في قلب قرية تونس بمحافظة الفيوم، تتجسّد تجربة فريدة في الحفاظ على الحرف التراثية، حيث لا تقوم صناعة الفخار على الإنتاج التجاري فقط، بل على التعليم ونقل المعرفة كوسيلة للاستدامة.
هذا ما أكده محمود الشريف، رئيس جمعية الخزافين ومدرّس مدرسة الفخار، وأحد أبناء الجيل الأول لتلاميذ الفنانة الراحلة إيفلين فوريه.
وأوضح الشريف أن مدرسة الفخار شُيّدت بالكامل من الطوب اللبن، تنفيذًا لشرط أساسي وضعته إيفلين فوريه، ليكون المبنى نفسه امتدادًا لفلسفة الحرفة التي تعتمد على الطين والطبيعة. وأشار إلى أن عملية التصنيع تمر بعدة مراحل دقيقة، تبدأ بتجهيز خليط خاص من الطين قادر على تحمّل درجات حرارة تصل إلى 1200 درجة مئوية، ثم التشكيل، والتجفيف، والتبطين، والحفر أو التلوين، وصولًا إلى مرحلة التزجيج والدخول إلى الأفران.
وأضاف أن الألوان المستخدمة تعتمد على أكاسيد طبيعية مثل الكوبالت والمنجنيز والنحاس، بينما يُصنّع الجليز من رمال السيليكون، مؤكدًا أن أي قطعة يظهر بها عيب فني يتم استبعادها، فيما تُعرض القطع السليمة في المعارض ومنافذ البيع.
وحول المواد الخام، أوضح أن جميعها مواد طبيعية مصرية، يتم تصنيعها وتجهيزها في القاهرة ثم استخدامها داخل الورش، مؤكدًا أن تميّز خزف تونس لا يعتمد على تقليد المدارس الفنية الأخرى، بل على ما وصفه بـ«الفن التلقائي» المستمد من طبيعة وبيئة الفيوم.
وأشار الشريف إلى أن المدرسة لا تعتمد على مفهوم الأيدي العاملة، بل على التعليم المجاني المفتوح للجميع، سواء داخل المدرسة أو على مستوى القرية بالكامل، بهدف الحفاظ على الحرفة التراثية وضمان استمراريتها، موضحًا أن من يتعلم يصبح شريكًا في العملية الإنتاجية وفق مبدأ التجارة العادلة.
وفيما يخص التسويق، أكد أن لكل صانع جمهوره الخاص، إلى جانب المشاركة في المعارض المحلية والدولية، فضلًا عن مهرجان سنوي للحرف اليدوية تنظمه القرية منذ عام 2011 بمبادرة من المجتمع المحلي. كما أشار إلى أن المدرسة منفتحة على تنفيذ تصميمات خاصة وطلبيات مخصصة، طالما لا تتعارض مع الهوية الفنية للحرفة.
واختتم الشريف حديثه بالتأكيد على أن تسعير المنتجات لا يتم باعتبارها سلعة، بل كقطع فنية يدوية تحمل قيمة إبداعية وهوية مستقلة، ما يمنح خزف تونس تميزه واستمراريته.
اترك تعليق