تقديم دار الأوبرا بالية كليو باترا جاء فى توقيت مناسب، حيث تزامن مع إفتتاح المتحف المصرى الكبير، والعمل من انتاج 2019 ويمثل نقطة مضيئة فى الرصيد الفنى لفرقة بالية أوبرا القاهرة لأنه يؤكد أن فكر الوصول للعالمية عن طريق المحلية بدأ يتسلل إلى المسئولين بعد طول غياب، ولأنه خطوة ثبت من خلالها أن لدينا مبدعين مصريين لديهم الموهبة والدراسة التى تسهم في التقدم الحضارى للبلاد.
الباليه من إبداع المؤلف الموسيقى محمد سعد باشا وكان بتكليف من د. مجدى صابر رئيس الأوبرا الأسبق والذى سوف يحسب له هذا في تاريخه الإدارى وإعادة تقديمه فى هذا التوقيت سوف تحسب ايضا للرئيس الحالى للدار د. علاء عبد السلام، ويذكر ان هناك مقال سبق ان كتبته 2019 ونوهت لبعض السبيات فى التصميم لاحظت ان معظمها تم تلافيها فى العرض الجديد مما يؤكد ان النقد يسهم فى تطور الفنون
وفكرة إبداع باليه مصرى ليست وليدة الساعة بل بدأها الموسيقار الراحل عزيز الشوان (1916ـ1993) بالباليه الطويل " ايزيس وايزوريس" في أواخر الستينيات ولكن للأسف لم ير النور من الناحية الحركية ولكن تم تسجيله موسيقيا بواسطة العلاقات الثقافية الخارجية ثم قدم جمال عبد الرحيم (1924ـ1988) باليه قصير بعنوان "ايزوريس" من تصميم عبد المنعم كامل وتم تقديمه عدة مرات في أوخر الثمانينات وأدته فرقة الباليه عندما كانت تابعة لأكاديمية الفنون ثم انتجته دار الأوبرا بعد ذلك وكان لعبد الرحيم باليه قصير آخر بعنوان "حسن ونعيمة" تم تقديمه ايضا موسيقيا فقط كما أنتجت دار الأوبرا لكامل أيضا الباليه القصير"النيل" على مختارات من موسيقى عمر خيرت في أوائل التسعينيات كما أن فرقة الأوبرا للرقص الحديث نفذت للفنان نادر عباسى عرض" بين الغسق والفجر" عام 2005 من تصميم وليد عونى.
أما موضوع "كليوباترا "فقد تناولته فرقة الباليه المصرية عام 1996 بعمل قصيرولكنه لم يكن مصريا إلا من حيث التمويل فقط لأن صاحب الموسيقى كان المؤلف الروسى أنطون أرنسكى (1861ـ1906) وجاء كل عناصر العمل روسية باستثناء الراقصين المصريين حينذاك مجدى صابر وأرمينيا كامل وصفوت فتحى.
العرض الذى نحن بصدده الآن و الذى عرض مؤخرا على المسرح الكبير وقدمته فرقة باليه أوبرا القاهرة تحت إشراف إرمينيا كامل بمصاحبة أوركسترا أوبرا القاهرة وبقيادة المؤلف يدور حول القصة التاريخية الشهيرة لكليوباترا ملكة مصر وزواجها بمارك أنطونيو الذي اقتسم حكم الإمبراطورية الرومانية مع أوكتافيوس بعد قتل يوليوس قيصر، ثم إعلان أوكتافيوس الحرب ضد كليوبترا ومارك أنطونيو وهزيمتهما في معركة أكتيوم البحرية ونهايتهما المأسوية بعد إنتصار خصمهما.
والعمل الذى قدم عام 2019 من تصميم مصمم الرقصات الكوبى "خوسية بيريز" ومعه مصممة الملابس "مانويلا شيرى" ولكن فى هذا العرص 2025 تدخلت فى التصميم الحركى ارمينيا كامل مديرة الفرقة واضافت رقصات معبرة عن الحدث كما خفت حدة التمثيل الصامت والملحوظة الهامة ان هناك اعتماد كبير على الرقصات الجماعية وتضاعف عدد الراقصات والراقصين مما اعطى ثراء بصرى للمشاهد كما فى المشهد ين الأول والتاسع فى الفصل الاول والأخير فى الفصل الثانى أيضا من المشاهد الجيدة الرقصات التى تعقب الباخرة والتى كانت ترمز لوصول كليوباترا لروما وبالعكس يوليوس لمصر ايضا كانت الرقصات الثنائية متميزة ولأن العمل جاء على شكل مشاهد منفصلة مما كان له اثرا سلبيا على االتسلسل الدرامى نجد فى هذا العرض تم تلافى هذ بالعزف المتواصل من حانب المايسترو فى معظم المشاهد.
أما بالنسبة للملابس تصميم مانويلا شيرى" جاءت بسيطة لاتليق بملكة وحاشيتها ولاتنتمى للحقبة التاريخية وخاصة ملابس الراقصات ولكن ايضا التنفيذ المصرى ادخل بعض التعديلات من أهمها تمييز البطلة بملابس فخمة عكس العرض السابق أما تصميم الديكور الذى تحمله محمد الغرباوى هذا الفنان المخضرم والذى له باع طويل فى الديكور فى عضور تاريخية مختلفة نجد الإطار العام جيد ولكن التعامل مع الآثار كان يحتاج الاستعانة بأحد المتخصصين فى علم الآثار منها حيث هناك بعض الأخطاء التاريخية منها أن يبدو القصر احيانا على شكل معبد وتوضع تماثيل بدون توظيف ومن حقب تاريخية مختلفة لاتنتمى لعصر البطالمة التى تدور فيه الأحداث ولكن هذا تم معالجته أو التخفيف من أثاره السلبية بأمرين الأول إضاءة ياسر شعلان لذى وصل لمرحلة كبيرة من النضج تعدى فكر المصمم وأستطاع أن يوظف الضوء بأسلوب تعبييرى عن الحدث وعن الموسيقى سواء بأسلوب الحركات الضوئية المتتابعة او الإسقاط وإعطاء شكل او إستعمال الضوء كستارة قاتمة بعدها يظهر المشهد أما الأمر الثانى الذى ساهم فى نجاح العرض كان الرا قصين الذين يمثلون مفخرة لفرقتنا المصرية من الرشاقة وخفة الحركة والإتقان وأيضا الجانب التمثيلى الذى كان منهج المصمم ولقد تفوق الراقصون الرجال والذى هم جميعا مصريون " ويكونون حاليا جيلا يحمل راية الباليه المصرى فى الحاضر والمستقبل وهم ممدوح حسن فى دور انطونيو فى جميع الحفلات واسلام دسوقى وشادى علاء وسعيد محسن ومصطفى ياسر وامير تادرس وحسام محمود ويوسف حازم ومصطفى ياسر وعمر خالد وعبد الله ابراهيم والسيد محمد وكمال ربيع ولكن كالعادة افتقدنا الباليرينا المصرية حيث أن جميع الراقصات أجانب ولاننكر تفوقهن فى الأداء واولقد تقاسم دور كليوباتراكل من نجوم الفرقة الاجانبيات مريم كاربيتنيان وكاترينا زىرزونها وبالنسبة للباليرينيات شارك فى المجموعة من مصر كرمينا عصام وهلا طارق، وشهد سعد، وغرم ،مجدى،
الموسيقى هنا البطل الباقى والخالد والذى قد تختلف رؤى التناول الحركى ولكن سوف تبقى هى الأساس وبالرغم من انها التجربة الأولى للمؤلف فى عالم الباليه إلا أنها جاءت على مستوى عال من التكنيك وجمعت بين المحلية والعالمية بفهم وإدراك وإحتراف وبدأت مثل الباليهات الكلاسيكية بإفتتاحية موسيقية قصيرة مهدت للعمل بدأها بالهارب ثم البيانو الذى كان له دورا بارزا طوال العمل وهنا عزف اللحن الاساسى المبنى على نغمة لحنية تكررت ثم دخلت آلات النفخ النحاسى بلحن قاتم متبوعا بإيقاعات تميل للألحان الشعبية المصرية التى تدل على الحزن وذلك تعبيرا عن النهاية المآساوية للعمل الذى اعتمد فيه المؤلف عن التعبير عن الموقف الدرامى بلغة موسيقية متنوعة يغلب عليها تكرار النغمات والإعتماد على الآلات الإيقاعية بأنواعها المختلفة وتوظيفها حيث تتسارع وتعلو فى لحظات الصراع ولكنه أيضا نجح فى توظيف الكمان والهارب وآلات النفخ الخشبية وخاصة الفلوت فى تجسيد المشاعر الرومانسية وإعطاء الإيحاء بالجو المصرى القديم كما أن العمل يتميز بتلوين اوركسترالى براق فيه احتراف ومعرفة واسعة بالمساحات الصوتية للآلات ولكن كما سبق أن أشرت هناك إعتماد كبير على آلات الايقاع بتنويعاتها ولكن بتوظيف سليم فيه حداثة أتضح جليا على سبيل المثال فى اللحن الجنائزى فى نهاية العمل كما نجح أيضا فى إبداع خاتمة جيدة وقوية تناسبت مع المشهد وحاز من خلالها على تصفيق حار.. والأمنية أن تكون هناك تصيمات حركية ورؤى أخرى لمصممين مصريين على هذه الموسيقى التى هى الإبداع الهام والذى ساعد على تنفيذها بشكل جيد أن المؤلف قاد العمل بنفسه ويحسب له قيادة متميزة لعازفين على درجة عالية من المهارة يستحقون عليها كل التحية والتقدير.
اترك تعليق