إعداد وتحقيق/ محمد سعيد
اخترع رقاص الساعة قبل جاليليو بـ 600 سنة ووضع جداول فلكية ابهرت العالم
أول من وضع قانون في حساب المثلثات الكروية وكانت مقدم لمعرفة اللوغاريتمات
وصف 40 اقتران كوكبي و30 خسوف قمري بدقة متناهية تماثل دقة الأجهزة الحديثة
علي بن يونس المصري .. صعيدي مصري تم إطلاق اسمه على إحدى مناطق السطح غير المرئي من القمر اعترافا بفضله بجهوده الفلكية والرياضة وباعتباره واحداً من أعظم علماء الفلك في تاريخ البشرية، وأكثرهم دقَّة في أرصاده الفلكية التي أجراها من مرصد المقطم بمصر، هو المخترع الحقيقي لـــ رقاص الساعة (البندول) والذي استخدمه قدمه للعالم قبل الفلكي الإيطالي جاليليو بـــ 600 سنة. وصاحب أدق جداول حساب مواقع شروق، وغروب الشمس، وفروق التوقيت، ونجح في تحديد توقيت خسوف القمر وكسوف الشمس بكل دقة، مما جعله وبحق رائد علم الفلك الحديث.
وبرع ابن يونس المصري في علوم كثيرة ومنها الموسيقى وله كتاب رائع في وصف العود وهو بعنوان "العقود والسعود في أوصاف العود"، كما قيل انه كان شاعرا غريب الأطوار.
وعن تسميته بالصدفي ذكر الدكتور مسلم شلتوت، عالم الفلك المصري في بحث بعنوان "الفلك والمراصد الفلكية في مصر الفاطمية الإسلامية"، ان ابن يونس ينتمي إلى قرية صدفا، وهي الآن مركز صدفا بمحافظة أسيوط بصعيد مصر، وانه اكتسب منها لقب الصدفي الذي يشتهر به.
نقترب أكثر من العالم المسلم المصري الصعيدي المخترع الفذ الذي ابهر علماء الفلك في كل العصور، بما قدمه من إنجازات فلكية ورياضية.
الاسم: أبو الحسن علي بن أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري
تاريخ الميلاد: سنة 342 هجرية الموافق لسنة ـ954 ميلادية
محل الميلاد: ولد في مدينة الفسطاط أول عاصمة لمصر الاسلامية
المهنة: عالم فلكي ورياضيات
الألقاب: أعظم فلكي مسلم – رائد علم الفلك الحديث - مؤسس علم الفلك الحديث
المؤلفات: (كتاب التعديل المُحكَم) -(جداول في الشمس والقمر وجداول السمت) - (الزيج الكبير الحاكمي) – (بلوغ الأمنية فيما يتعلَّق بطلوع الشِّعرى اليمانيّة) - (غاية الانتفاع في معرفة الدوائر والسمت من قبل الارتفاع) – (كتاب عن الرقاص) -(شرح زيج يحيى بن أبي منصور) - (كتاب الظلّ).
محطات مهمة في حياة ابن يونس المصري
نشأ ابن يونس المصري إلى أسرة اشتهرت بالعلم والفقه أواخر عهد الدولة الإخشيدية بمصر، والده واحد من كبار المحدثين الحفاظ وقيل انه محدث مصر في وقته، كما كان من المتخصصين بعلم النجوم وهو أبو سعيد عبد الرحمن بن يونس وهو صاحب تاريخ ابن يونس المشهور
وعندما بلغ عمره الرابعة عشر وبالتحديد في عام 358 هجرية الموافق سنة 968 ميلادية دخلت الدولة العبيدية الفاطمية مصر ، وعندما ظهرت عليه علامات النبوغ المبكرة في علم الرياضيات والفلك اهتم به الخليفة العبيدي الفاطمي العزيز بالله الذي أدرك قدرته العلمية فتعهده بالرعاية والتشجيع ورفع منزلته، ووفَّر له ما يلزمه لمتابعة بحوثه الفلكية والرياضية، وبعد وفاة العزيز واصل ابن يونس العمل في عهد ابنه الحاكم بأمر الله، الذي أسس كبيرة وزوَّدها بمكتبة ضخمة وأطلق عليها اسم "دار العلم"، وقام ببناء مرصدًا لابن يونس علي جبل المقطم قرب الفسطاط بمدينة القاهرة، في مكان يقال له بركة الحبش، وجهزه بكل ما يحتاجه من الآلات والأدوات.
تمكن ابن يونس من تحويل مرصد المقطم إلى مرصد علمي حقيقي نجحه من خلاله في رصد كسوفين للشمس الأول كان عام 366 هجرية/ 977 ميلادية والثاني كان في عام 367 هجرية / 978 ميلادية، ليكتب اسمه في سجل كبار علماء الفلك في العالم، حيث نجح في تسجيلهما بدقة متناهية وبطريقة علمية بحتة، كما نجح في رصد خسوفًا للقمر في الفترة نفسها، أثبت فيه تزايد حركة القمر، وقام بحساب ميل دائرة البروج بدقة اثارت اعجاب علماء الفلك في العصر الحديث، لأنها كانت أدق وأتقن ما عرف قبل إدخال الآلات الفلكية الحديثة.
إنجازاته:
حقق ابن يونس المصري الكثير من الإنجازات التي سبق بها عصر في العديد من العلوم:
اختراع رقاص الساعة (البندول) قبل الإيطالي جاليليو بـ 600 سنة وكانوا يستخدمونه لحساب الفترات الزمنية أثناء الرصد، وفي قياس الزمن لكونه أدق من الساعات المتوفرة في ذلك العصر
أول من وضع قانونًا في حساب المثلثات الكروية، وكانت له أهمية كبرى عند علماء الفلك قبل اكتشاف اللوغاريتمات؛ ويمكن باستخدام هذا القانون تحويل عمليات الضرب في حساب المثلثات إلى عمليات جمع، مما سهل حل الكثير من المسائل الطويلة المعقدة.
نجح في حل مسائل صعبة في المثلثات الكروية؛ حيث استعان في حلها بالمسقط العمودي للكرة السماوية على كل من المستوى الأفقي ومستوى الزوال.
فاقت ابحاثه في الرياضيات وحساب المثلثات بحوث كثير من الرياضيين
يعد واحدا ممن مهدوا لاكتشاف اللوغاريتمات.
حسب ميل دائرة البروج بدقة عظيمة، بعد أن رصد كسوف الشمس وخسوف القمر.
وضع تنبؤات بشأن اليوم المحدد من الأسبوع الذي ستبدأ فيه السنة القطبية.
نجح في وصف 40 اقتران كوكبي و30 خسوف قمري بدقة متناهية تماثل دقة الأجهزة الحديثة التي يستخدمها الفلكيون الآن.
ومنها على سبيل المثال، وصف بدقة الاقتران الكوكبي الذي حدث في سنة 1000 كما يلي: اقتران بين الزهرة والمريخ في الجوزاء، مرصود في السماء الغربية: كان الكوكبان في اقتران بعد الغروب في الليل [الأحد 19 مايو من العام 1000]. كان هذا الوقت تقريبًا 8 ساعات اعتدالية بعد منتصف يوم الأحد... كان المريخ في شمال الزهرة واختلاف خط العرض كان ثلث درجة.
تؤكد المعرفة الحديثة حول مواقع الكواكب أن هذا الوصف وهذا الحساب للمسافة بأنها ثلث درجة صائب تمامًا. استخدمت ملاحظات ابن يونس حول الاقتران والخسوف في حسابات ريتشارد دونثورن وسيمون نيوكومب حول التسارع بعيد المدى الزمني للقمر.
مؤلفاته
قدم ابن يونس المصر العديد من الكتب الرياضية والفلكية المهمة والتي توجد في عددٍ من المكتبات العالمية مثل إكسفورد، وباريس، والإسكريال، وبرلين، والقاهرة ومنها:
1- (الزيج الحاكمي) أشهر واهم مؤلفات بن يونس المصري والزيج هو علم قديم وهو عبارة عن جداول فلكية خاصة تبين مواقع النجوم وحركتها عبر الفصول والسنين بالحسابات الرياضية، ورجوعها واستقامتها وتشريقها وتغريبها وظهورها وخفائها في كل زمان ومكان، وبه يُعرف كسوف الشمس وخسوف القمر وما يجري هذا المجرى، وبه يُستخرج تقويم فصول السنة واتجاه القبلة وأوقات الصلاة.
بدأ في وضعه سنة 380 هجرية / 990 ميلادية، وأتمه في عهد الحاكم بأمر الله بعد 8 سنوات وبالتحديد في عام 398 هجرية / 1007 ميلادية وأطلق عليه "الزيج الحاكمي" أو "الزيج الكبير الحاكمي". اشتمل الكتاب على 81 فصلًا وكان هذا الزيج المعتمد لدى علماء مصر في حساب التقاويم وتناول المسائل الفلكية، ولكن للأسف لم يصلنا كاملًا؛ بل ظلَّت أجزاءٌ من فصوله في مكتبات مختلفة متناثرة حول بلاد العالم.
وكان هدف ابن يونس من تأليف كتابه هو تصحيح أرصاد وأقوال الفلكيين الذين سبقوه وتتميمها، وكانت تعتمد مصر على هذا الكتاب في تقويم الكواكب.
2- كتاب "الزيج الصغير" ويُعرف باسم "زيج ابن يونس"، ويختصُّ بالجداول الفلكية والأرصاد المرتبطة بمصر، وتوجد منه نسخة كاملة بدار الكتب المصرية.
3- كتاب "بلوغ الأمنية فيما يتعلق بطلوع الشعرى اليمانية"
4- كتاب "الظل"، عن حركة الشمس والظل
5- كتاب "غاية الانتفاع"؛ وهو عبارة عن جداول لمواضع الشمس وجداول لمواقيت الصلاة في الأماكن المختلفة؛ أي فروق التوقيت الآن.
6- كتاب "الميل"، وهو عبارة عن جداول حركة وانحراف الشمس.
7- كتاب "التعديل المُحكم"، عن معادلات الكسوف والخسوف.
8- كتاب "البندول" عن ابتكاره الأصيل بندول الساعة.
9- كتاب في التاريخ بعنوان "تاريخ أعيان مصر"
10- كتاب في الموسيقى بعنوان "العقود والسعود في أوصاف العود".
منهج ابن يونس في العمل والحياة
لم يكن أبو الحسن علي بن يونس يؤمن إلا بما اقتنع به عقله، كما لم يهتم بما كان الناس يقولون عنه، يتلخص منهجه العملي والبحثي في ثلاث نقاط هي:
1- الأخذ بالمبدأ العلمي القائم على الرصد والقياس، لما حوله ثم يستنبط من ذلك الحقائق
2- تدعيم الإيمان عن طريق تلمُّس آيات الله في الكون.
3- ممارسة المتع المشروعة مثل عزف العود والشعر
ابن يونس غريب الأطوار
كان ابن يونس غريب الاطوار لا يكترث لمن حوله ويأتي بتصرفات وصفوها بالغرابة منها:
وصف الأمير المختار المعروف بالمسبحي في تاريخ مصر وقال: "كان ابن يونس المذكور أبله مغفلا، يعترم طرطور طويل ويجعل رداءه فوق العمامة، وكان طويل الجسم، وإذا ركب ضحك منه الناس لشهرته وسوء حاله ورثاثة لباسه، وكان له مع هذه الهيئة إصابة بديعة غريبة في النجامة لا يُشاركه فيها غيره".
ويذكر ابن خلكان عن أبي الحسن المنجم الطبراني أنه طلع مع ابن يونس مرة إلى جبل المقطم، وقد وقف لرصد كوكب الزهرة، فنزع عمامته وثوبه ولبس قميصا أحمرا ومقنعة حمراء تقنع بها، وأخرج عودا فضرب به والبخور بين يديه، فكان أمره عجبًا من العجاب.
ويُحكى أنَّ الحاكم العبيدي قال -وقد جرى في مجلسه ذكر ابن يونس وتغفُّله-: دخل إلى عندي يومًا ومداسه بيده، فقبَّل الأرض وجلس وترك المداس إلى جانبه، وأنا أراه وأراها، وهو بالقرب مني، فلمَّا أراد أن ينصرف قبَّل الأرض وقدَّم المداس ولبسه وانصرف. وإنَّما ذكر هذا في معرض غفلته وقلَّة اكتراثه.
قالوا عنه
العالم الفلكي كوسان Caussin
وصف اعمل بن يونس بالعظيمة وقام بنشر وترجمة أجزاء كتاب الزيج الكبير التي فيها أرصاد الفلكيين القدماء وأرصاد ابن يونس نفسه عن الخسوف والكسوف، واقتران الكواكب، إلى اللغة الفرنسية
المستشرق سارتون:
"يعتبر ابن يونس رائد الفلك الحديث، وأهم من قام بتحديد توقيت خسوف القمر وكسوف الشمس بكل دقة، وصاحب أدق الجداول لحساب مواقع شروق وغروب الشمس، وفروق التوقيت، لذا اعتبره من أعظم علماء القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري)، وأعظم فلكي ظهر في عصره".
جان باتيست جوزيف ديلامبر:
لاحظ في ترجمته للجداول الحاكمية في عام 1819 أن اثنين من وسائل ابن يونس المستخدمة لتحديد الزمن من ارتفاع الشمس أو النجوم كانت معادلة للمطابقات المثلثية، التي عرَّفها يوهانس فيرنر في القرن السادس عشر في أطروحته عن المقاطع المخروطية. تُعرف تلك المعادلات الآن بمعادلات فيرنر، وكانت ضرورية لتطور اللوغاريتمات في عقود لاحقة.
موسوعة علم الفلك في العصر الإسلامي:
إنه رصد أكثر من عشرة آلاف مدخلًا لمواقع الشمس، لعدة أعوام، مستعملًا "إسطرلابًا كبيرًا"، وهو آلة فلكية قديمة تُظهر كيف تبدو السماء في مكانٍ محدَّدٍ عند وقتٍ محدَّد، بلغ قطره حوالي 1,4 متر، وبقيت ملاحظاته لخسوف القمر مستعملة لقرون.
ابن خلكان في (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان):
"كان مختصًا بعلم النجوم متصرفًا في سائر العلوم بارعًا في الشعر... وكان قد أفنى عمره في الرصد والتسيير للمواليد وعمل فيها ما لا نظير له".
ابن كثير في ترجمته:
"اشتغل في علم النجوم فنال من شأنه منالًا جيِّدًا، وكان شديد الاعتناء بعلم الرصد...".
الأمير المسبحي:
"وكان متفنِّنًا في علومٍ كثيرة، وكان يضرب بالعود على جهة التأدُّب، وله شعرٌ حسن".
وفاة ابن يونس
تُوفِّي ابن يونس المصري صباح يوم الاثنين 3 شوال عام 399 هجرية الموافق سنة 1009 ميلادية وصلَّى عليه في الجامع بمصر القاضي مالك بن سعيد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن ثواب، ودُفن بداره بالفرائين.
اترك تعليق