لم تعد برامج الحماية الاجتماعية تقتصر على تقديم الدعم النقدي فقط، بل باتت الدولة تتبنى نهجًا أكثر استدامة يهدف إلى تمكين الأسر اقتصاديًا وتحويلها من متلقية للمساعدة إلى شريك فاعل في عملية الإنتاج. وفي هذا الإطار، تبرز جهود وزارة التضامن الاجتماعي في دعم العمل اللائق وخلق فرص حقيقية، خاصة للنساء، كأحد المسارات الأساسية لمواجهة الفقر وتعزيز الاعتماد على الذات، من خلال مشروعات تنموية متكاملة تربط التدريب بالتشغيل والإنتاج.
يمثل التمكين الاقتصادي ركيزة محورية في استراتيجية وزارة التضامن الاجتماعي للتحول من فلسفة الدعم إلى التنمية، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن الخروج من دوائر الفقر لا يتحقق إلا عبر العمل والإنتاج وخلق مصادر دخل مستقرة للأسر الأولى بالرعاية، وفي مقدمتها النساء مستفيدات برامج الدعم النقدي المشروط.
وفي هذا السياق، يُعد مشروع مجمع الغزل والنسيج بغرب العزب بمحافظة الفيوم نموذجًا عمليًا لهذا التحول، من خلال شراكة فعّالة جمعت بين وزارة التضامن الاجتماعي، ووزارة قطاع الأعمال العام، والمؤسسة المصرية للتنمية المتكاملة «النداء»، لإعادة إحياء مصنع كان متوقفًا منذ سنوات، وتحويله إلى مجمع صناعي متكامل للملابس الجاهزة.
وأُقيم المجمع على مساحة 12 ألف متر مربع داخل مصنع غزل الفيوم، ليصبح منصة إنتاجية توفر فرص عمل حقيقية لمستفيدات برنامج «تكافل وكرامة»، حيث انطلق المشروع في أبريل 2023 بتدريب 250 سيدة على مهارات الحياكة، قبل أن يتوسع ليشمل تدريب وتوظيف نحو 2000 سيدة في مرحلته الأولى، وفق معايير حديثة للجودة والتشغيل الصناعي، مع خطط لضم 3 آلاف سيدة إضافية في المرحلة الثانية خلال الأشهر المقبلة.
ويعتمد المجمع على منظومة إنتاج متكاملة تضم 8 صالات إنتاج تعمل بالفعل، بالتعاون مع شركة «الياسمينا» للملابس الجاهزة، التي أسهمت في تدريب العاملات على تشغيل الماكينات الحديثة، حيث ينتج خط الإنتاج الواحد نحو 1500 قطعة، بما يعكس كفاءة التشغيل والطاقة الإنتاجية للمصنع.
ولم يقتصر المشروع على التشغيل فقط، بل نجح أيضًا في تدشين الجمعية التعاونية الإنتاجية لصناعة وتصدير الملابس الجاهزة بمحافظة الفيوم، في خطوة تعزز استدامة المشروع وتفتح آفاقًا جديدة للتسويق والتصدير، بما ينعكس إيجابًا على دخول العاملات واستقرارهن الاقتصادي.
وإدراكًا لأهمية البعد الاجتماعي والاقتصاد الرعائي، تم إنشاء حضانة تابعة لمؤسسة «النداء» داخل المصنع، لتقديم خدمات رعاية الطفولة لأبناء السيدات العاملات، حيث تستوعب الحضانة 120 طفلًا وطفلة من سن 3 أشهر حتى 4 سنوات، وتطبق منهج التعليم من خلال اللعب، بما يتيح للأمهات العمل في بيئة داعمة وآمنة.
ويأتي هذا المشروع في إطار توجه أوسع لوزارة التضامن الاجتماعي نحو بناء منظومة متكاملة للتمكين الاقتصادي، تستهدف النساء والشباب وذوي الإعاقة، من خلال برامج التدريب، والإقراض، والادخار، والشمول المالي، وربط الدعم الاجتماعي بفرص العمل والإنتاج، بما يسهم في تحويل أسر «تكافل وكرامة» من الاعتماد على الدعم إلى الاستقلال المالي والمشاركة الفاعلة في الاقتصاد الوطني.
اترك تعليق