من سنوات بعيدة أتابع باهتمام شديد الشاعر المبدع عادل صابر عبر شاشة القناة الثامنة أو المنتديات الأدبية بجلبابه الصعيدي وطلته الخشنة والتي ما يفتأ يلطفها بحنكته ومهارته وروحه المرحة في إلقاء مربعاته المغلفة بالدر والياقوت وبلهجته الصعيدية المحببة إلى النفوس .
جدير هذا المبدع بلقب أمير فن الواو، فالمتأمل في مربعاته يجدها خلاصة تجارب إنسانية عميقة وخبرات غير عادية بالحياة والناس، تتوهج في ثناياها حكم ووصايا لإنسان عرك الحياة وعركته ، فأنضجته قوَّالا تربع على عرش فن الواو فى السنوات الأخيرة بلامنازع .
فهو يمتلك قدرة فنية عالية وتأملا واعيا لإيقاع الحياة وتصاريف الأقدار ، وتغير أحوال البشر وتبدلها ، مثلما يمتلك مخزونا هائلا من تعبيرات مغلفة بالألم والحزن والأمل والبشارة كلها منحوتة من طين الأرض اللازب، معجونةً بعرق الكادحين والمهمشين من الطبقات الضاربة بجذورها في الفقر والعَوَز والحرمان، الراضية في ذات الوقت بأقل القليل من الستر، فلا نهب ولاسلب ولابغضاء ولاحقد!
ولعل أكثر ما يدهش المتلقي في مربعات هذا الشاعر هو هذا الكم الهائل من المفردات الثرية الموغلة في القدم بما تحمله من دلالات عميقة وإشارات سخية مغلفة بروح عصرية للمعاناة اليومية لحياة البسطاء - وهو واحدٌ منهم - إلى درجةٍ تشعرك أن الشاعر راهب في محراب النحت لمفردات غاية في العفوية تصادف هوى في وجدان كل متلق فتعلق به ، وتنساب رقيقة رقراقة ، فيرددها بينه وبين نفسه وهو لعمرى سر الإبداع الأعظم ، تأمل : ( السَبَل- العَبَل – البرك- العَطَن- النخالة – الغيطان – الجميز- الحلف- الحشيش - الزعابيل - المواعين ، ... ) .
حسبى أننى هتفت بعد مزيد من القراءة والتأمل أن هذه المفردات - وبدون مبالغة- لم يطمثها من قبلُ إنسٌ ولاجان !
لقد تصالح في شخصية هذا المبدع مركبات إنسانية وإبداعية عجيبة ، فهو واحدٌ من قاع القاع يعيش بروحه وجسده تجربة كل مربع بل كل لفظة فتشعر وكأنه تجرع مرارة معايشتها دهرا فتأتيك معجونة بطين الصبر والجلد في مزاوجةٍ بديعة وفريدة !
فلا بأس إذن أن تجده صوفيا هائما في حلقات الذكر حينا ، وحينا آخر تجده سِكِّيرا شرب حتى الثُّمالة من كاسات المر والألم ، وقد تجده أحيانا.
عجوزا قد عَرَك الحياة وخَبِرها ، وحينا شابا يافعا حيَّره العشق والهوى !
يردد مع صبايا قريته أغنيات الأفراح ، مثلما يأسره ناىٌ حزين ، ويتمثل عدودة امرأةٍ ثكلى ، مثلما تُطرب وجدانه زغرودة عابرة !
وكما تجده واعيا بالتوراة والإنجيل والقرآن ووصايا لقمان الحكيم ومأثورات الأنبياء والمرسلين ، تجده يستحضر – كجنىٍّ بارع – أحداث التاريخ بغرائبه وعِبره منذ آلاف السنين !
باختصار شديد لا تملك حينما تشتبك مع مربعاته إلا أن تهتف من أعماقك : أى قوَّال هذا ، جنىٍّ أم ساحر ؟!! .
أما إن أردت وصفا لهذا المبدع فهو في رأيى : المعلم والحكيم والخبير والممثل والقوَّال والعاشق والفيلسوف والمتأمل والباكي والضاحك... كوكتيل من الصفات امتزجت في شخصيته فكان مبدعا وقوَّالا من طراز فريد ، وفى رأينا هكذا ينبغى أن يكون كل مبدع وإلا فلا .
من هنا فإن المتأمل في إبداع هذا الشاعر يجده متضمنا الكثير من الحكم والوصايا العفوية البسيطة والعميقة في ذات الوقت ؛ لأنها نابعة من معاناة حقيقية لشخص طحنته الحياة وضرب بأرجائها طولا وعرضا فعاد صفر اليدين ، ومايزال يعانى مزيدا من الحرمان من أبسط ضرورياتها ، فمربعاته مع بساطتها غاية في الإحكام لجمال صوغها ولطف إيقاعها وصدق نشيجها وعمق دلالتها !
جينا لدنيا التعب.. لا لقينا مال ولا ورث
مَيِّتنا عِكرة .. ولقمتنا بقلع الضرس
احنا حمير الفرح ياما مشينا سكك
حوَّلنا كل الدِّكك ولادقنا كحك العِرس !
ولعلنا لانغفل من البداية مدلول عنوان الديوان (مصلوب على النخل ) فالنخل هنا الوطن ، أما المصلوب فهو الإنسان ، بل هو المسيح الجديد الذى صلبته كلمته على نخل وطنه ، فلكل عصر مسيحه !
وعادل صابر هو مسيح هذا العصر بكل ألمه وحكمته وزهده فى الحياة ورغم كل ذلك فهو يجول يعمل خيرا ويدعو للمحبة بحكمة المسيح الجديد ، حتى يصبح دمه غنوة لحقول القمح ودموعة بكا المساطيح بعد حصاد القمح أى الأغنية ، كان يتمنى أن تظل أغنيته تنمو وتكبر مع القمح إلا أن
يد البشر حشت أغانيه وصلبوه على النخل ليتماهى شموخه بشموخ وكبرياء النخيل ، إنه المسيح الجديد !
وقد تناول شعر عادل صابر كثيرٌ من النقاد والباحثين ، ومن أكثر من زاوية ، بَيد أنى في هذه الإطلالة سأركز على ما تضمنته مربعاته من حكم ووصايا إنسانية شملت كل مناحي المعاناة اليومية للبسطاء والمهمشين
وإذا كانت موضوعات فن الواو ومربعاتُه في الأصل هى تناول أسى الزمان ومرارة الواقع وغدر الخلان وخيانة الحبيب ، فإن هذا الشاعر قد أحسن توظيف هذا كله بامتياز، بل زاد عليه ما نتج عن تأملاته وفلسفته وخبراته الحقيقية بالحياة ؛ لأنه نبت من طين هذه الأرض ، لَفَحَه صهدُها مبكرا وجارت عليه منذ طفولته الأيام ؛ فشب مكافحا معجونا بعرق الكدح سعيا على لقمة العيش ، فإذا أضفنا إلى ذلك وعيه بالتراث الدينى والتاريخي بحنكة ومهارة ، كان مابين أيدينا من إبداع مدهش يدور أصلا في فلك الحكم والوصايا والتحذير من الافتتان بالمال أو الجاه ، معبرا بصدق عما تحياه هذه الطبقات الفقيرة الكادحة من قسوة ومعاناة !
وقد تنوعت هذه الحكم والوصايا مابين حكم ووصايا دينية ، تناولت التراث الدينى أو التاريخى ، أو وطنية سياسية في عشق مصر ، أو داعية للمحبة والسلام وإلى قيم الخير والحق والجمال ، أووصايا وحكم عامة .
أولا ، مربعات تضمنت حكما ووصايا دينية :
حيث يتخذ من الأنبياء والصالحين ومواقفهم ومنهجهم وسيرة حياتهم معادلا موضوعيا يستلهم منه الحكمة ويستخلصها بمهارة ووعى :
لامعاي عصاية الكليم ولاجبة الحلاج
ولاليا سلطة يسوع عالبحر لو يوم هاج
أنا بس هدهد سبأ جانى بأمر خطير
عن خلق عبدوا القدير وقتلهم الحجاج
والمربع كله – كما هو واضح – أقوال مأثورة عبر التاريخ مثل ( عصا كليم الله موسى عليه السلام ) والتى صارت بأمر الله ثعبانا ، وانفلق بها البحر، وماكان له فيها من مآرب أخرى وأيضا (سلطة يسوع ) والمقصود بها كما هو معلوم ماجرى على يد روح الله عيسى عليه السلام من إحياء للموتى وإبراء للأكمه والأبرص بأمر الله ، وكذا سَيره على الماء ، إلا أنه في النهاية كمبدع يرى بصدق
أحاسيسه مالا يراه الآخرون وقد صار كـ (هدهد سليمان) الذى أتى فيما مضى لنبى الله بالنبأ اليقين ، ولا يخفى على متأمل إتقان
الشاعر لصنعته حيث أحسن اختيار معادله الموضوعي متحدثا عمن يقتلهم السلطان وهم عابدون زاهدون ودون ذنب أو جريرة تماما كما تسلط الحجاج من قبل على رقاب الناس بل وبعض التابعين ، حين ملأ الدنيا ظلما بقتله الناس بالظِّنة !
وفى المربع التالى يؤكد معنى الحكمة القائلة : عملك عمَّالك ، وكذا قول الله تعالى: (إلا من أتى الله بقلبٍ سليم ) أوالحكمة القائلة :( المكتوب على الجبين ) وكذا (سلم الأمر لله ) فالواضح أن كل شطرة في المربع
تحمل حكمةً أو وصية يتخذها الشاعر معادلا موضوعيا لما يريد إيصاله من معنى أو أكثر :
عملك دليلك وربك بالنوايا عليم
ولايدخل الجنة غيرطيب بقلب سليم
عايشين بكف القدر والصبر لينا وجب
فاصبر على اللى انكتب والرك عالتسليم
ويتخذ الشاعر من تقوى الله معادلا موضوعيا للمربع التالى حين يقول :
من يتقى الله في الضلمة يلاقى النور
وكاره النور تشوفه في الصباح مكسور
وفاعل الخير زارع في الدياجى نهار
ومنين حياجى الخضار للى قلوبهم بور ؟!
فالشطر الأول هو الآية القرآنية (ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا ) والثالث المثل القائل : (افعل المعروف ولو في غير أهله).
والجدير بالذكر أن كثيرا من مربعات الشاعر تكون حِكما أو وصايا مبتكرة من تأليف الشاعر مما يؤكد عمق خبرته وتجاربه ، كما في شطرى هذا المربع الثانى والرابع .
ويقول في المربع الأول في الصفحة الحادية والأربعين :
إن كنت موهوم بملكك ، افتكر فرعون
وان كنت موهوم بمالك ، اتعظ بقارون
ريح المنية بتاخد النخلة والجانى
والكل فانى ، ماباقى غير إله الكون
فالأشطر الأربع تدور جميعها في فلك آيات قرآنية تتضمن مواقف مشهورة ، فلمن يغتر بملكه أن يتذكر فرعون فقد هلك بعد أن ظل في ملكه
أربعمائة سنة لم يُصَب بزكام كما سجل التاريخ (إنه طغى ) النازعات (17) ووصل به غروره أن يقول : (أنا ربكم الأعلى ) النازعات (24) ومع ذلك أهلكه الله ومات كافرا ! أما من يغتر بماله فله في قارون عِظة وعِبرة فما نفعه مالُه – على كثرته- إذ خسف الله به وبداره الأرض ! وفى النهاية يتمثل بالآية المعروفة ( كل من عليها فان ) الرحمن (26) .
وفى المربع الثانى بالصفحة التاسعة والأربعين من الديوان يتخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدا لليتامى وهو بالفعل كذلك ، وللفقراء والمساكين أيضا وقد كان صلى الله عليه وسلم دائما مايدعو : (اللهم أحينى مسكينا وأمتنى مسكينا واحشرنى في زمرة المساكين ) تماما كما خلق الله لمحو الظلام قمرا ، فبالصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم تمحى الهموم ويتعزى الفقير واليتيم :
طب مين يواسى الفقير إلا رسول الله
ومين يعزى اليتيم وان عاز ونس يلقاه
لجل الضلام يتمحى ، ربك خلق له قمر
وعشان هموم البشر ، خلق ابن عبد اللاه
وتتجلى فى المربع الثانى من الصفحة الثامنة والسبعين النزعة الدينية لدى الشاعر فيتمثل نفسه المسيح مصلوبا ؛ لأنه مايفتأ يُذَكِّر الناس ويدعوهم إلى عبادة الإله الواحد ، وإلى مزيد من قيم الخير والحق والجمال ، فكان نصيبه الصلب ، فلما تمثل نفسه خليل الله إبراهيم ودعا قومه لترك عبادة الأصنام وعبادة الله الواحد ألقوه في النار، وهكذا كلما شرع في إيصال وصاياه وحكمه خانه حتى اليمام الذى كان مشهورا بالوفاء وعشش على باب الغار ونجى الله بسببه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين خانه :
أنا المسيح اللى نصبولى صليب العار
وأنا الخليل اللى حدفونى في قلب النار
كان نفسى أقول الوصايا واحطم الأصنام
خانِّى اليمام ولاعَشِّش في باب الغار
أما في المربع الثانى من الصفحة التاسعة والسبعين فيتجلى اشتياقه وهيامه بالنبى محمد صلى الله عليه وسلم فتأتى الكلمات غاية في العذوبة والرقة التى تجسد إيمانا حقيقا وشوقا بالغا يعيشه كل مسلم في لحظات تجلياته فيتمثلها
الشاعر بروحه مستخدما ذات الألفاظ التى يتمثلها كل عاشق متيم يحلم بزيارة النبى والأماكن المقدسة :
مِن ضى وجه النبى محتاج انول طلة
هيمانة روحى وقلبى عالحبيب صلى
جوايا غيط من رضا حواليه ملايكة تدور
وجرون من نور في حضنها تضحك الغلة
وفى المربع الأخير من الصفحة التاسعة بعد المائة يتناول حديث النبى صلى الله عليه وسلم : ( لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن علمه ماذا عمل به ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ) ثم يختم المربع في سياق المثل القائل : بأن (الكفن مالهوش جيوب ) :
قريت حديث عن نبينا المصطفى معناه
إن ابن آدم يُسأل عن عمره فيما فَناه
وانت اللى ضيعت عمرك بين فجور وعفن
دوِّر في جيب الكفن يمكن في يوم تلقاه
وتبدو براعة الشاعر في جمال الصورة إذ يصور عُمْر الرجل الذى أفناه في المعاصى كمن فقد ماله وسيرحل بكفن ليس به جيوب لا للمال ولا للعمر، مستحضرا المثل المشهور(الكفن مالهوش جيوب) !
ثانيا ، حِكم ووصايا في الوطن والسياسة وعشقه لمصر :
فمن أول صفحة في الديوان يقابلنا المربع الثالث والذى يتحدث فيه عن معاناة شعب فلسطين حين سلب منهم وطنهم وتشردوا في البلاد ، فهو يشبههم برجل ضرير فقد قائده وهو يسير فجأة على الطريق وفى هذا مافيه قطعا من الحيرة والألم ، وعلى الرغم من ذلك هو يدعوهم إلى الإيمان بقضاء الله وقدره متمثلا الحكم المناسبة للسياق ، وإن كان هنا مايناسب هذه المأساة هى عدم دعوتهم إلى الاستسلام والرضا بل دعوتهم إلى مقاومة الغاصب والمحتل أولى :
صبرك ياشعب اتلهى فاق ماالتقاش بلده
يشبه لراجل ضرير ضاع عالطريق سنده
ورغم هجر البلح النخل عاش فى رِضا
لولا الإيمان بالقضا ، كان هج ورا ولده
أما في المربع الثانى بالصفحة الثالثة والأربعين فهو هائم في عشق بلده مصر بأرضها ونيلها فكلما زادت قسوتها ازداد لها عِشقا فهى صفحة عشقه وهى التى يشفى برُقْيتها مهما لدغه ثعبان الفقر أو الحرمان ، أما نيلها فشرابه ترياقٌ من سموم عقاربها !
وكل مايزيد أسايا يزيد إشراقى
ماانتى القِراية وانتى الرقية والراقى
عاشق جحورك وجسمى م السموم شارب
ياأم العقارب، دا نيلك هو ترياقى !
وتتجلى في المربع الأخير بالصفحة السادسة والتسعين وطنية الشاعر الصادقة وحبه لمصر حتى النخاع فهو مهما اغترب عنها فهى ونيسه في غربته ومهما تاه في غربته فحضنها دليله ومهما ابتعد فوجهها ماثل
أمامه ، ولعل من عاش غريبا عن مصر يجد في هذا التغريد المشجى سلوته وقد جربنا مشاعر الغربة بعيدا عن مصر وعشناها بصدق ،
ولقارئ هذا المربع أن يتمعنه جيدا فسيجد فيه إشباعا غيرعادى لكل متيم بتراب وطنه مصر وعاشق لها :
في الغربة حبك صبح زادى وونس ليلى
رمشك حدودى وحضنك وطنى ودليلى
طب كيف راح ابع ووشك في الغياب حاضر؟
وازاى حاغادر، وانتى جوازي وكفيلى ؟!
أما في المربع الثانى بالصفحة مائة وواحد فالمربع كله ينضح بعشقه لبلده مصر وحرصه على صونها والحفاظ على ممتلكاتها وأرضها ونيلها ونخيلها ، وهو يطالب كلَّ أهل مصر بالحفاظ على بلدهم ولهم مقابل ذلك كل ما يريدون طواعيةً ، بشرط أن يدفعوا عنها كل َّغازٍ ومغتصب ، ولاشك أن هذا ينم عن الرضا والحب الكبير لمصر، كما أن فيه إعلاءً لقيم الولاء والانتماء لوطنه :
ليكم حمام البلد ، ليكم غيطان ونخيل
وانتوا العلم والهرم والطين وبحر النيل
فانسوا كلام الهوى وانسوا عيون المها
واحموها من أبرهة ، لوجِه بمليون فيل
وعشق الشاعر لمصر قديم ترعرع معه منذ صغره ومهما كبر وشاب فهو كنيلها ونخلها حبه لها عتيق ، ومهما عم الحزن ومات شباب في
الدفاع عنها من كيد العِدا فهم شهداء الوطن والكرامة وهم من يحفظون حقوق المظاليم :
يامصر حلمك في عينى زى فجر قديم
والنخل شايب ومتلقح بنهر يتيم
فصلنا للحزن جلابية من العواديد
جايز يقوم الشهيد ويطمن المظاليم
ولعل مايجب التأكيد عليه هنا أن مربعات الشاعر تُعلى من قيم الحب والولاء والتضحية والعشق الصادق للوطن ، على الرغم مما يعانيه الشاعر من ألم الحرمان والفقر وضروريات الحياة إلا أن شهامته وصدق مشاعره لبلده تجعله يثبت على وفائه لها ، بل هو صوفى أو درويش
متبتل دائما في حبها يدعو في معظم مربعاته لبلده بأن يحفظها الله أرضا ونيلا وشعبا .
ثالثا ، حكم ووصايا وأمثال في العشق والغرام :
يشتمل الديوان الذى بين أيدينا على الكثير من المربعات التى تفيض رقة وعذوبة في العشق والغرام ، فالشاعر عاشق يهوى الجمال أينما وجد وهو كمفن ومبدع بطبعه يهوى الماء والخضرة والوجه الحسن كما يقال ، ولذا في كثير من المربعات يمجد الجمال ويشقى به دون طائل ولكنه سعيدٌ بتغريده دائما في محرابه :
سبب جنونى رنين خلخالها الفضة
الرنَّة توعد وميتى الوعد يتقضَّى
اللى ليلاتى القمر بايت على جبينها
على شط عينها باشوف النهر يتوضَّى
فالأشطر الأربعة كلها تدور في فلك أمثلة شعبية مشهورة في العِشق والغرام بدءًا من الشطرة الأولى التى تذكرنا بالأغنية الشهيرة (على رنة خلخاله ) وكذا الثانى (امتى توفى بوعدها ؟! ) والثالث يقول فيه : إن
القمر ترك كل الناس وأضاء جبينها هى ، ثم خاتمة المربع بالصورة الشهيرة وهى أن النهر يتوضأ من عينيها طهرا ونقاءً وسواء المربع في عِشق مصر المحبوبة الكبرى وهى صفات تناسبها بمكانتها الفذة وعطائها للجميع أو حتى محبوبة الشاعر بما فصّل من صفات غاية في الجمال والإبداع فهو في النهاية العاشق المتيم حد الجنون برنة خلخالها وقمرها وعينها ونهرها و....!
وهو الراهب الهارب من دَيره من فرط عشقه وحبه لإلفه ، وفى هذا لالوم عليه إن ترك الرهبنة والعبادة فذنبه مغفور (فما على العاشق ملام ) :
شركِت قميصى ومامعايا قميص غيره
أنا راهب الدير اللى هج من ديره
وان يوم غوتنى يمامة ماعلىَّ ملام
مغفورة كل الأثام للى اشتهى طيره
ومن المربعات الساحرة في العشق والغرام المربع الثانى بالصفحة رقم خمسين بالديوان :
شوقى لشوقك يكون رايح يقوم راجع
وبقيت فلى شرع المحبة الثاير الخاضع
دا انا قلبى مفتاح ومستنى حنين القِفل
وصبحت كما طفل لامفطوم ولاراضع
فما أجمله عاشقا يحترم نفسه فيكبح جماح عِشقه ويعود لرشده قانعا وقد رضى في شرع الهوى أن يكون الثائر الخاضع وهى صورة لطيفة ورائعة عن قهر العشق والغرام ، وهكذا يدور المربع في حكم وأمثال دائما نرددها عن (شرع الهوى ، وأنه غلاَّب , ومفتاح المحبة الذى شبهه بمفتاح قفل مغلق منتظرا حنينه ، وقد شبه نفسه بطفل قد أجبر على الفطام فلا هو رجع لثدى أمه ولا هو قادر على ألم الفطام وكما يقول المثل (الفطام صعب )!
وهو العاشق المجرب لكل أنواع النساء ، والسكِّير الشارب للخمر ، وعلى الرغم من هذا انساق مصدِّقا خُدعة النساء وألاعيبهن ، وهو في النهاية راضٍ بجحيمها ولا جنة أخريات !
جربت صنف الحريم لبيضا والسمرة
وعشِقت لون النبيذ من جملة الخمرة
صدَّقت رهْج الليالى وكُحلة النسوان
عايش في ألوان وناسى نارك الحمرة
والمربع يدور في فلك المثل القائل (اسأل مجرب ) وأيضا القول السائر (خبير بالنساء ، أو زئر نساء ) !
وينم المربع التالى عن مبدع فذ خبير بحاجات النساء وعوزهن ، فالشريفة (الحرة منهن لاتأكل بثدييها ) كما يقول المثل، أما الغبية قليلة الأصل فسريعا ماتقع في الفخ وترميها حاجتها في نار المعصية :
البوهية فوق الخدود ، والكحلة رهَّاجة
ماشية ف طريق الهوى من ذلة الحاجة
عين الضرورة ماتوعى الكومة م البورة
، والعورة مجبورة ، والمحتاجة نغَّاجة !
وهكذا يدور المربع حول الأمثلة المشهورة : ( البوهية تِغش ) وهو المثل المشهور حول سحر الماكياج وغشه ، ثم تتوالى الحكم : عن أن من غلبتها الحاجة لاتميز بين كوم التراب أمامها من الحفرة ، وأن قليلة الحظ من الجمال أو كما يسميها المثل بالـ (العورة ) مضطرة لأن تقبل بأى خاطب ، وأن صاحبة الحاجة لابد تلجأ لكيد أو غنج النساء حتى تقضى حاجتها !
والشاعر ماكر خبير بمكر النساء وألاعيبهن وطيشهن ، حتى ذات النقاب منهن لم تلتزم بنقابها بل (عينها زايغة ) كما يقول المثل ، والمحتشمة أيضا بالعباءة فضحها (رمشها الكذاب ) وهكذا حين تخرج هذه الفاتنة تشتعل المعركة من رموشها وعينيها وأهدابها فيسقط ذوو النفوس الضعيفة في شَرَكها !
ياام النقاب ارحمى عاشق من الآه داب
صِدق العباية ماوافق رمشك الكداب
ياما النقاب اشتكى من عينك الجايرة
والعركة دايرة ، مابين الكحلة والأهداب
رابعا ، حكم ووصايا داعية للمودة والسلام الاجتماعى
الشاعر القوَّال عادل صابر يستحق عن جدارة جائزة سلام باعتباره داعية محبة وسلام في معظم مربعاته ، والعجيب أننى إذ أحدّث
نفسى بهذا لكثرة ما قرأت من مربعات تدعو إلى الحب والسلام ونبذ العنف والشر إذا بى وأنا أقلب في الديوان أقرأ أنه قد كُرِّم من منظمة العدل الدولية لحقوق الإنسان عام 2017م ؛ لأن كتاباته ترقى بالإنسان المصرى ، إذن هو تكريمٌ صادف أهله كما يُقال ...
السلم كلمة نبى ، تجعل دمارها عمار
والحرب كلمة غبى ، تجعل عمارها دمار
والزيف حايبان ، حتى ان كان متدارى
ولابد كُتر الليالى ، تفضح الزمار
فهاهى ذى دعوة صريحة وواعية لمجتمعه ، وللعالم كله إلى السلم والسلام ؛ لأنها رسالة الأنبياء وموئل كل عمار ، وإلى نبذ الحرب
لأنها طريق الأغبياء الحمقى ، ونهايتها الخراب والدمار !
والأيام كفيلة بكشف زيف الكاذبين الأدعياء تماما كما يكشف تكرار ليالى الزمر والتطبيل الأجوف عن نفاق هؤلاء وزيفهم !
وان جف نهر الأمل ، رزق الشبك مايضيع
وان عشموك بالقمر ، شمعة هواك ماتبيع
وان راودك حلم ، ماتقولش دا فين ومتى؟
لوِّن حيطان الشتا وانقش عليها ربيع
وهذا المربع يبعث الأمل في نفوس الحيارى والبائسين ، ويوقد شموع النور في قلب الظلام ، فهو يدور في فلك الحكم والأمثال المشهورة :
(لأن توقد شمعة خيرا من أن تلعن الظلام ) ، وكذا (الرزاق حى ) وما أروع القفلة الداعية إلى الربيع والخضار والعمار ....
وانظر إليه وهو يدعو إلى الحب وكيف يروى ظمأ العطاشى ، وإلى من تملكهم عمى البصيرة أن يداووها بصفاء السريرة ، وأن دواء العاشق في الوصل ، وبالجملة فإن الحب هو علاج كل النفوس السليمة والمريضة منها على السواء :
ياللى قلوبكم ضما ، حب الخلايق رى
ياللى أتاكم عمى ، صفو السراي رضى
الوصل أحسن دوا ،للعاشق المحتاج
والحب هو العلاج ، لو حتى كان بالكى
وهو دعوة إلى بذل مزيد من الحب وصفاء القلوب، وهما أسا س السلم والسلام المجتمعى .
لو يوم عطاك الزمان ، حافظ على أصولك
ولاتخذل الناس ، لو جِه وقت وعازولك
وسِلِّم الحلم اللى انت طلعت عليه
في مكانه خليه ، أكيد حاتعوزه في نزولك
يهتف الشاعر هنا بصاحب المال أو السلطان أن يلتزم التواضع وحسن معاملة الآخرين وألا ينسى من فُتحت له أبواب الغنى أو الجاه أو السلطان أصله ، وذلك بأن يزيد في عطائه للمحتاجين ،
وأن يُبقى على هذه الأسباب التى جعلته غنيا أو وجيها فلابد سيحتاجها يوما ما.
والمربع كله حكم معروفة وأمثال مشهورة في موضعها ، وقد أفلح الشاعر في صوغها بطريقة ساحرة مقنعة .
والمربع التالى كله دعوة للسلم والسلام والأمن والأمان ، وألا نقايض النور بالظلام أبدا ، وألا نفتأ نحلم وكأنه يردد : (لو بطلنا نحلم نموت ) ، وإن سقط مرة فلينهض ويدافع عن إنجازاته (فلكل جوادٍ كبوة ) وأن يحافظ على ممتلكاته بالحب والمودة والسلام ، فليس كل المكاسب بالحرب والقتال :
ماتبيعش الصبح ، لو حتى بمليون ليل
ولاتهجر الحلم لو خضر في جبل الويل
خذلك حصانك ، فكون على خطوتك حارس
مش كل فارس بيكسب جولته بالخيل
خامسا : حكم ووصايا عامة
لعل انغماس الشاعر في حياة البسطاء ، بل هو واحدٌ منهم ، بل أولهم اكتواءً بنار الفقر والحرمان ، صَهَره وزاده بريقا في إبداعه مثلما خلَّد التاريخ عظماء قبله طحنتهم دوامة الفقر والحاجة فأبدعوا وأجادوا وماشاعر البؤس عبد الحميد الديب ولاأمير شعراء الرفض
أمل دنقل ولا بدر شاكر السياب عنا ببعيد ، وهو مع ذا يعرف قدره تماما كمبدع غير عادى بل سيد الكار وأبو المبدعين :
يابياعين الكلام احترموا صاحب الكار
الفن مش بالعَبَط ، داانا أبوكم المكار
نزلت بحر الأدب وشربت صافى الماى
والشعرا نزلوا وراى ، شربوا زبط وعكار
وهذا العنصر الأخير هو الغالب على معظم مربعات الديوان ، وهو أمر طبيعي ، فالأصل في الأدب عامة وفن الواو بخاصة أنه تسجيل حى لإيقاع الحياة ومصفاة لمعاناة البشر وتقلباتهم ، على اعتبار أن الدنيا في حقيقتها فُطرت على التعب والمعاناة طالما نسعى في مناكبها ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) البلد ، آية (4) .
ولذا فهذا العنصراستغرق معظم مربعات الديوان ، وهو من أكثر العناصر التى تتجلى فيها صورة الشاعر البائسة وتقلبات حياته المغرقة في البساطة ومعاناته اليومية المستمرة :
عالضهر شايل حُمولى والطريق قيلة
محنى وكتفى اتهرى ، من حزة الشيلة
والجرح كمكم في جوفى ، لم لاقيله طبيب
والبلوة مش م الغريب ، أنا بلوتى العيلة
فهو مَن انحنى ظهره من كثرة حموله في عِز القيلة ، وقد تعفنت جراحه ولامداوى ، والعجيب أن مصيبته من أقرب الناس إليه وليست من الأغراب !
فرَح الإبر يبتدى بعدى بعد احتضان الخيط
ولامعنى للطوب إلا في انتصاب الحيط
قيمة العباية بتاجى من عذاب الصوف
ومن دموع الشادوف تاجى ابتسامة الغيط
لايخفى على أحد أن المربع كله حكم غالية ، مستخلصة من تجارب عميقة وخبرات غير عادية بالزمن ، وفى اعتقادى وإن كانت تدور في فلك حكم قديمة أوأمثال سابقة إلا أنك تشعر أنها خلاصة تجارب وتأمل فيلسوف حكيم أبدعها من عصارة مراراته وأحزانه .
افهم لغات العيون تعرف كتير أسرار
وادخل غابات النفوس ، حاتلاقى جنة ونار
ياما خطايا بتسكن خلوة الرهبان
وزرعة الخير تبان من ضحكة النوَّار
متأملً هو هنا أيضا وخبير بلغات العيون ، فيلفتنا إلى تعرُّف أسرارها وعدم الانسياق وراء إغرائها ، وإلى نفوس البشر المتقلبة منها من توردك النار ومنها من تورثك الجنة ! فداخل كل نفس بشرية الخير والشر متلازمان !
ولشدة إخلاصه لفنه أصبح جنيا بل ساحرا يخيف القلم والشعر خادمه وطوع أمره يلبيه فيبدع مواويله كاساتِ خمرٍ من فرط جمالها تسكر من سمعها ، بل إن واواته قطع أفيون تعدل مزاج السميعة والمبدعين أيضا
الشعر خَدَّامى ، جنب الباب مستنى
من سحر قولى ، القلم خايف على منى
موَّالى كاس خمر ، وواواتى حِتَت أفيون
مااعرفش أنا مين أكون ، إنسان ولاجنِّى
وأخيرا هو الصعيدي الشهم والقوَّال المخلص المتفاني في عشق بلده ، يظل يعزف أغانيه بقلب عامر بالحب والوفاء ، تجمعه بأهله وناسه وقت القيلة ضلة جميزة عفية ، وكوخه على جرف هادئ ، حتى قبره يكون في ضل سسبانة كما يسميها !
ياللى ماشفت الصعيد، حب الصعيد غِيَّة
عايشين بعشق الحمام ، وقلوبنا بنية
في الضهر وقت الغدا ، جميزة لمَّانا
الجرف بيتى ، وقبرى تحت سسبانة
لاف يوم راح اهجر وطن ، بيشِب ف دمانا
ولاعمرى حاعشق جومانا ، واسيب فتحية
ولأنه وفىٌّ بطبعه فمهما قاسى في وطنه ويلات الفقر والبؤس والحرمان فلن يهجره إلى غيره ، ولايميل قلبه في العشق لغير محبوبته !
وما أروعه وقد تلبسه الأمل حتى النخاع فلجأ إلى الله صوفيّا ورعا أو درويشا هائما يدعو الله لناسه وبلده بأن يظل قمر الحب والأمل مضيئا وتظل أحلامنا شابةً ، وأن يخضرَّ كل عود، وأن يجمع الله شمل شتاتنا ، ويرد كل غريب إلى أهله سالما غانما :
يارب خلّى القمر ، يطلع دوام مايغيب
وخلى حلم الصبايا ، يفضل شباب ما يشيب
وانزِل بديع خضرتك ، على كل عود خاوى
واجمع شتات الخطاوى ، ورِدّ كل غريب
وتجدر الإشارة إلى أن فن الواو بعامة ، ومربعات الشاعر هنا بخاصة تعتمد على ما يسميه النقاد بالـ " التناقض في المفارقة التصورية ، وهى فكرة تقوم على استنكار الاختلاف والتفاوت بين أوضاع كان من شأنها الاتفاق والتماثل " (1) ، ولتقريب هذه الفكرة إلى الأذهان نقول : إنه هو نفسه التضاد أو المقابلة التي لجأ إليها الشعراء منذ العصر الجاهلي ، واتفقوا على أن " الضد يظهر حسنه الضدُّ " .
وقد نجح الشاعر في هذا الديوان في بناء معظم مربعاته على أسلوب المفارقة أو المقابلة المدهش ، ساعده على ذلك أن الهموم وغدر الزمن وتقلبات الأيام نفسها تثير في نفوسنا كثيرا من التناقضات والمفاجآت والاستغراب :
وقف وقال حاح ، وسمعها الغراب لم فر
وضرب بمقلاعه وخوَّف حدادي البر
مش كل حراس ، على غيط الوفا يحاحى
ولاكل صاحي ، بيحمى النعسانين من الشر
فالمربع كله مبنى على أسلوب المفارقة أو المقابلة ، فمعلوم أن كلمة "حاح" يقولها الفلاح لطرد الطيور والغربان عن زرعه ، والمفارقة هنا أنه يقولها ولكن ما فرت الغربان ! ثم هو مرة ثانية يضرب بمقلاعه وهو أقسى ؛ لأنه قد يقتل هذه الطيور، ومع ذلك حتى الحدادي ما خافت! ثم يواصل مفارقاته في باقى المربع فيستخلص الحكمة ، وهى : ليس كل حارس أمينا ولاوفيا ، ولاكل من يظل ساهرا لحراسة النائمين قادرا على حمايتهم !
السِّلم كلمة نبى ، تجعل دمارها عمار
والحرب كلمة غبى ، تجعل عمارها دمار
والزِّيف حايبان ، حتى ان كان مدَّارى
ولابد كُتر الليالى ، تفضح الزمَّار!!
فالسلم تناقضه الحرب ، والنبى يناقضه الغبى ، والأولى كلمة النبى تجعل الدمار أو الخراب عمارا ، والثانية كلمة الغبى تجعل العمار دمارا ، والزيف مهما توارى لابد سيظهر ، مثلما يفضح طول الليالى الزمار !
ويستمرالشاعر في رصد هذه المفارقات، وما أكثرها في واقعنا البغيض الذى نعيشه :
الدنيا عورة، ماعارفة العاصى م العابد
دايما تماشى الردى ، والحر بيكابد
والحنضل المر ، بيخضرّ في وسط نخيل
وف قرن بيت الأصيل ، تلقى الردى لابدفها هى الدنيا لعوارها ودناءتها لاتفرق بين من تردى في المعاصى وبين الطائع العابد ، والمفارقة الثانية أنها تستجيب لردئ الطبع قليل الأصل ، بينما الأحرار يعانون ويكابدون !
- على عشري زايد : "بناء القصيدة العربية الحديثة " ، دار الفصحى للطباعة والنشر ، القاهرة ، 1987م ، 137:138 .
هذه المفارقة تشبه تماما شجر الحنضل ، فمع مرارته ينمو مع النخيل ببلحه الحلو، مع أن الاثنين يُسقيان بماءٍ واحد ! وكذا المفارقة الأخيرة وهى أن الأصيل لايفتأ يعانى من تربص ردئ الطبع هذا حتى في ركن بيته وفى عقر داره !
***
قلب هذا القوَّال فدادين طارحة بالمحبة والود ، عامرة بالوفاء والإخلاص ، غيطان مثمرة بالعنب والتين ، برغم موَّاله الشجي الحزين ، فستظل واواته أملا على الدرب يحدو الساهرين السائرين ، ورغيف خبز للفقراء البائسين ، وكاسات محبة وود تروى ظمأ العطاشى الحائرين !
آخرًا وددت لو كتبت مربعات الشاعر عادل صابر بماء الذهب وتُعلَّق على صدور نسائنا أو تُوزَّع نسخٌ من الديوان على المنادر والدواوين لتنشَد على جمهور هذا الفن العريض ، أو على الأقل تهتم وزارة الثقافة بعمل جاد كهذا فتعيد طبع الديوان مرة ثالثة ورابعة وخامسة بعد أن نفدت الطبعتان اللتان أصدرهما الشاعر فورا ، فتكون في كل بيت نسخة على الأقل يقرؤها شبابنا وصغارنا وكبارنا ، لعلها تعيد تشكيل وجداننا فتتصالح نفوسنا على قيم الحب والخير والجمال والحرص على التسامح والمودة وتحقيق السلم والسلام الاجتماعي .
إعداد: د. سعيد صادق - أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة قورقيت أتا بكازخستان بالاتحاد السوفيتي سابقا - مدير عام إدارة نقادة التعليمية بمحافظة قنا:
اترك تعليق