن  بوابته من الناحية الشرقية تؤدي إلي ممرات متعرجة لأسباب دفاعية لصد هجمات المغيرين ، كما كان به بئر مياه يستخدم في حالة الحصار عند اغلاق الحصن .

وتابع بأن المبني يتكون من طابقين وكان يحتوي علي عدد116 حجرة. كانت تحرس من قبل أهالى الواحة قديما عن طريق اختيار من يصلح لذلك  وكان في الداخل  يوجد عدد من الشوارع الضيقة المتعرجة ذات جوانب منحدرة ، وفى الخارج كانت تحيط منازل أهالي الفرافرة بالحصن.

 

واختتم مدير عام الآثار المصرية حديثه قائلاً انه جرى استخدام الحصن من قبل أهالي الفرافرة المحدثين كمخازن للغلال حيث كان لكل أسرة حجرة خاصة بها ، مؤكدا أن جرى توثيق تاريخ الحصن بالصور منتصف ثلاثينيات القرن الماضي  وتم تصوير سعادة حارسة الحصن من قبل الدكتور أحمد فخري شيخ الأثريين  ، لافتاً إلى إنهيار الحصن علي عدة مراحل كان اخرها جراء سيول شديدة في آواخر الخمسينات
، مؤكدا أنه سيتم وضع منطقة الحصن الأثرية بالفرافرة ضمن خطة عاجلة وقريبة بالتنسيق مع المجلس الأعلى للآثار المصرية تمهيدا لبدء عمل الحفائر فور إنتهاء أزمة وباء  كورونا.............................................وتعتبر مدينة الفرافرة أصغر واحات الصحراء الغربية، وقد ورد ذكرها في النصوص الفرعونية والرومانية القديمة بداية من الأسرة الخامسة، والتى عرفت باسم ( تا إحت ) أي "أرض البقرة". وقيل ان المصريين القدماء عاشوا فيها في عصور ما قبل التاريخ منذ خمسة آلاف سنة قبل الميلاد.

 

وقد وصف الرحالة الأوروبي ـ كايو ـ الذي زار الفرافرة في عام 1819م ويعتبر اول رحالة يزور الفرافرة ويكتب عنها ويقول عن حالها آنذاك: " بان مدينة القصر حصن مهجور والناس تعيش في القرية المحيطة به، ولأن الفرافرة واحة معزولة فإن أهلها يكبر داخلهم الخوف من الغرباء، وكانت وسيلة السفر الوحيدة هى الجمال التي تقطع  المسافة إلى الواحات الداخلة وهى حوالي 300 كيلو في أربعة أيام.

 


 وللفرافرة أهمية استراتيجية خاصة، في الدفاع عن مصر ضد الهجمات الآتية من الغرب مثلما حدث عندما هاجم بدو الصحراء  أهالى قصر الفرافرة فى أوائل القرن الثامن عشر الميلادي كما ورد ذكره بنص كتاب أحد الباحثين الأجانب أثناء زيارته للمنطقة نقلا عن أهالى الفرافرة فى ذلك الوقت.

 


  وتعتبر الفرافرة أفضل الواحات صحياً ، وقد ارتبطت الفرافرة بالواحات الأخرى ووادي النيل  بعدة طرق للقوافل، حيث يوجد طريق قديم للقوافل بين الفرافرة والداخلة، يبلغ طوله حوالي، مائتي كيلو متر وكانت القوافل تقطعه في اربعة أيام اوخمسة.. ويمر ببئر داكار وهى عين رومانية قديمة.


 
 وذكر ـ بيدنل ـ  أحد الزائرين الأجانب للواحة قديما ، أن أرضيتها مغطاة بكُسر كبيرة وصغيرة متبلورة من كبريت الحديد والماركاسيت وعدد من المعادن الأخرى  والتى تعتبر ثروة قومية خاصة.. إضافة لتدفق المياة الجوفية بشكل كبير
وكانت لا تزال تعتمد على الواحات البحرية المجاورة لتوفير مستلزمات المعيشة الضرورية كالسكر والشاى وغير ذلك حتى فترة قريبة كما ورد فى النصوص القديمة.

 

وبالرغم من شهرتها الواسعة وطبيعتها الساحرة وتفردها بمقومات العناصر ذات الإنتاجية العالية على مساحات شاسعة إلا أن الشواهد والأطلال الباقية من الزمن القديم بواحة الفرافرة لاتدل على وجود آثار للعصور الفرعونية، باستثناء بقايا أطلال وركام تعود لعصور تالية بجوار العيون القديمة والجبانة المغطاة بالرمال بالقرب من قصر الفرافرة والتى يوجد بها بعض المقابر المنحوتة في الصخور ، وعلى جدرانها عدد من الصور والزخارف وعدد من المقابر الصغيرة المنحوتة في تلة بالقرب من عين  (جلاور ) بالإضافة إلى بقايا مباني من الطوب اللبن والحجر الجيرى بالقرب من عين  (بساي) على شكل مقصورة صغيرة.

 

 ومن الحقائق التاريخية التى شهدتها واحة الفرافرة وسجلتها اقلام الباحثين والرحالة قديما منذ العصر الرومانى وحتى قرنين من الزمان سعى أهلها الشديد وحرصهم على إقامة الحصون لتكون قريبة من طريق درب الأربعين لتكون بمثابة مراكز لحراستها وصيانة الأمن الداخلي في البلاد المجاورة ودفع عدوان القبائل البربرية، التي كانت  تشن  هجماتها من وقت إلى آخر على البلاد وتعمل فيها قتلاً وتخريباً.

 

   يتميز سكان الفرافرة بالتجانس اللغوي والفكري والثبات النسبي في العادات والتقاليد المتوارثة ، وهو ما أشارت إليه الدراسات السابقة موضحة أن أغلبهم ينحدرون من 6 أصول لقبائل عربية مثل: ( الحنانوة_ العيادية_ الركابية _ القدادرة_ الرميحات_ العكاترة) ،
 وهو مايتضح من خلال ملابسهم وعاداتهم الأقرب إلى سمات وعادات البدو ، فهم أناس مسالمون وقانعون وقليل من الرزق يكفى معيشتهم وتربية أبنائهم على الأخلاق الحميدة والسلوكيات الطيبة ، نقلا  عن الشيخ صالح عبدالله أحد مشايخ الواحة الذي ورث عمودية الفرافرة فى ثلاثينيات القرن الماضى أثناء زيارة الدكتور أحمد فخرى شيخ الأثريين المصريين.

 

 أما عن عادات الزواج في الفرافرة.. فإن الفرح كان يستمر أسبوعاً كاملاً وربما شهراً كاملاً في كثير من الأحيان.. وكان المهور من سبع إلى ثمان جنيهات ، وكان الأثرياء لا يدفعون أكثر من عشرة جنيهات في الخمسينيات ، إضافة إلى أن قناعة أغلب رجال الواحة بزيجة واحدة، إلا إذا كانت هذه الزوجة عاقر ، فله الحق في ان يتزوج عليها ، ولأن تنوع المحاصيل الزراعية كان قليلاً فيما قبل بواحة الفرافرة فأنها اعتمدت في تاريخها على تبادل السلع الغذائية مع أسيوط بوادي النيل نقلا على الجمال خلال مسيرة أيام متصلة كما ورد بالنصوص القديمة.

 

وتبقي المرأة صنو الرجل وشريكته في بناء المستقبل والحياة، منذ عصور ما قبل التاريخ ولهذا فإنَّ دورها في الحياة والعمل لا يقلّ أهمية عن دور الرجل، بل إن المجتمع بحاجة إلى عمل المرأة فى كثير من الميادين والمواقع القيادية أسوة بالمجتمعات المتقدمة وتطورات العصر الحديث.


 فالعمل باختلاف أنواعه من شأنه أن يمنح المرأة قوة مادية ومعنوية لمواجهة أعباء الحياة بل ويُساعدها في تأمين متطلباتها دون أن تكون مضطرة لطلب يد العون والمساعدة من الآخرين، مما يعزز من مكانتها الإجتماعية ويمنحها القدرة والعزيمة لتقديم أفضل ما لديها فى شتى المجالات.


يأتى ذلك فى الوقت الذى كان ينظر فيه المجتمع الريفى والكثيرين عبر سلسلة متصلة من القرون والأزمان إلى خروج المرأة للعمل واضطراراها للظهور فى زيها التقليدى وسط مجتمع قوامه الرجال نظرة سلبيةً، متناسين أن المرأة بإمكانها أن تسهم في تطور المجتمعات بشكلٍ كبير، وأن عملها بمضي الأعوام أصبح حتميا وضرورة تفرضها طبيعة الحياة وتغيراتها لإستكمال مسيرة التنمية وتعويض النقص فى الكثير من الأعمال وصنوف المجالات بدافع تأكيد الهوية الحقيقية للمرأة المصرية الكادحة من أجل حياه كريمة وآمنة لأسرتها ومستقبل الأجيال القادمة.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق