لا ينتهي العطاء بخروج الإنسان على المعاش، لكنه قد يحتاج فقط إلى مساحة تمنحه الشعور بالانتماء والاهتمام.
داخل الجمعية المصرية لحماية الأطفال بالفيوم، يجد عدد من كبار السن ما يعيد إليهم إيقاع الحياة اليومية، من لقاءات بسيطة، وأنشطة خفيفة، وأحاديث لا تُقدَّر بثمن.
منذ سنوات اعتاد مصطفى الهادي أن يبدأ يومه مبكرًا، لكن إيقاع الحياة تغيّر بعد خروجه على المعاش. لم يعد العمل يفرض جدولًا ثابتًا، ولا الزحام يملأ ساعات اليوم. بحث عن مكان يشعر فيه بأنه ما زال جزءًا من مجتمع حي، فوجد ضالته داخل إحدى خدمات المسنين التي تُشرف عليها الجمعية المصرية لحماية الأطفال بالفيوم.
يأتي مصطفى إلى الجمعية التي تطلق خدماتها المتعددة تحت رعاية وزارة التضامن الاجتماعي بانتظام، ليس فقط للاستفادة من الخدمات، بل للجلوس مع زملائه، وتبادل الحديث، والمشاركة في أنشطة دينية وثقافية يجد فيها ما يُثري روحه وعقله. أحيانًا يشارك في رحلات بسيطة، وأحيانًا أخرى يكتفي بالمشي داخل المكان، محافظًا على نشاطه البدني بما يتناسب مع عمره.
داخل الجمعية، لا يشعر مصطفى بأنه عبء أو متلقٍ للرعاية فقط، بل فرد له مكانه. الوجبات تُقدَّم بأسعار رمزية، وبعض الخدمات متاحة مجانًا أو مقابل اشتراك بسيط لا يتجاوز بضع جنيهات، ما يجعل المكان متاحًا للجميع دون تمييز.
ومع مرور السنوات، لاحظ مصطفى تطور الخدمات داخل الجمعية. قاعة جديدة أُنشئت، أصبحت مصدر دخل للجمعية من خلال استغلالها في المناسبات، وهو ما ساعد على تحسين مستوى النظافة، وتوفير رواتب العاملين، وضمان استمرار الأنشطة دون توقف. بالنسبة له، لم تكن القاعة مجرد مبنى جديد، بل دليلًا على أن الجمعية تنمو وتتحسن مثلما ينمو الإحساس بالأمان داخلها.
يرى مصطفى أن هذا النموذج يستحق التعميم، مؤمنًا بأن الجمعيات الإنتاجية القادرة على تمويل نفسها لا تحافظ فقط على استمراريتها، بل تضمن كرامة من يخدمونها. ومع كل زيارة، تتجدد قناعته بأن الاهتمام بكبار السن لا يكون بالكلمات، بل بتوفير مكان يمنحهم الشعور بأنهم ما زالوا في قلب الحياة.
اترك تعليق