يقال إن المساواة في الظلم عدل، فإذا أردت معاقبة شخص، فعاقب الكل كي لا يتهمك أحد بالانحياز؛ ويبدو أن هذا ما تفعله حكومة إقليم كيبيك اليمينية المنتخبة في أكتوبر الماضي بقرارها حظر ارتداء أغطية الرأس الدينية على موظفي الحكومة وأفراد الشرطة في الإقليم، إذ إن غالبية من ينطبق عليهم القرار مسلمون.
يتخفى القرار الجديد الذي يدخل حيز التنفيذ في يونيو المقبل في حظر أغطية الرأس كافة مثل عمامة السيخ وقبعة اليهود لكن هؤلاء أقلية بينما المسلمون العاملون في الحكومة، لا سيما المدرسات، بالمئات، ويبدو أنهن المستهدفات.
وتخشى المدرسات المسلمات من ازدواجية المعايير أمام الطلبة، فتقول "نادية نقوي"، المعلمة المسلمة في إحدى مدارس مدينة مونتريال في كيبيك، إنها تعتزم تجاهل القرار والاستمرار في ارتداء الحجاب داخل المدرسة لأن ذلك يتوافق مع تعليم الأطفال الالتزام بمعتقداتهم والدفاع عنها.
ولن يطبق القرار الجديد بأثر رجعي، حيث يستطيع المعلومات الحاليون الإبقاء على زيهم لكنهم لن يحصلوا على أي ترقيات في عملهم، فيما يحظر على المعلمين الجدد ارتداء أي أغطية رأس ذات صبغة دينية.
وانتقد رئيس الوزراء جاستن ترودو الشهر الماضي القرار قائلًا إن المجتمع الحر ينبغي ألا يشرعن قرارات تستهدف مواطنين بناء على معتقداتهم الدينية.
وتقول، مدير منظمة العفو الدولية في كيبيك، فرانس إيزابيل لانجلوا إن الحظر ينتهك القانون الدولي الي يحمي حرية التعبير.
ويواجه مسلمو كيبيك استهدافًا عنيفًا من المسيحيين الذين يؤمنون بتفوق العرق الأبيض وينشرون "دوريات حماية" في أحياء المسلمين، ويهددون المسلمين من حين لآخر.
ويوضح أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة مونتريال، كرستيان نادو، إن القرار يتعلق بالهوية القومية للانفصاليين في إقليم كيبيك الذين فشلت مساعيهم طوال عقود للانفصال بالإقليم، الذي يتحدث الفرنسية، عن باقي كندا، التي تتحدث الإنجليزية، في محاولة مجددة منهم لفرض ثقافة خاصة بالإقليم وشرعنتها.
ويقول تحالف "مستقبل كيبيك" اليميني ذو التوجهات الانفصالية الذي حصد أغلبية الأصوات في أكتوبر إن القرار لا يستهدف أي طائفة دينية معينة وإن هدفهم الوصول بكيبيك إلى بر العلمانية، في محاولة منهم لغسل أيديهم.
ويقول المتحدث باسم حكومة كيبيك، مارك أندريه جوسيلي، إن القانون هو الخطة المنطقية التالية بعد مشروع إلغاء الهويات الدينية في مجالس إدارة المدارس الذي تم في أواخر التسعينيات. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن ثلثي سكان كيبيك يؤيدون الحظر الذي لاقى انتقادًا شديدًا وخرج آلاف في مظاهرات الشهر الماضي احتجاجًا عليه.
وكانت حكومة كيبيك قضت عقودًا في فصل الكاثوليكية عن المدارس العامة التي كان يدرس فيها القساوسة والراهبات حتى تم فصل الدين عن المدارس.
والقرار الحالي ليس أول محاولة لحظر أغطية الرأس الدينية بل سبقته الكثير من المحاولات، لكن تحالف "مستقبل كندا" لديه الآن الأصوات اللازمة لترجمة طموحهم العلماني إلى تشريع قانوني.
وتقول مها كاسف، المعلمة في مونتريال، إنها ستترك عملها إبقاءً على قيمها والتزامًا بها أمام أطفالها الذين تعلمهم المثابرة في السعي وراء ما يأملونه.
أما عن مسئولي المدارس فهم منحازون كثيرًا إلى جانب المعلمين حيث أعلنت مدرستان، تدرسان بالإنجليزية، في مونتريال أنهما لن تطبقا الحظر.
وتقول، رئيس اتحاد المعلمين للمدارس التي تدرس بالإنجليزية في كيبيك، هيدي يتمان، إن الحظر يعارض تعليم الأطفال العقلية النقدية.
ويوضح التربويون أن المناهج التعليمية في كيبيك تعلم التنوع وتقبل الآخر وإن تلك القيم أصبحت أكثر أهمية منذ حادث إطلاق النار الذي وقع في أحد مساجد كيبيك في 2017 واستشهد فيه ستة وأصيب تسعة عشر.
اترك تعليق