هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

جزاء المعروف ..طعنة الغدر 
ربما لم يكن هذا اليوم ١١ فبراير ٢٠١١.. فارقاً في تاريخ مصر فقط بل كان فارقاً أيضاً في حياة مهندس البترول الكبير.

ربما لم يكن هذا اليوم ١١ فبراير ٢٠١١.. فارقاً في تاريخ مصر فقط بل كان فارقاً أيضاً في حياة مهندس البترول الكبير.

لقد آثر الرجل ألا يستخدم سيارته الخاصة أو سيارة العمل خلال هذا اليوم الذى شهد أحداث جسام وكيف لا وقد كان يوم تنحى رئيساً لم يعرف ثلاثة أجيال فى تاريخ مصر غيره.

كان الرجل بمنطقة المعادى لإنجاز بعض الأعمال وأراد العودة إلى مسكنه بمنطقة التجمع الخامس وشرع فى استيقاف سيارة أجرة ( تاكسى)

توقف له شاب فى العشرين من العمر يقود سيارة تاكسى وأجابة إلى طلبه.

صعد المهندس السيارة وجلس بجانب السائق ودار حديثاً مطولاً بينهما خلال المسافة بين المعادى والتجمع الخامس سأل فيه المهندس الكبير السائق الشاب عن أحواله المعيشية ومقدار دخله من التاكسى فأخبره أنه مملوك لوالده وأنه يتقاضى منه مائة جنيه فى اليوم.

انتهى هذا الحديث بأن عرض المهندس على السائق أن يعمل سائق خاص عنده له ولزوجته المريضة فوافق على الفور السائق !

ذهب الشاب وهو سائق تاكسى وعاد وقد عُين سائقا خاصا لدى المهندس وزوجته!...

هكذا لعبت الصدفة دوراً كبير لكل منهما.

بدأ السائق عمله الجديد وكان منضبطاً مما حدا بالمهندس أن طرح عليه فكرة لزيادة دخله وكانت أول أن يقوم المهندس بشراء " تاكسى" بإسم السائق يتملكه بعد سداد أقساطه من نتاج ربحه لكنه استحصل منه على عدد إيصالات أمانة ضمانا لجدية الاتفاق.

 

توطدت العلاقة بينهما حيث قضى السائق مع المهندس حتى تلك اللحظة ست سنوات .

فنحن الأن فى سنة ٢٠١٧ .. مرت ست سنوات منذ أن تقابلا صدفة فى منطقة المعادى.

 بعد ذلك قام المهندس بشراء سيارة خاصة جديدة بعدما أخبره السائق برغبته فى أن يستغلها للعمل بشركة تشغيل السيارات ( أوبر) فى مقابل مبلغ شهرى يتقاضاه المهندس وهو ما تم بالفعل. وسارت الأمور طبيعية فى بدايتها لكن الأمر لم يستمر طويلاً

فقد تعثر السائق وامتنع عن سداد المبالغ المستحقة عليه سواء ثمن سيارة التاكسى أو ايجار السيارة الخاصة التى تعمل بشركة تشغيل السيارات. 

طالبه الموظف أكثر من مرة بالالتزام بما تم الاتفاق عليه وأنه لم يفعل ذلك إلا ليساعده على أعباء المعيشه وتحقيق مستوى حياة أفضل له لكن ذلك دون جدوى فتراكم على السائق مبالغ تعدت المائة الف جنيه وأكثر من ذلك فقد قام السائق ببيع السيارة التاكسى الجديدة دون أن يخبره بل و بدد أموالها. كل هذا لم يجد الموظف الكبير معه بد سوى أن ينذره باتخاذ الإجراءات القانونية قبله بأن يقدم إيصالات الأمانة إلى المحكمة.

كان الموظف يبحث عن الالتزام أكثر من المادة وإلا ما كان قد صنع كل هذا للسائق فلم يكن الأمر فى حقيقته مادة. 

في 21 نوفمبر 2017 اتفق السائق مع المهندس الكبير أن يحضر له صباح هذا اليوم تحديدا في الخامسة والنصف عند الفيلا الخاصة به بمنطقة التجمع الخامس وذلك للذهاب إلى منطقة العلمين وهى فى طريق شركة المهندس ليعطيه من المبلغ المستحق عليه 70 الف جنيه من المستحق عليه بعدما أوهمه أن أحدهم سيعطيه هذا المبلغ هناك.. وعند الخامسة والنصف صباحاً كانت مديرة الفيلا تستقبل السائق تخبره أن " البشمهندس" سيكون جاهزا حالاً وقدمت له مشروباً.. بعد دقائق ودع الموظف زوجته المريضة واتفقا على أن يحادثها هاتفياً طوال الطريق.. بينما كان الطبيب المعالج لزوجته قد منعها من أن تضع الهاتف على أذنها وأن تستخدم مكبر الصوت الـ " سبيكر".

في صباح هذا اليوم كان الضباب يكسو الطريق والرؤية صعبة للغاية لكن السائق قاد السيارة وبجواره المهندس ودار حديثاً بينهما أتهم فيه المهندس السائق بالإهمال والكذب وأنه سوف يتخذ ضده الإجراءات القانونية لاخلاله بما التزم به وهذا أمر لا رجعة فيه إن لم يسدد ما هو مستحق عليه من مبالغ مالية .

 

عند الكيلو 40 كان الضباب كثيفا فطلب السائق أخذ قسطا من الراحة من أجل مسح زجاج السيارة بينما ترجل المهندس من السيارة لإراحة قدمه وحتى يمكنه التحدث مع زوجته والاطمئنان عليها ثم وضع هاتفه المحمول في جيبه وتناسي غلقه وبعدها عاد للسيارة ليجلس على كرسيه وبدأ يبحث عن السائق لكنه لم يجده فجلس منتظر حضوره ولم تمض إلا دقيقة واحدة على ذلك حتى فاجأته يد السائق وهى تمتد من المقعد الخلفى الذى اختبأ به وقد أمسك "بالفوطة" التى كان يمسح بها زجاج السيارة يحاول خنق المهندس فكتم نفسه مما غاب معه جزء من وعيه.

فى هذه اللحظة ومن أثر المفاجأة صرخ المهندس بصورة هستيرية ومن هول المفاجأة " ليه كده يا أحمد.. ليه..أنا عملت معاك ايه..ده جزائي يا أحمد.. انت بتعمل كده ليه"!!

بينما كانت الزوجة تستمع إلي تفاصيل الاعتداء على زوجها وأخذت تصرخ وهى تسمع استغاثات زوجها وكان بجوراها مديرة المنزل تحاول تهدئتها ..مجدي ..مجدي ..رد عليا" 

لم يستمع أحمد لصراخ الزوجة فقد كان مشغولا بالاغتيال!.. , اغتيال اليد التى امتدت له وصنعت له ما لم تصنعه يد أباه. .عندما لم يستطع أحمد أن يجهز على المهندس خنقا امتدت يده إلى مفتاح تغيير اطارات السيارة وانهال به ضربا فوق رأس المهندس من الخلف وكلما شعر أنه مازالت به الروح زاده ضربا فوق رأسه وفى أماكن مختلفة فى جسده..وكلما شعر أنه مازال يتنفس اشتد ساعده وهو يهوى بتلك الآلة الحديد فوق رأسه!..

على الجانب الآخر كانت الزوجة تستمع لتأوهات الزوج وهو ينازع الرمق الأخير ومن قبلها كانت تستمع لأصوات ارتطام زوجها داخل السيارة وهى مازالت تصرخ تناديه تاره وتستصرخ السائق تارة أخرى!..

وبعدها سمع السائق صوت الزوجة يتصاعد من الهاتف المحمول لكن بعد أن لفظ المهندس أنفاسه الأخيرة ..والقاتل خارت قواه وجلس يلتقط قواه لكن صوت الزوجة الذى يعرفه جيداً يتصاعد من هاتف المهندس حيث كان بالجيب الداخلى للجاكت الذى يرتديه!..

كان هذا مفزعاً له أكثر من أى شىء!.. .. لم يكن يحسب أن كل ما صنعه كان مسموعاً!..

ارتبك السائق وامتدت يده وهى ترتعد داخل جيب الجاكت ونظر إلى الهاتف وبالفعل كانت زوجته تصرح وهى تناديه تطلب منه أن يجيبها!..

ارتعد السائق أكثر وأغلق دون أن يدرى الهاتف وكان عليه أن يتخلص من الضحية فقد أضحى المهندس جثة هامدة!.. .. القى جثته بجانب الطريق الصحراوى وأخذ فى القيادة عائداً إلى القاهرة.. وقام بفتح هاتف المجنى عليه وأجاب زوجته فأخبرها أنه تعرض لحادث سرقة هو "البشمهندس"  من عدد من الأشخاص يستقلون سيارة نصف نقل اعترضوا طريقهم وقاموا بالتعدى على "البشمهندس" بالضرب بشومة فوق رأسه وهو الآن مغمى عليه وأنه يقود السيارة بسرعة هرباً من مطاردة هؤلاء.

كان السائق يكذب وكانت الزوجة تعلم أنه يكذب لكنها تشبثت بأمل حتى ولو كان كاذب.. اتصلت بإبنتها الوحيدة وزوجها وهو ابن عمها وأخبرتهما ما حدث واتصلت بشقيق الزوج أخبرته أيضا بما حدث.. وظل كل من شقيق المجنى عليه وزوج ابنته يتواصلان مع السائق أثناء عودته واتفقوا على أن يتجه السائق إلى مستشفى الطيران من أجل إسعاف الزوج حيث أخبرهما السائق أنه فاقد الوعى بالمقعد الخلفى. . انقطع هاتف السائق بعد ذلك ولم يعد هناك أى اتصال فيما بينه وبينهم.

فى طريق عودته دخل السائق إحدى محطات تموين البنزين وطلب من عامل هناك يعرفه غسيل السيارة جيداً من بقع الدم المتناثرة داخل السيارة حيث أخبره أنها بسبب قيامه بنقل أحد المصابين فى حادث إلى المستشفى!.. 

ذهب أهلية المهندس جميعا إلى قسم شرطة التجمع الأول لتحرير محضر خطف ضد السائق.. هناك اتصل قسم شرطة وادى النطرون بقسم شرطة التجمع  وأخبرهم بأن المهندس تعرض لحادث وطلب من أهليته الحضور.

اتجه شقيق وزوج ابنة الضحية إلى قسم وادى النطرون بينما ظلت الإبنة ترافق أمها المريضة. 

هناك كان صوت الحقيقة المؤلم!..

لقد قُتل المهندس وعثروا على جثته بجانب الطريق الصحراوى!

تم القبض على المتهم مختبئاً بإحدى مراكز محافظة الفيوم بعد ثلاثة أيام من الحادث وبعد اتباع الإجراءات القانونية الصحيحة..اعترف المتهم تفصيلاً بالتحقيقات وكان قد أرشد عن هاتف المجنى عليه بعد أن تخلص من شريحته والسيارة والملابس التى كان يرتديها وقت الحادث وقد أعاد تمثيل الجريمة أمام النيابة بكل تفاصيلها. 

فى جلسه المحاكمة اعترف المتهم مبررا فعله بأنه كان واقعا تحت ضغط التهديد بتحريك إيصالات الأمانة قبله. 

استمعت المحكمة إلى شهود الإثبات واستمعت الى شهادة الزوجة!...

لقد دخلت إلى قاعة المحكمة عند استدعائها وهى تجلس فوق كرسى متحرك تساعدها ابنتها ..لقد اصيبت بشلل تام عقب الحادث!..

شهدت بكل شىء وتذكرت أكثر اللحظات رعبا فى حياة أى إنسان.

انهارت الزوجة وابنتها بمجرد رؤيتهما أحمد "القاتل" خلف القضبان الحديدية ووظلت تردد " ليه كده يا أحمد..ليه كده يا أحمد !!

يالا المأساة!..إنها تردد آخر ما استمعت إليه من زوجها!..

لقد علقت فى ذهنها تلك الجملة " ليه كده يا أحمد)!..

الشاب الذى حضر لأول مرة إلى بيتهم وهو فى العشرين من العمر هو قاتل أبيها!..

الشاب الذى كان يعد كأحد أفراد الأسرة هو قاتل أببها!.. 

ما أقسى أن تغتال يد من أحسن إليها!.. 

كان هذا تفاصيل ما احتوته تلك القضية والتي سردها المستشار سامح عبد الله في حيثيات الحكم والتي  انتهت فيها المحكمة برئاسته وعضوية المستشارين هيثم أبو حطب ووائل مهنا إلي إحالة المتهم إلي المفتي وإصدار حكما ضده بالإعدام وتساءلت المحكمة في نهاية حيثياتها "كيف يتغلغل الشر هكذا داخل الإنسان؟! ..كيف يصبح أقرب اليه من انسانيته وكيف يصير لصيقاً به أكثر من وجدانه" ؟! ..ثم تذكرت المحكمة أخوة يوسف فقالت: 

"وحتي عندما استبد الحقد بأخوة يوسف لم يقتلوه و ألقوه في غيابة الجب ثم تركوا له طوق النجاة حتى يلتقطه بعض السيارة، ولما جاءوا إلي أبيهم بقميصه.. كان القميص بدم كذب.

أُنظروا...رغم كل الحقد لكنهم لم يغلقوا أمامه سبل الحياة لكننا هنا حقدنا واستحالت أحقادنا نيران موقودة بصدورنا، فقتلنا، وتناثرت دماء الأبرياء حتى أنها لم تترك موضعاً بثوب العدالة دون أن توصمه.. كان قميص يوسف بدماء كاذبة لكننا صنعنا آلاف القمصان بدماء حقه.. دماء تستصرخ قصاصاً يسكن ثورتها ويخمد ضجيج آلامها"!..

لقد أُسدل الستار على القضية!.. .. لكنه لم يسدل على الجريمة!..





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق