كشفت دراسة علمية حديثة أجراها باحثون من مركز "ويل كورنيل" الطبي في الولايات المتحدة عن آلية جديدة وخطيرة توضح كيف يتسبب ارتفاع ضغط الدم في إضعاف الدماغ وظهور مشاكل الذاكرة حتى قبل أن يلاحظ المريض أي علامات خارجية. وتشير النتائج إلى أن الضرر العصبي قد يبدأ مبكرًا جدًا، وأن الخلايا الدماغية تتأثر مباشرة بالمواد المنظمة للضغط وليس بارتفاع الضغط نفسه فقط.
ووفقًا للبحث، قام العلماء بمحاكاة تأثيرات ارتفاع الضغط عبر تعريض الفئران لهرمون الأنجيوتنسين 2، وهو هرمون معروف بدوره في تنظيم ضغط الدم. وما كان لافتًا هو ظهور تغيّرات واضحة داخل الدماغ بعد أيام قليلة فقط من التعرض للهرمون، رغم بقاء ضغط الدم في الحدود الطبيعية. فقد بدت علامات "الشيخوخة الخلوية" على الخلايا التي تبطّن الأوعية الدقيقة في الدماغ، ما أضعف قدرتها على حماية الحاجز الدماغي الوعائي. كما سجّل الباحثون انخفاضًا في نشاط خلايا عصبية مسؤولة عن توازن الإشارات داخل الدماغ، إضافة إلى تباطؤ نمو خلايا تساعد على تكوين طبقة الميالين الضرورية لحماية الأعصاب.
ومع استمرار التعرض للهرمون، ظهرت لاحقًا اضطرابات إدراكية واضحة لدى الفئران، شملت تباطؤ الإشارات العصبية واضطرابًا في عمل الميتوكوندريا، وهي المحرك الرئيسي للطاقة داخل الخلايا. هذه النتائج تؤكد أن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في ارتفاع الضغط كرقم، بل في التغيرات الحيوية التي يحدثها الأنجيوتنسين 2 داخل الخلايا العصبية والوعائية، ما قد يفسر تدهور الذاكرة والتركيز لدى كثير من مرضى ارتفاع الضغط حتى لو كانت قياساتهم تبدو "مطمئنة".
ويرى العلماء أن هذا الاكتشاف قد يمهّد الطريق لابتكار طرق تشخيص مبكرة وعلاجات تستهدف مسار التلف قبل تطوره، ما قد يُحدث نقلة نوعية في الوقاية من الخرف والأمراض الإدراكية المرتبطة بارتفاع ضغط الدم.
اترك تعليق