كتب : هشام عبد الحفيظ
في يوليو 1972 اجتمع الرئيس السادات مع رئيس المخابرات العامة والمخابرات الحربية ومستشار الأمن القومي والقائد العام للقوات المسلحة لوضع خطة خداع استراتيجي يسمح لمصر بالتفوق علي التقدم التكنولوجي والتسليحي الإسرائيلي عن طريق إخفاء أي علامات للاستعداد للحرب وحتي لا تقوم إسرائيل بضربة إجهاضية للقوات المصرية في مرحلة الإعداد علي الجبهة، واشتملت الخطة علي ستة محاور رئيسية:
المحور الأول يتعلق بالجبهة الداخلية، وتضمن عدة إجراءات منها استيراد مخزون استراتيجي من القمح، عن طريق قيام المخابرات العامة بتسريب معلومات بأن أمطار الشتاء قد غمرت صوامع القمح، وأفسدت ما بها، وتحوّل الأمر لفضيحة إعلامية استوردت مصر علي أثرها الكميات المطلوبة، بالإضافة إلي إخلاء المستشفيات تحسباً لحالات الطوارئ، وذلك عن طريق تسريح ضابط طبيب من الخدمة وتعيينه بمستشفي الدمرداش، ليعلن عن اكتشافه تلوث المستشفي بميكروب، ووجوب إخلائها من المرضي لإجراء عمليات التطهير، وفي اليوم التالي نشرت «الأهرام» الخبر معربة عن مخاوفها من أن يكون التلوّث قد وصل إلي مستشفيات أخري، فصدر قرار بإجراء تفتيش علي باقي المستشفيات، وأخليت باقي المستشفيات.. كما تم استيراد مصادر بديلة للإضاءة أثناء تقييد الإضاءة خلال الغارات، عن طريق تنسيق أحد المندوبين مع مهرب قطع غيار سيارات لتهريب صفقة كبيرة من المصابيح مختلفة الأحجام، وبمجرد وصول الشحنة كان رجال حرس الحدود في الانتظار، واستولوا عليها كاملة وتم عرضها بالمجمعات الاستهلاكية.. ومن أجل تقليل الانتباه العام دعا الفريق أول أحمد إسماعيل جميع وزراء الحكومة يوم 27 سبتمبر 1973 لزيارة هيئة الأركان العامة لإطلاعهم علي الجديد من الأجهزة المكتبية والحاسبات الآلية.
نقل المعدات للجبهة
المحور الثاني تضمن إجراءات تتعلق بنقل المعدات الثقيلة للجبهة كالدبابات، عن طريق نقل ورش التصليح إلي الخطوط الأمامية، ودفع الدبابات إلي هناك في طوابير بحجة إصابتها بأعطال، كما تم نقل معدات العبور والقوارب المطاطية عن طريق تسريب المخابرات تقريراً يطلب فيه الخبراء استيراد كمية مضاعفة من معدات العبور مما أثار سخرية إسرائيل، وعندما وصلت الشحنة ميناء الإسكندرية، ظلّت ملقاة بإهمال علي الرصيف حتي المساء وفي ظل إجراءات أمنية توحي بالاستهتار واللامبالاة، وأتت سيارات الجيش فنقلت نصف الكمية إلي منطقة صحراوية بضاحية (حلوان)، وتمّ تكديسها وتغطيتها علي مرمي البصر فوق مصاطب لتبدو ضعف حجمها الأصلي، فيما قامت سيارات مقاولات مدنية بنقل الكمية الباقية للجبهة مباشرة.
خداع ميداني
المحور الثالث، خداع ميدانية ، وضمن إجراءات منها توفير المخابرات لمعلومات حيوية سمحت ببناء نماذج لقطاعات خط بارليف في الصحراء الغربية لتدريب الجنود عليها وخداع الأقمار الصناعية لملء المعسكر بعدد من الخيام البالية والأكشاك الخشبية المتهالكة، ولافتات قديمة لشركات مدنية، وفي يوليو 1972 صدر قرار بتسريح 30 ألف من المجندين منذ عام 1967 وكان معظمهم خارج التشكيلات المقاتلة الفعلية، وفي مواقع خلفية.
التمويه برفع درجة الاستعداد القصوي للجيش وإعلان حالة التأهب في المطارات والقواعد الجوية من 22 إلي 25 سبتمبر، مما يضطر إسرائيل لرفع درجة استعداد قواتها تحسباً لأي هجوم، ثم يعلن بعد ذلك أنه كان مجرد تدريب روتيني حتي جاء يوم 6 أكتوبر فظنت المخابرات الإسرائيلية أنه مجرد تدريب آخر وبدأ القتال تحت ستار المناورة العسكرية المشتركة (تحرير 23)، ثم استبدلت خرائط التدريب بخرائط العملية (بدر) وكانت البرقيات والرسائل المصرية التي تعترضها المخابرات الإسرائيلية تؤكد أنباء تلك المناورة مما أدي إلي استبعاد إسرائيل لفكرة الحرب.
في أكتوبر 1973 تم الإعلان عن فتح باب رحلات العُمْرة لضباط القوات المسلحة والجنود، وكذا تنظيم دورات رياضية عسكرية مما يتنافي وفكرة الاستعداد للحرب، كما شوهد الجنود المصريون علي الضفة الغربية للقناة صبيحة يوم الحرب وهم في حالة استرخاء وخمول، ويتظاهر بعضهم بمص القصب وأكل البرتقال، ولإخفاء نية القوات البحرية في إغلاق مضيق باب المندب، نشر خبر صغير في شهر سبتمبر عام 1973، عن توجه 3 قطع بحرية مصرية إلي أحد الموانئ الباكستانية لإجراء العمرات وأعمال الصيانة الدورية لها، وبالفعل تحركت القطع الثلاث إلي ميناء عدن وهناك أمضت أسبوعاً ثم صدر لهم الأمر بالتوجه إلي أحد الموانئ الصومالية في زيارة رسمية استغرقت أسبوعاً آخر لزيارة بعض الموانئ الصومالية، ثم عادت القطع الثلاث من جديد إلي عدن وهناك جاءتهم الإشارة الكودية في مساء الخامس من أكتوبر 1973 بالتوجه إلي مواقع محددة لها عند مضيق باب المندب في سرية تامة عند نقط تسمح لها بمتابعة حركة جميع السفن العابرة في البحر الأحمر رادارياً وتفتيشها، ومنع السفن الإسرائيلية من عبور مضيق باب المندب طوال الحصار.
أما عن الخداع السيادي فقد تم اختيار موعد هجوم تحتفل فيه إسرائيل بعيد الغفران اليهودي، وتغلق خلاله المصالح الحكومية بما فيها الإذاعة والتليفزيون كما اختير علي أساس الظروف المناخية والسياسية المواتية، كما كان المجتمع الإسرائيلي منشغل بالمعارك الانتخابية التشريعية، كما تم الإعلان عن زيارة قائد القوات الجوية اللواء حسني مبارك إلي ليبيا يوم 5 أكتوبر، ثم تقرر تأجيلها لعصر اليوم التالي 6 أكتوبر 1973.
وجه المشير أحمد إسماعيل الدعوة إلي وزير الدفاع الروماني لزيارة مصر يوم الاثنين 8 أكتوبر وأعلن رسمياً أنه سيكون ف استقباله شخصياً لدي وصوله إلي مطار القاهرة، كما أعلن رسمياً عن الاستعداد لاستقبال الأميرة مارجريت صباح الأحد 7 أكتوبر.
وعن استعدادات القوات المسلحة فقد اشتملت الخطة علي تحييد دور الملحقين العسكريين وضباط المخابرات بالسفارات بوضعهم تحت رقابة صارمة لمنع وصولهم إلي معلومات تمس سرية الاستعداد للحرب، حتي وصل الأمر إلي ترحيل الملحق العسكري الإسباني مصاباً خلال معركة بالأيدي علي متن طائرة إسعاف، لنقله تحركات سلاح الطيران المصري دقيقة بدقيقة.
أما عن إجراءات تضليل العدو فتم عن طريق توفير المعلومات السرية عن العدو وتضليله عن طريق عملاء جهاز المخابرات العامة ومنهم أشرف مروان، رفعت الجمال «رأفت الهجان»، أحمد الهوان «جمعة الشوان»، كما استخدمت اللهجة النوبية لتشفير الرسائل الهامة بين القوات أثناء المعركة لتضليل معترضي تلك الرسائل.
اترك تعليق