استقبال الجمهور المصري لنا بالعرض العالمي الأول للفيلم كان مؤثراً وشاعرياً وخاصة اننا لم نخطط في البداية لوجود فيلم ولكنه خرج للنور بعد ساعات طويلة وصلت لـ 150 ساعة على مدار سنوات" .. بهذه الكلمات عبر صناع الفيلم اللبناني "ثريا حبي" عن سعادتهم الكبيرة بفوز الفيلم بأفضل فيلم وثائقي في الدورة 46 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
"الجمهورية أون لاين" حاورت المخرج نيكولا خوري وبطلة الفيلم ثريا بغدادي والمنتجة جانا وهبي الذين كشفوا عن تفاصيل عديدة حول رحلة التحضيرات التي شهدها الفيلم وأبرز الصعوبات التي مرت به ومرحلة إقناع ثريا للحديث عن حياتها الشخصية وتجربتها مع زوجها المخرج الكبير الراحل مارون بغدادي وخاصة بعد مرور ثلاثين عاماً على رحيله.
يعتمد الفيلم على لقطات من فيلم مارون بغدادي "حروب صغيرة" (1982) الذي وثّق لحظة لقائهما الأولى ويستند كذلك إلى أرشيفات شخصية ومقابلات تكشف تفاصيل حياتها الخاصة ويركز العمل على علاقة ثريا بجسدها بعد سنوات من الرقص والتأمل كما يتأمل فكرة الحداد واستعادة الذاكرة عبر سرد بصري حميم ينسج بين الماضي والحاضر بروح شاعرية فالعمل ليس مجرّد وثائقي تقليدي بل مبادرة لاستعادة إرث وترميم ذاكرة وتقديمها من جديد للمتلقي المعاصر برؤية إخراجية تلامس الشعر السينمائي.
كيف وجدتي استقبال لـ"ثريا حبي" ؟
اسعدني كثيرا فهذا التفاعل الذي وجدته في صالة العرض "بيغذيني"، فلم أتوقع ان يكون التأثير بهذا الشكل الكبير، شكراًرا مهرجان القاهرة الذي أتاح لنا هذه الفرصة الكبيرة .
هل شاهدتي نسخة الفيلم قبل عرضها بمهرجان القاهرة؟
نعم.. شاهدها مرة واحدة مع ابني، وكنا مضطربين جداً، ونخشى ألا يعدبنا الفيلم، ماذا سنقول لنيكولا؟، ولكننا تشجعنا إنه إذا لم يعجبنا سنقول له صراحة ونعبر عن رأينا لكل وضوح.
وما رأيك بعدما شاهدتيه؟
سعدت كثيراً بالتجربة، بالرغم إنها لم تكن سهلة، وقاومت كثيراً في البداية، ولكنهم استدرجونني حتي قمنا بهذه الفيلم ذات الطابع الشخصي.
هل طلبتي تغيير أي شيء فيه ؟
لم يتغير إلا تقنياً على مستوى الصوت والصورة فقط، ولكن ليس في المضمون.
ما أكثر شيء شجعك لقبول فكرة الفيلم ؟
لانني شعرت ان نيكولا يريد ان يتعرف عن علاقة الحب التي حدثت بين ممثلة ومخرج فهو يتطلع من وراء الكاميرا على الحدوتة كما انه قال لي شيئا جعلنى ارتاح كثيراً " أنا مش عارف التصوير هيودينا فين هنجرب ونشوف"، هذه أكثر جملة حمستني، لانه لم يضع أشياء برأسه يريد ان يقدم من خلالها هذا الفيلم.
هل طٌلب منك قبل ذلك تقديم قصة حياتك في فيلم؟
لا لم يطلب مني أحداً هذا الأمر من قبل .
الفيلم استغرق تصويره 4 سنوات.. ألم يصيبك الملل في أي لحظة؟
لا .. إطلاقاً، بالعكس نيكولا كان يفاجئني في كل مرة، وكنا نتحدث عن أمور جديدة بكل مكالمة أو مقابلة بيننا، كما انه لم نكن مضغوطين لنكون مرتبطين بوقت معين لانهاء الفيلم، أو أكون مضطرة ان اتحدث عن أمور بعينها، فكانت التجربة هادئة واستمتعت بتفاصيلها الراقية.
وكيف كان التعامل مع نيكولا في الكواليس؟
كنت اشعر إنه يحضر أسئلته قبل أي لقاء ومكالمة، ووجد إنها أشياء اريد ان اتحدث معها ليعرفها الجمهور، لم اشعر بحالي وانا اقولها، و فبالرغم من إنني كنت اتهرب من أشياء معينة، إلا إنه كان يستطيع ان يعيدني للحديث عن أشياء يريدها، ولكن بشكل لطيف ويحافظ على مشواري النفسي دون ضغطي بأي شيء.
هل كانت لديك خطوط حمراء وضعتها لعدم التحدث عنها ؟
نعم كنت لا أريد ان اتحدث عن موت مارون، ولكننا ذهبنا لهذه النقطة بشكل ما أثناء الحديث .
ولكننا مازلنا نشعر ان هناك أشياء عديدة لم تظهر منك؟
انا قضيت 12 عاماً مع مارون، وحالياً مر على وفاته 30 عاماً، مازالت اكتشف أشياء واحضر أشياء مختلفة، وهذا هو الجميل في علاقتنا، حتى في البعد يخلق القصص والانسان يتعرف على حاله.
ما هي أصعب مرحلة بالنسبة لك في الفيلم ؟
أنني اعترفت أنني شخصية متناقضة، فأنا أوافق اليوم على وجهه النظر هذه ثم أغير رأي ثاني يوم، وبالاخير تقبلت الأمر وقولت " أنا كدة".
ماذا بعد "ثريا حبي" .. كيف تشعرين؟
انا لدي حياتي الشخصية التي أعيشها، فأنا أم وجدة، لدي أولاد وأحفاد، وأعمل في فنون الرقص والعلاج بواسطة الرقص، ورغبت فقط في لملمة قصص حياتي وإعادة قراءتها، لم يكن هناك تخطيط صارم، والفيلم لم يغير حياتي ولكن بالتأكيد سيتغير نظرتي للحياة وللمواقف التي نمر بها.
هل هناك لحظة تتذكرينها، تأثرتي أو طلبتي منهم إيقاف التصوير؟
نعم.. ولكن هذا الأمر كان في البدايات، فكانت تأتي لدي هواجس وتساؤلات وشكوك " إيه اللي بعمله دة انا ماشية صح ولا لا" ثم تزول هذه الأفكار فيما بعد.
بداية .. حدثنا عن بداية فكرة فيلم "ثريا حبي" ؟
الفكرة بدأت منذ عام 2021، حينما شاهدها بالصدفة في أحد العروض لأفلام مارون البغدادي ببيروت، شعرت بوجود قصة تحمل مستويات متعددة من المشاعر، تجمع بين الحب والفقدان، وإنني أريد ان اتعرف عليها عن قرب، وبالفعل بدأت في التواصل معها عن فكرة الفيلم، وقولت لها إنني اريد ان اتعرف على قصتهما وعلاقتهما، وبالفعل بدأنا نحكي، وبدأت قصة الفيلم تتبلور.
ومن أين جائتك فكرة الفيلم عن علاقة "ثريا" و "مارون" ؟
الفيلم لم يكن مكتوباً مسبقاً، بل تشكّل تدريجيًا من خلال جلسات طويلة من الحوار بيني وبين ثريا، ومع الوقت بدأ بتسجيل هذه المحادثات التي تحوّلت لاحقًا إلى المادة الأساسية للفيلم، حيث كنا نتحدث لأكثر من سنتين، وصوّرنا في بيروت أثناء وصلها، بالإضافة لمحادثات كانت عبر الانترنت، وكانت التحديات الكبرى تكمن في جمع أرشيف مارون مع المشاهد المصوّرة والمحادثات، خاصة إننا صورنا ما يتخطى الـ 150 ساعة.
ولكن طوال 4 سنوات.. ألم ترى إنها مدة طويلة لتقديم فيلماً وثائقياً؟
لا . فبالرغم إننا كنا نحكي كثيراً، ولكن على فترات، بمعنى اننا ممكن نتحدث 3 و4 مرات في نفس الشهر، وأوقات أخرى لا تدور مكالمة بيننا لمدة شهر، وخاصة مثلما ذكرت إنني لم أكن اعلم فكرة الفيلم، فنحن مع كل مكالمة بيننا، نكتشف شيء وبكل مرحلة من مراحل الفيلم ومشاهدتى للتسجيلات اكتشف أشياء أخرى.
كم نسخة تم تحضيرها تقديمها للفيلم ؟
لا أحسبها بهذا الشكل الفيلم تم تنفيذه على مدار سنة ونص وفي كل مرة يتم تنفيذه فيه ننظر إليه بنظرة مختلفة، ونجد أشياء جديدة ورؤى مختلفة ظهرت أمامنا.
هل كانت "ثريا" شخصية صعبة في اقناعها؟
ليس فكرة إقناع إنما هو مشروع وجميعنا تم سحبنا إليه اتفهم بالتأكيد ان داخلها في البداية كانت هناك مخاوف، لأننا سنتحدث عن شيء شخصي في حياتها والأمر لم يكن سهلاً، ولكن كان علي ان اجعلها تثق فيا، وخاصة إنني لا اتحدث عن قصتهما من جانب الفضول او افرض حكايات معينة أريدها منها، بل بالعكس كان الفيلم مبنياً بطريقة عفوية، عبارة عن تجربة حوار وجميعنا شعرنا بالسعادة.
برأيك ما سر حب الجمهور للفيلم ؟
قوة الفيلم هو إننا لم نفكر منذ البداية إننا سنقدم فيلماً فنحن كنا نحكي في كثير من القصص، ولم نترك شيء لم نتحدث عنه سواء بعلاقتها بمارون أو بالعمل والأسرة، ومع مرور الوقت تكون الفيلم شيئاً فشيئاً ليصبح أكبر من مجرد شخص يعيد قراءة حياته".
هل كنت تضع محاور أساسية في الحديث بينكما ؟
نهائياً ولا مرة تحدث معها وكنت اعلم ماذا نقول .
وما هي أصعب مرحلة في العمل ؟
تجربة الفيلم جميعها مختلفة ولكن أكثر شيء بالتأكيد هو تجميع كل هذه المحادثات والاتفاق على خط درامي معين، ونربط عدد من القصص والحواديت ببعضها، فهذا الأمر استغرق مجهوداً كبيراً، وخاصة إننا في كل مرة نشاهد تفاصيل جديدة تلفت نظرنا لأمور أخرى، ولكن بالاخير النسخة النهائية هي التي تتناسب العمل الفني .
حدثينا عن صعوبات العمل على الفيلم لمدة 4 سنوات كاملة ؟
خلال الـ 4 سنوات مررنا بأشياء عديدة كأشخاص قبل ما نكون صناع عمل وفريق كبير، وكانت البداية ان هناك من يدخلوا ويخرجوا على العملية الإنتاجية خلال فترة الفيلم، ولكن منهم إيقاعه واستيعابه للحدوتة، بالإضافة لمراحل الفيلم العديدة، ومساحة المخرج حتى يستطيع ان يفكر بشكل مختلف، ويشاهد كل ما يصوره على فترات حتى تكتمل رؤيته حول العمل.
ألم ترى أن فكرة الفيلم مجازفة غير مضمونة؟
أي عمل سينمائي مجازفة، وبطلة الفيلم نفسها "ثريا" جازفت، والمخرج جازف، جميعنا خوضنا التجربة بجب وشغف، ومادام الأساس موجود مثل الموهبة والوضوح والفكر خلف التنفيذ، هؤلاء أشياء تستطيع ان تبني أشياء من ورائها، وكل هذه الجهود تتضافر لتكتمل العمية الفنية.
ما هي الصعوبات التي واجهتك أثناء التنفيذ؟
صراحة ليس أمر واحد، ولكن أكثر شيء صعب إننا نقوم بالعمل مع "ثريا" بهذه الحساسية والرقة، وكسب ثقتها واحترامها، فبالرغم من معرفة نيكولا لها قبلي بعام، ولكنني عندما عرض علي الفكرة أحببتها، وكان يجب علي ان ابني ثقة معها وعلاقة بيننا، لانها شريكة أساسية معنا في الفيلم، فهي التي تدور حولها كل شيء، وهذا بالإضافة للوضع السياسي بالمنطقة، وكل يوم يجعلني اسئل نفسي" اية النوع السردية اللي بعمله؟"، "هل دة اللي الناس عايزاه"، وبالأخير أرد على نفسي وأميل للقصص الشخصية.
الإنتاج دائما تكون نظرته تجارية وخاصة بالجمهور.. ألم تفكري في هذا الأمر؟
بالتأكيد أفكر فيه، ولكنه ليس أول شيء، لانني يهمني القصة ومدى تماسكها في العرض، والشق الإبداعي الخاص بالمخرج، وإذا استطعنا ان نجمع كل هؤلاء بشكل صادق ورحلة بها جديد، سيسهل علينا الوصول للجماهير بشكل أسرع.
ما هي خطة الفيلم القادمة؟
الفيلم سيتم عرضه في مهرجانات أخرى، سواء في أوروبا أو أسبانيا وأمريكا، ولكنني لا استطيع الإفصاح عن أي شيء حالياً.
اترك تعليق