لم تتوقف الحفريات عن مفاجأتنا يومًا. فبين الصخور القديمة في جنوب أفريقيا، تقبع أدلة تكشف شيئًا فشيئًا عن قصة نشأتنا الأولى، وكيف سار أجدادنا على طريق التطور البشري. والآن، بفضل تقنيات علمية متطورة، تمكن الباحثون من استخراج أقدم دلائل جزيئية على الإطلاق من قارة أفريقيا، ما أضاف فصلًا جديدًا ومثيرًا لتاريخ الإنسان القديم.
بحسب ما نشره موقع Science Daily، نجح فريق من العلماء الأفارقة والأوروبيين في تحليل بروتينات محفوظة داخل مينا أسنان تعود إلى نوع من أشباه البشر يُعرف باسم بارانثروبوس روبستوس (Paranthropus robustus)، عاش في جنوب أفريقيا قبل نحو مليوني عام.
يُعد هذا الاكتشاف خطوة رائدة، إذ يُمثل أقدم دليل جزيئي يُستخرج من القارة الأفريقية حتى الآن. وأوضح الباحثون أن بقاء البروتينات داخل مينا الأسنان، بخلاف الحمض النووي الذي يتلف سريعًا في المناخات الدافئة، أتاح لهم دراسة العلاقات التطورية بين أقارب الإنسان الأوائل بطريقة غير مسبوقة.
وكشفت التحليلات أن اثنين من هذه الأحافير تعودان لذكور، واثنتين لإناث، كما أظهرت اختلافات جينية دقيقة في البروتينات المسؤولة عن تكوين المينا. بعض العينات حملت تسلسلات مشابهة لما لدى البشر والشمبانزي، بينما تميزت أخرى بنسخ فريدة خاصة بـبارانثروبوس. والأكثر إدهاشًا أن إحدى الأسنان أظهرت نوعين من الأحماض الأمينية في الجين نفسه، ما قدّم أول دليل على وجود تباين زيجوتي في أحافير عمرها أكثر من مليوني سنة.
تشير هذه النتائج إلى أن P. robustus ربما لم يكن نوعًا واحدًا متجانسًا، بل مجموعة من تجمعات سكانية متباينة جينيًا تطورت في فترات مختلفة. ويقول الباحثون إن الجمع بين هذه البيانات الجزيئية والملاحظات التشريحية يفتح الباب أمام فهم أعمق لتاريخ تطور الإنسان المبكر.
وأكد الفريق أن جميع مراحل البحث أُجريت بالتعاون مع مختبرات وجامعات أفريقية، وبما يتوافق مع القوانين المحلية لحماية التراث الأحفوري. ويُعد هذا التعاون مثالًا على تعزيز الدور العلمي لأفريقيا في دراسة أصول الإنسان، بعيدًا عن النماذج الاستعمارية القديمة التي كانت تُقصي العلماء المحليين من المشهد.
ويأمل الباحثون أن تفتح هذه الدراسة الباب أمام مشروعات جديدة تستكشف بروتينات أحفورية من مواقع أخرى بالقارة، لرسم خريطة أوضح لتنوع الإنسان القديم وتطوره. فالنتائج الأخيرة، كما يؤكد العلماء، تُظهر أن شجرة عائلتنا القديمة كانت أعقد وأغنى مما كنا نتصور.
اترك تعليق