أشارت الأبحاث الحديثة إلى أن السعادة لا تغيّر الشكل البنيوي للدماغ، بل تعدّل طريقة عمله من خلال تغييرات في نشاط الخلايا العصبية والدوائر الدماغية. فالتجارب السارة تؤثر على القشرة الجبهية الأمامية، والنواة المتكئة، واللوزة الدماغية، مما يعزز التفكير الإيجابي ويقلّل القلق ويزيد شعور الرضا.
تلعب النواقل العصبية مثل الدوبامين والسيروتونين والإندورفين دوراً محورياً في هذه العمليات، إذ تعيد تنظيم الشبكات العصبية مؤقتًا، ومع تكرار التجارب الإيجابية تتقوى هذه المسارات، ما يمنح الدماغ مرونة أكبر في التكيف مع الضغوط النفسية والحفاظ على الاستقرار الانفعالي.
القشرة الجبهية الأمامية تزداد نشاطاً وتصبح أكثر حيوية، ما يساعد على التفكير المنطقي وتنظيم المشاعر واتخاذ قرارات إيجابية بنظرة أكثر تفاؤلاً.
النواة المتكئة، مركز نظام المكافأة العصبي، تفرز كميات أعلى من الدوبامين، الناقل الذي يمنح الشعور بالرضا بعد الإنجاز أو الدعم النفسي.
اللوزة الدماغية، المسؤولة عن معالجة الانفعالات السلبية، تهدأ استجابتها في لحظات البهجة، فيزول القلق والخوف ويعلو شعور السكينة.
لا يظهر ذلك كاختلاف في الشكل، بل يمكن مشاهدته في التصوير الوظيفي كإشارات لونية ترمز إلى زيادة تدفّق الدم في المناطق النشطة، وهي تمثيلات رقمية وليست ألواناً حقيقية في الدماغ.
أشارت الدراسات إلى أن لحظات الفرح تفرز داخل الدماغ دفقة من الدوبامين والسيروتونين والإندورفين، وهي مواد تعمل معاً على تهدئة الإشارات العصبية الزائدة وتنشيط مراكز المكافأة، ما يمنح الإنسان شعوراً بالطمأنينة والثقة.
هذه التفاعلات لا تغيّر شكل الدماغ، لكنها تعيد رسم خريطة الاتصالات بين الخلايا العصبية بشكل مؤقت، ومع التكرار تقوّى المسارات وتظهر مرونة عصبية تسمح للدماغ بإعادة ترتيب نفسه استجابة للتجارب المتكررة.
لا يمكن للسعادة أن تلغي بقية المشاعر، لكنها توازن الشبكات العصبية بين مناطق القلق ومناطق المكافأة وتمنح إحساساً بالهدوء الداخلي والاستقرار الانفعالي خصوصاً في أوقات الضغط.
عندما يمر الإنسان بفترات ضغط نفسي، ينخفض مستوى النواقل الكيميائية الإيجابية ويعلو نشاط اللوزة الدماغية المسؤولة عن الخوف، أما مع المشاعر الإيجابية فإن الدماغ يعيد توزيع نشاطه بشكل أكثر استقراراً.
ويوضح ذلك أن الإفراز المستمر للدوبامين والسيروتونين يساعد في التكيّف مع الضغوط النفسية ويمنح المرونة الذهنية على المدى الطويل.
اترك تعليق