قطاع التمور في مصر يشهد، بفضل دعم القيادة السياسية، تطورًا غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة على صعيد الإنتاج والتصدير ليعكس مكانة مصر كأكبر دولة منتجة للتمور في العالم، بحجم إنتاج يتجاوز مليوني طن سنويًا عبر تبني استراتيجية واضحة لتطوير سلسلة القيمة للتمور.
وفي الوقت الذي تشكل فيه التمور جزءًا من التراث الزراعي والاقتصادي الوطني، وعلى الرغم من الدعم السياسي المباشر لإنشاء مجمعات صناعية ومراكز تعبئة حديثة، وإطلاق مشروعات قومية لزيادة المساحات المزروعة من النخيل، فإن العائد الاقتصادي لا يزال دون المستوى المتوقع.
وبحسب بيانات وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى فإن مصر تمتلك أكبر عدد من أشجار النخيل في العالم، بما يزيد على 20 مليون نخلة منتشرة من سيوة إلى سيناء، وتنتج أنواعًا متميزة من التمور تنافس إقليميًا وعالميًا ، و مزرعة توشكي لإنتاج التمور، والتي وُصِفت بأنها الأكبر عالميًا، بمساحة 38 ألف فدان تضم 1.6 مليون نخلة مثمرة تنتج أكثر من 44 صنفًا، حيث سُجلت هذه المزرعة في موسوعة جينيس كأكبر مزرعة نخيل في العالم، مما أسهم في وصول مصر إلى قائمة أفضل 10 دول منتجة ومصدرة للتمور عالميًا ، بالإضافة إلى المشروع القومي لمبادرة رئيس الجمهورية لزراعة 5 ملايين نخلة، والذي نجح حتى الآن في زراعة 3 ملايين نخلة في توشكي والوادي الجديد، وهناك نمو مستمر في صادرات التمور المصرية خلال العقد الأخير، مشيرا إلى أن عام 2024 شهد للمرة الأولى تسجيل أعلى قيمة لصادرات التمور على الإطلاق، حيث بلغت 105.62 مليون دولار ، حيث يمثل هذا الرقم ارتفاعًا كبيرا قدره 120.55% مقارنةً بعام 2014، وارتفاعًا بنسبة 19.33% مقارنةً بعام 2023.
وعلى الرغم من الإنجازات والمشروعات القومية التي قادتها الدولة للنهوض بقطاع التمور فإن هذا القطاع يواجه تحديات تسويقية وجغرافية تتطلب تخطيطًا علميًا واستثمارات متكاملة لضمان زيادة الصادرات وتحقيق قيمة مضافة حقيقية مع التركيز على الجودة والتسويق الدولي.
"بوابة الجمهورية" استطلعت آراء خبراء التسويق والزراعة والصناعة حول الفجوة بين القدرات الإنتاجية والوجود الفعلي في الأسواق العالمية، إذ أكدوا أن الالتزام بالممارسات الزراعية السليمة، والتخزين والجودة، والمواصفات، والتعبئة الحديثة، والتوسع في الأصناف عالية القيمة يضمن تحويل التفوق الإنتاجي إلى عائد اقتصادي حقيقي يليق بمكانة مصر عالميًا.
طالبوا بوجود كيان وطني تحت إشراف الدولة ورئيس الوزراء مباشرة ووجود استراتيجية واضحة للتسويق والتصدير للحفاظ على جودة المنتج وتحقيق أفضل قيمة مضافة؛ وهو الطريق الحقيقي لرفع صادرات التمور المصرية، وتحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة وتجارة التمور.
يقول المهندس خالد الهجّان، رئيس لجنة التمور بالمجلس التصديري للحاصلات الزراعية، إننا نواجه بالفعل تحديات تتعلق بكيفية تحويل الإنتاج الضخم إلى قوة تصديرية حقيقية تعكس مكانة مصر الزراعية والاقتصادية، موضحاً أن المشكلة الأساسية لا تتمثل في حجم الإنتاج، وإنما في الفجوة الكبيرة بين ما تنتجه مصر وما يتم تصديره فعليًا، مشيرًا إلى أن قيمة الصادرات المصرية من التمور بلغت خلال الفترة الحالية نحو 105 إلى 106 ملايين دولار سنويًا، وهو رقم يُعد تطورًا ملحوظًا مقارنة بالسنوات الماضية، التي كانت الصادرات خلالها تتراوح بين 40 و50 مليون دولار سنويًا، إلا أنه لا يزال بعيدًا عن الإمكانات الحقيقية للقطاع ولاسيما أننا نقوم بتصدير التمور الى 76 دولة منها المغرب وإندونيسيا وماليزيا، وتستحوذ الدول العربية على 95 % من حجم صادراتنا من التمور.
أشار الهجان إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لهذه الفجوة يعود إلى طبيعة الأصناف المزروعة تاريخيًا في مصر، حيث تعتمد البلاد على عدد كبير من الأصناف المحلية التي لا تلقى طلبًا واسعًا في الأسواق العالمية، مؤكدًا أن هذا الوضع بدأ في التغير خلال السنوات العشر الأخيرة، مع التوسع في زراعة الأصناف المطلوبة دوليًا، وعلى رأسها تمر المجدول والبرحي والصقعي، وهي أصناف عالية الجودة والقيمة السعرية.
أضاف إن هذا التحول في الخريطة الصنفية للتمور المصرية انعكس إيجابيًا على حركة التصدير، حيث بدأت الصادرات في الزيادة التدريجية، متوقعًا أن تشهد السنوات المقبلة قفزات أكبر في حجم وقيمة الصادرات، بالتوازي مع دخول المساحات الجديدة من هذه الأصناف مرحلة الإنتاج الكامل.
وشدد رئيس لجنة التمور على أن التحدي الأهم الذي يواجه القطاع حاليًا يتمثل في سلامة المنتج وجودته، وعلى رأس ذلك مشكلة متبقيات المبيدات، موضحًا أن استخدام بعض المبيدات المحظورة أو غير الملتزم بالجرعات والفترات الآمنة يؤدي إلى بقاء آثار ضارة داخل الثمرة، وهو ما ينعكس سلبًا على صحة المستهلك المحلي ويؤدي في الوقت نفسه إلى رفض الشحنات المصرية في الأسواق الخارجية.
أكد الهجّان أن التعامل مع ملف متبقيات المبيدات يجب أن يكون بمنتهى الجدية، باعتباره قضية تتعلق بصحة المواطن المصري قبل التصدير، قائلاً: "لا يمكن أن نقبل بمنتج غير آمن صحيًا، سواء كان موجهًا للتصدير أو للسوق المحلي، لأن ما ننتجه نأكله نحن وأبناؤنا قبل أي شيء".
ودعا إلى الالتزام بأعلى المعايير الدولية في سلامة الغذاء، مثل المعايير المطبقة في إنجلترا وألمانيا واليابان، مؤكدًا أن الوصول إلى هذه المستويات من الجودة هو الطريق الوحيد لتحسين سمعة التمور المصرية عالميًا، وتجنب تكرار تجارب سابقة شهدت فيها الصادرات الزراعية المصرية إيقافًا مؤقتًا بسبب مخالفات تتعلق بمتبقيات المبيدات.
وتطرق إلى أهمية صحة ثمرة التمر من حيث خلوها من الديدان والسوس والأتربة، مشيرًا إلى أن هذه المشكلات لا تمثل خطرًا صحيًا مباشرًا في بعض الحالات، لكنها تؤثر بشكل كبير على قبول المنتج في الأسواق الخارجية، حيث يرفض المستهلك العالمي أي منتج لا يتمتع بالمظهر والجودة المطلوبة.
أوضح الهجّان أن الالتزام بالمواصفات التصديرية يمثل حجر الأساس في نجاح أي عملية تصدير، موضحًا أن المواصفة ليست قرارًا فرديًا أو اجتهادًا شخصيًا، وإنما هي اتفاق واضح ومُلزم بين المصدر والمستورد، ويجب الالتزام به بدقة كاملة، سواء فيما يتعلق بالحجم أو اللون أو نسبة الرطوبة أو أسلوب التعبئة.
أشار إلى أن عدم الالتزام بالمواصفات يؤدي إلى فقدان الثقة في المصدر المصري، وإغلاق الأسواق أمامه، بل وقد يصل الأمر إلى إعدام الشحنات المرسلة، وهو ما يسبب خسائر اقتصادية كبيرة ويضر بسمعة القطاع ككل.
أوضح أن جزءًا كبيرًا من التحديات القائمة يمكن التغلب عليه من خلال الالتزام بما هو متاح بالفعل، دون الحاجة إلى حلول معقدة، مشددًا على أن تطوير الممارسات الزراعية، والالتزام بالمعايير الصحية، وتحسين التعبئة والتغليف، تمثل خطوات عملية في متناول الجميع.
أكد الهجان على أن تحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة وتصدير التمور يتطلب رؤية متكاملة، تبدأ من الحقل ولا تنتهي عند الميناء، وتشمل تحسين الخريطة الصنفية، وضمان سلامة المنتج، ورفع كفاءة المصدرين، وتعزيز الثقة في التمور المصرية بالأسواق العالمية، مؤكدًا أن هذا الهدف قابل للتحقيق في ظل ما تمتلكه مصر من إمكانات طبيعية وبشرية كبيرة، إذا ما تم استثمارها بالشكل الصحيح.
أضاف الهجان تم بالفعل عمل مسابقة واختيار علامة تجارية للتمور المصرية ومازالت موجودة لكن حتى الآن لا نعمل بها لأنها تحتاج الى تضافر الجهود وتحتاج الى مجهود كبير إذا تم تأسيس كيان وطني رسمي للتمور تحت إشراف الدولة، سيشكل ذلك دعمًا هائلًا للمنتج المصري ويضمن أنه يتم تصديره تحت ظروف وضوابط عالمية عالية. قرار رئيس الوزراء في هذا الاتجاه سيكون له تأثير إيجابي كبير على تنمية القطاع وهذا ما طالبنا به ضمن استراتيجية التمور، مؤكدا ضرورة انتقال ولاية التمور إلى سلامة الغذاء بدءًا من 2026، فذلك قد يتطلب أيضًا تحديثات في المعايير والممارسات لضمان الجودة والسلامة.
أكد د. أمجد القاضي مدير مركز تكنولوجيا الصناعات الغذائية والتصنيع الزراعي بوزارة الصناعة أن هناك أصنافًا مرغوبة دوليًا وهي الأصناف نصف الجافة والتى تمثل نحو 20% فقط من الإنتاج المصري بينما تستهلك باقي الأصناف، سواء كانت رطبة، جافة، أو بذورًا مجهولة، في السوق المحلي، مع زيادة ملحوظة في استهلاك الفرد للتمور، الذي لم يعد محصورًا في شهر رمضان فقط؛ وبالتالى كان من أهم أهداف استراتيجية تطوير قطاع التمور التوسع في زراعة الأصناف المعروفة دوليًا ذات القيمة التسويقية المرتفعة، وهو ما تحقق جزئيًا عبر توجيهات القيادة السياسية لإنشاء أكبر مزرعة نخيل في العالم، المسجلة في موسوعة جينيس، ومضاعفة الثروة القومية للنخيل في الواحات من الأصناف العالمية، بما في ذلك صنف المجدول "المجهول" الذي تجاوز إنتاجه 20 ألف طن في عام 2024، ما انعكس إيجابًا على قيمة الصادرات المصرية.
أضاف القاضى إن التمور تعد منتجات طبيعية وصحية ذات قيمة غذائية عالية، ويمكن تحويلها إلى منتجات نهائية أو وسيطة لصناعات غذائية متعددة، مثل: التمور المعبأة، المنزوعة النوى، المحشوة، عجينة التمر، المشروبات، العصائر، السكر السائل أو المسحوق، الحلويات، المخبوزات، وحتى منتجات غير غذائية مثل الوقود الحيوي والكحول وزيت نوى التمر.
وحول تطوير هذه الصناعة شدد القاضي على أهمية التوسع في الاستثمار في مصانع التمور، تدريب العمالة على الممارسات التصنيعية الجيدة، حصول المصانع على شهادات الجودة العالمية، وتطوير التعبئة والتغليف لتعزيز جاذبية المنتجات وزيادة مدة صلاحيتها، مع ربط المصنعين بالمزارعين من خلال الزراعة التعاقدية لضمان جودة موحدة وقابلة للتصدير وللتصنيع.
أضاف القاضى إن مؤسسات الدولة تعمل حالياً على تطوير الموارد البشرية العاملة في سلسلة القيمة، عبر مشروعات الدعم الفني والتدريب بالتعاون مع المنظمات الدولية، مثل الفاو، اليونيدو، والتعاون الإيطالي، إضافة إلى التعاون الوثيق مع جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، التابعة لمؤسسة ارث زايد الإنساني. وقامت وزارة الصناعة بدعم اماراتي بالتعاون مع جائزة خليفة بتنفيذ عدد من مشروعات تطوير قطاع التمور بمصر والتي تضمنت تأهيل مصانع التمور الحكومية بسيوة والوادي الجديد وانشاء مخازن مبردة ومجمدة للتمور بالواحات البحرية واعداد العديد من الدراسات الفنية ودعم مشاركة المنتجين المصريين بمهرجانات التمور التي تنظمها جائزة خليفة بالدول المختلفة ، كما اهتمت وزارة الصناعة بتطوير مصانع ومحطات تعبئة التمور، وضمان حصولها على شهادات الجودة العالمية، وتطبيق اشتراطات الهيئة القومية لسلامة الغذاء، وتشجيع إنشاء المخازن المبردة والمجمدة لخفض الفاقد، بما يضمن وصول المنتجات إلى الأسواق الدولية بأفضل جودة ممكنة.
وحول الأسواق الواعدة للتمور المصرية قال القاضى إن أوروبا تستورد تمورًا بقيمة 700 مليون دولار سنويًا، مع فرص واعدة في دول شرق أوروبا وجنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا، حيث الطلب مرتفع على التمور الحلال، وكذا الهند أكبر مستورد للتمور عالميًا وتعد تركيا سوقًا متناميًا يمثل فرصة إضافية لتصدير التمور المصرية، كما تعد أفريقيا أسواقًا ناشئة يمكن اختراقها بسهولة عبر اتفاقيات الكوميسا.
أما أمريكا اللاتينية فهي سوق غير مشبعة بالتمور، ومن ثم تحتاج إلى حملات تعريفية وتسويقية، مؤكداٍ أن الجهات المختصة تعمل على تعظيم القيمة المضافة من خلال إدخال التمور الفائضة أو ذات العائد الاقتصادي المنخفض في عمليات تصنيعية متعددة، لتحويلها إلى منتجات أخرى صحية ومربحة، متاحة طوال العام.
يقول د. أشرف الفار الأمين العام للاتحاد العربي للتمور إنه على الرغم من أن صادرات مصر شهدت نموًا ملحوظًا خلال السنوات الخمس الماضية، إلا أن الفجوة بين الإنتاج والتصدير ما زالت كبيرة، ويعود السبب الرئيسي إلى العشوائية في عمليات التصدير، حيث يحدد كل صادر الأسعار وفقًا لمصلحته الشخصية دون النظر للصالح الاستراتيجي للدولة.
أضاف إن هناك حاجة ملحة لوجود قطب أو هيئة شرعية للتمور لها جميع الصلاحيات، لأن التمور غذاء استراتيجي لمصر وللعالم. فمصر تنتج منتجًا يُعد غذاءً صحيًا ووظيفيًا، وحتى وكالة ناسا تختار التمور ضمن غذاء رواد الفضاء. لذلك، لا بد أن تكون هناك استراتيجية واضحة للتسويق والتصدير للحفاظ على جودة المنتج وتحقيق أفضل قيمة مضافة.
أشار الفار إلى أهمية تعديل أسلوب التغليف وعبوات التمور، مؤكدًا أن الكميات الكبيرة في العبوات التقليدية تؤدي إلى انخفاض قيمة المنتج، بينما التوزيع في عبوات صغيرة (250 جراما، 500 جرام، 1 كيلو جرام) يرفع من قيمته التسويقية. كما شدد على أهمية ربط المنتج بقصة تسويقية واضحة توضح للمستهلك فوائد التمر المصري، مثل استخدامه كغذاء صحي أو غذاء لرواد الفضاء، مما يزيد من اهتمام الأسواق العالمية بالمنتج المصري.
وأكد رئيس الاتحاد العربي للتمور أن مصر بحاجة إلى تنظيم حضورها في المعارض الدولية بشكل محترف، وتحديد أسعار موحدة للمنتجين لضمان تنافسية التصدير، والارتقاء بسمعة التمور المصرية عالميًا. وأضاف: إذا لم يكن هناك رقابة واضحة من الدولة وتنظيم شامل لقطاع التمور، فإن الإنتاج الكبير قد يذهب هدرًا بسبب التصدير العشوائي الذي يؤدي إلى فقدان جودة المنتج وسمعة السوق المصري، مؤكدا أن التمور ليست مجرد محصول زراعي، بل تمثل غذاء استراتيجي ومصدر دخل مهم لمصر، وعلينا الاستثمار في هذا القطاع بطريقة منظمة، ووضع سياسات واضحة للتصدير تضمن تحقيق العائد الاقتصادي المطلوب وحماية سمعة المنتج المصري في الأسواق العالمية.
قال الدكتور عمرو عبد الحميد الخبير الاقتصادى الزراعى، أن مصر تحتل المرتبة الأولى عالميًا في الإنتاج، لكنها لا تزال في المرتبة الخامسة عالميًا في تصدير التمور، حيث بلغت قيمة الصادرات المصرية من التمور نحو 105 ملايين دولار خلال عام 2025 (وفق بيانات أولية للنصف الأول من العام)، بعد كل من السعودية، والعراق، وتونس، وإسرائيل، وهو ما يعكس فجوة واضحة بين حجم الإنتاج وحجم التصدير.
وأشار عبد الحميد إلى أن الحفاظ على صدارة مصر الإنتاجية يتطلب زراعة نحو 5 ملايين نخلة إضافية خلال السنوات المقبلة، في ظل المنافسة القوية من دول مثل السعودية والجزائر اللتين يقترب إنتاج كل منهما من 1.6 مليون طن سنويًا.
شدد على أن زيادة الصادرات لا تتحقق بالكم وحده، بل بالجودة، مؤكدًا أن احترام النخلة هو الأساس، بدءًا من اختيار الصنف والتربة المناسبة، مرورًا بالممارسات الزراعية الجيدة، ومكافحة الآفات، وعمليات الجمع، وانتهاءً بالتعبئة والتغليف والتبخير والتخزين في الثلاجات. وأوضح أن انتشار إصابات الديدان داخل الثمار يمثل أحد أهم أسباب رفض الشحنات التصديرية، ما يستدعي التوسع في تكييس العراجين باستخدام أغطية خاصة تقلل الإصابة وتحافظ على جودة الثمار ووزنها ونسبة السكريات بها.
وتطرق عبد الحميد إلى ظاهرة تبادل الحمل في النخيل، مؤكدًا أهمية عمليات الخف للحفاظ على قوة الشجرة واستقرار الإنتاج السنوي، إلى جانب الاهتمام بالتسميد ومنع تكاثر المخلفات أسفل النخلة، محذرًا في الوقت نفسه من خطورة سوسة النخيل الحمراء التي تتسبب في تدمير نسبة ملحوظة من مساحات النخيل سنويًا، خاصة في مناطق مثل سيوة والوادي الجديد.
وأكد أن التوسع في الزراعة العضوية بات ضرورة ملحة للنفاذ إلى الأسواق الخارجية، نظرًا لاشتراط خلو التمور من متبقيات المبيدات، مشيرًا إلى أن من أهم معوقات التصدير الحالية نقص الثلاجات، وضعف البنية التحتية، وغياب الكوادر المتخصصة في التسويق الدولي، فضلًا عن قصور الممارسات الزراعية الجيدة.
وفيما يخص الأسواق الخارجية، أوضح عبد الحميد أن إندونيسيا والهند والسعودية والولايات المتحدة تعد من أهم الأسواق المستقبلة للتمور المصرية، مع فرص واعدة في السوق الصيني، الذي يفضل أصنافا منخفضة السكريات، خاصة وأن مصر تمتلك ميزة تنافسية سعرية كبيرة مقارنة بدول أخرى ، مؤكدا على ضرورة إطلاق استراتيجية وطنية متكاملة للنهوض بإنتاج وتسويق وتصدير التمور في مصر، تقوم على مكافحة الآفات، والتوسع في زراعة الأنسجة لإنتاج فسائل سليمة، وتطوير البنية التحتية وسلاسل التبريد، إلى جانب إعداد دراسات تسويقية دقيقة للأسواق المستهدفة، بما يؤهل مصر للتحول إلى مركز إقليمي لصناعة وتجارة التمور خلال السنوات المقبلة.
سألنا د. عز العباسي خبير وباحث شون النخيل والتمور ورئيس الجمعية العلمية للنخيل، لماذا القيمة التصديرية للتمور المصرية أقل من الطموحات؟ فأجاب بقوله أن الإجابة تكمن في تركيبة الإنتاج نفسها، وطبيعة الأصناف السائدة، وغياب منظومة متكاملة للتخزين والتصنيع.
أشار إلى أن نحو مليون طن من إجمالي الإنتاج المصري ينتمي إلى أصناف التمور الطرية والرطبة، وهي أصناف يتم استهلاك الجزء الأكبر منها محليًا، وتعاني من نسب فاقد مرتفعة جدًا بسبب قصر عمرها التخزيني، وغياب البنية التحتية المناسبة للتخزين المبرد، ما يؤدي إلى فقد كميات كبيرة منها أو تسويقها بأسعار منخفضة.
أضاف العباسى: إن هذه الأصناف، رغم أهميتها للسوق المحلي، لا تحظى بقبول واسع في الأسواق العالمية، باستثناء بعض الأصناف مثل الحياني، الذي يمكن أن يحظى بطلب خارجي جيد حال توافر مخازن مبردة تتيح التحكم في جودة الثمار وإطالة فترة تسويقها، مشيرًا إلى أن أصنافًا أخرى مثل الزغلول والسماني تُطرح في الأسواق لفترة قصيرة لا تتجاوز شهرًا واحدًا، بسبب عدم القدرة على تخزينها، وهو ما يحد من فرص تصديرها.
أوضح العبّاسي أن بعض الأصناف مثل بنت عايشة، والحياني، والمفرخ يمكن تصديرها بنجاح إذا تم تخزينها في ظروف مناسبة، مؤكدًا أن المشكلة لا تكمن في الصنف ذاته، بل في غياب الإمكانات التخزينية، الأمر الذي يدفع إلى استهلاك معظم هذه الكميات محليًا، مع فقد جزء منها نتيجة التلف.
وتابع أن التعامل مع هذا الواقع يتطلب تعظيم الاستفادة من الأصناف الرطبة، ليس فقط عبر التصدير، ولكن من خلال إضافة قيمة تصنيعية، موضحًا أن هذه الأصناف يمكن استخدامها في إنتاج العصائر، والمربات، والدبس، والخل، والكحول، والعديد من المنتجات الغذائية والصناعية الأخرى، بما يفتح آفاقًا جديدة للاستفادة الاقتصادية من كميات كبيرة كانت تُهدر أو تُباع بأسعار متدنية.
وأشار إلى أن السوق العالمي يركز في الأساس على عدد محدود من الأصناف، على رأسها البرحي، والمجدول، والدجلة نور، وهي الأصناف الأكثر تداولًا عالميًا، مؤكدًا أن التوسع في زراعة المجدول والبرحي خلال السنوات الأخيرة أسهم بشكل واضح في تحسين مؤشرات التصدير المصرية.
أوضح أن الفارق السعري بين المجدول والأصناف الأخرى يمثل عاملًا حاسمًا، حيث يتراوح سعر طن المجدول بين 8 و10 آلاف دولار، مقابل 1000 إلى 1200 دولار فقط لطن الأصناف النصف جافة مثل السيوي، ما يعني أن تصدير كميات محدودة من المجدول يعادل في قيمته تصدير كميات ضخمة من الأصناف التقليدية.
وفي مقارنة مع الدول العربية، أوضح العبّاسي أن تونس تصدر نحو 22% من إنتاجها من التمور، مستفيدة من تركيزها على أصناف عالية الطلب عالميًا، في حين تعتمد الإمارات على استيراد التمور من دول عدة، من بينها مصر، ثم إعادة تصديرها، بينما تظل السعودية منافسًا قويًا، باعتبارها ثاني أكبر دولة منتجة بعد مصر، وتتمتع بسوق داخلي كبير، إلى جانب قدرتها التصديرية المرتفعة التي تصل إلى نحو 300–350 مليون دولار سنويًا.
أكد العبّاسي أن الفجوة التصديرية في مصر ترجع بالأساس إلى هيمنة الأصناف الرطبة على الخريطة الإنتاجية، وارتفاع الاستهلاك المحلي، وضعف منظومة التخزين، مشددًا على أن التوسع في زراعة المجدول يمثل الرهان الأساسي لزيادة القيمة النقدية للصادرات، متوقعًا أن تصل الصادرات المصرية إلى نحو 150 مليون دولار خلال الفترة المقبلة، مع اكتمال مواسم إنتاج المجدول الجديدة.
وأوضح أن التخزين المبرد يمثل عنصرًا حاسمًا في حل أزمة التصدير، ليس فقط لإطالة عمر الثمرة، ولكن للحد من الإصابة بالآفات الحشرية، وتحسين المظهر العام للثمرة، ورفع ثقة المستوردين في جودة التمور المصرية.
وأشار العباسى إلى أن مصر تحتاج إلى إنشاء شبكة واسعة من مخازن التبريد في مناطق الإنتاج الرئيسية، مثل الواحات البحرية، والوادي الجديد، وأسوان، والرشيد، بقدرات تخزينية تتراوح بين 25 و70 ألف طن لكل منطقة، مؤكدًا أن تكلفة إنشاء هذه المخازن، رغم ارتفاعها، تمثل استثمارًا طويل الأجل ينعكس مباشرة على زيادة الصادرات وتحسين السمعة التصديرية.
اترك تعليق