الندوة التي أقامتها دار الأوبرا منذ أيام في المسرح الصغير بعنوان "الإبداع اللحني عند جيل الثمانينات" وجاءت ضمن نشاط صالون "قضايا موسيقية" تعد من أهم الأحداث في الوسط الثقافي الموسيقي، حيث تناوت فترة لم يتطرق إليها أحد أيضاً اتخذ الملحن الراحل رياض الهمشري "2007-1958" نموذجاً وهذا أيضاً أضاف عمقا وقيمة لهذه الندوة..
رغم تأثير هذه الشخصية الفنية وانتاجها الغزير في فترة قصيرة لم يتم إلقاء الضوء عليها.. بشكل عام هذا يعد سبقاً يحسب للدكتورة والناقدة الموسيقية والإعلامية د. إيناس جلال الدين التي تعد وتدير هذا الصالون علي مدي موسمين يبحث في الهوية المصرية في مجالي الإبداع والأداء الموسيقي. كما يحسب أيضا للدكتور علاء عبد السلام الذي تحمس لفكرة الندوة التي من مميزاتها أيضاً أنه تم استضافة كل من الشاعر الغنائي وائل هلال والشاعر والسيناريست ابراهيم عبدالفتاح وأيضاً الملحن والمطرب محمد الطوخي وهم شعراء وفناني هذه الفترة وأصدقاء الهمشري وجاءت الندوة مثل كتاب يفتح للقراءه لأول مرة.
الحدث كان في المسرح الصغير ضمن النشاط الثقافي لدار الأوبرا وبدأت الندوة بسؤال طرحته الناقدة د. إيناس جلال الدين في بداية الحوار للضيوف من هو رياض الهمشري؟
ليجيب الشاعر وائل هلال بأن رياض الهمشري كان نجم كبير منذ الصغر آمن بموهبته كبار الملحنين واحتضنوه منذ صغره وكان مؤشراً لمولد نجم متميز.. ثم اختفي الهمشري سنوات عدة ليعود الظهور مرة أخري كمطرب متميز صاحب أجمل وأنقي صوت يسمع وصاحب حس مرهف يعكس شخصيته وطباعه، واستمر هلال في القول إن رياض لم ينل حظه في مجال الغناء لأن شركات الانتاج الخاصة كانت في هذا التوقيت مسيطرة على السوق وتفرض رؤيتها التجارية لتخسر الساحة الغنائية أحد أصواتها المتميزه، وعندما اتجه الي التلحين بدأ عصراً جديداً من الإبداع الغنائي علي الساحة المصرية والعربية من ألحان لمعظم النجوم وموسيقي تصويرية لعدد كبير من الأفلام.. وفي النهاية أكد وائل هلال أن صديق عمره رياض الهمشري رحل بجسده فقط أما روحه فهي ترافقه دائماً وهو جالس يتأمل ويتذكر.
والتقط خيط الحديث الشاعر إبراهيم عبد الفتاح والذي ارتبط برياض الهمشري في بداية مشوارهما في عالم الموسيقي وكان يجمعهما سكن واحد لمدة تزيد عن سنتين، وأكد على أن رياض الهمشري كان كتلة إبداع تتحرك على الأرض وكان هذا التميز لديه يرجع إلي خال رياض صلاح الهمشري والذي كان ملحناً ومطرباً متميزاً ولكن غير معروف للوسط ووجد في رياض النبوغ الموسيقي منذ الصغر فأمده بكل أسرار الموسيقي العربية ليخرج لنا هذا المبدع الكبير، وأكد عبدالفتاح أيضاً أن رياض الهمشري كان عاشقاً للعمل بشكل كبير وكان لا يخرج من المنزل إطلاقاً إلا لتسجيل الأغنيات أو عمل البروفات لأعماله، وقال: إننا نستطيع القول عن رياض إنه كان يستطيع أن يلحن أغنية لأي مطرب أو مطربة ليضع هذا الفنان في الصفوف الأولي على الساحة، وأكد أيضاً أن كل هذا الإبداع الذي قدمه رياض الهمشري ما هو إلا جزء صغير مما كان لدي الهمشري من فن وإبداع.
وكان العنصر الفني في الندوة والذي قدم لنا نماذج من أعمال رياض المطرب والملحن محمد الطوخي الذي غني على نغمات العود عدداً من ألحان الراحل رياض الهمشري من أغاني "راجعين" و"جرح تاني" و"انكسر جوانا شيء" و"ما تجبش سيرتي".. وأكد الطوخي في تعليقه على أن ألحان رياض الهمشري كانت أحد المكونات الأساسية له كملحن هو وجيله ووصف جمل رياض الهمشري بأنها جمل تحمل خصوصية شديدة لروحه وإحساسه إلي جانب الروح الشرقية التي تظهر في معظم ألحانه.. وأكد أيضاً على أن الهمشري كان مبدعاً في معرفة إمكانيات كل مطرب ومطربة ويظهر دائماً أحلي المناطق الصوتية عنده.
والكلمة الختامية كانت لصاحبة الصالون والتي أدارت الندوة بخلفية الناقدة المتخصصة ومهارة الإعلامية المحترفة، حيث قالت: إن مبدعي الثمانينات والذين ظهروا كوجوه جديدة آنذاك وتقديم تجاربهم البديعة للجمهور المصري والعربي لابد وأن توثق وأيضاً تقدم كندوات بحثية وتوثيقية للجمهور خاصة الشباب منهم ليتمثل أمامهم دائماً ريادة مصر في الفن عامة والموسيقي والغناء بشكل خاص ولنؤكد عليهم أيضاً أن تواصل الأجيال والتعلم مما سبقونا هو أحد أهم العناصر التي تجعل كل ما تقدمه الأجيال الجديدة له جذور وصاحب هوية مصرية أصيلة.. وأكدت أيضاً علي أن هذا التوثيق والتعريف للجمهور لابد وأن يشمل كل مبدعي الأعمال الغنائية من شعراء وملحنين ومطربين وموزعين موسيقيين وعازفين أصبحوا هم من يتصدروا المشهد الإبداعي الآن.. لأنه لولا كل تلك العناصر لما خرج لنا إبداع حقيقي.
وأخيراً.. تحية لدار الأوبرا علي استجابتها لما ننادي به دائماً من ضرورة الاهتمام بالثقافة الموسيقية ونتمني أن يستمر هذا الصالون ويضاف له أنشطة أخري تلقي الضوء على الفنون الموسيقية الجادة.
اترك تعليق