في وقت تتراجع فيه النماذج التي تُجسّد المعنى الحقيقي للتضحية والعطاء، يبرز اسم أحمد جاد من محافظة أسوان ليضيء مشهد الأبوة الحقيقية في أبهى صورها، بعدما تحوّلت رحلته إلى قصة كفاح إنسانية نادرة تُروى بفخر للأجيال.
شهدت الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي احتفالية "الأب القدوة" التي نظمتها الوزارة بالتعاون مع إحدى المؤسسات، لتكريم نماذج إنسانية مشرفة لآباء قدّموا حياتهم من أجل أسرهم، ونجحوا في بناء أجيال تقوم على القيم والعلم والمسؤولية.
ومن بين المكرمين في مبادرة الأب القدوة لعام 2025، جاء السيد أحمد جاد من أسوان ضمن فئة "أب قدوة طبيعي"، تقديرًا لمسيرته الحافلة بالعطاء الإنساني ومسؤوليته الممتدة التي لم تتوقف عند حدود أسرته فقط.
بدأت رحلة أحمد جاد منذ طفولته حين اضطر لتحمّل مسؤولية أسرته بعد وفاة والده، فكان السند لأمه ولإخوته الصغار، متعلّمًا معنى الرجولة والاعتماد على النفس مبكرًا. ومع مرور السنوات، لم ينسَ أحمد تلك الدروس التي صاغتها الحياة في وجدانه، فحين تزوّج ورُزق بثلاثة أبناء، عاش أبًا مثاليًا يزرع فيهم قيم الصبر والعمل والاجتهاد.
لكن القدر شاء أن يضع أمامه امتحانًا جديدًا، حين توفي شقيقه تاركًا وراءه سبعة أبناء بلا معيل. لم يتردد أحمد لحظة واحدة، ففتح قلبه وبيته لهم جميعًا، وقرّر أن يكون لهم أبًا قبل أن يكون عمًّا. جمع بين تربية أبنائه الثلاثة وأبناء شقيقه السبعة، ليصبح مسؤولًا عن عشرة أبناء دفعة واحدة، يتحمّل أعباء الحياة وحده دون شكوى أو تراجع.
تحوّل هذا البيت الكبير الذي جمع عشرة أطفال إلى مدرسة للقيم والرحمة. لم يعرف أحمد جاد طريق الراحة، بل جعل كل جهده من أجل مستقبلهم، متنقلًا بين عمله ومسؤولياته، مؤمنًا أن التعليم هو الباب الأوسع للكرامة والنجاح. وبالفعل، أثمرت تضحياته عن قصص نجاح متعددة؛ إذ حصلت ابنته الكبرى على ليسانس دراسات إسلامية، ونال ابنه الثاني بكالوريوس خدمة اجتماعية، بينما واصلت ابنته الثالثة طريقها لتحصل على بكالوريوس تربية وطفولة، فيما واصل أبناء شقيقه مسيرتهم الدراسية حتى تخرجوا والتحقوا بوظائف محترمة.
قصة أحمد جاد ليست مجرد حكاية أب تحمل أعباء عائلتين، بل هي ملحمة إنسانية عن رجل آمن بأن العائلة لا تُقاس بالدم فقط، بل بالموقف والمروءة والحب الصادق. هو مثال حيّ على أن القدوة لا تُصنع بالكلمات، بل تُبنى بالفعل والإصرار والإيمان بأن "من يعطي لا يخسر".
وقد أكد تكريمه في مبادرة "الأب القدوة" أن المجتمع لا ينسى رموزه الصامتة، وأن التضامن الإنساني هو جوهر التماسك الأسري الذي تسعى الدولة لترسيخه في كل بيت مصري.
وشهدت الاحتفالية حضور أيمن عبد الموجود الوكيل الدائم لوزارة التضامن الاجتماعي، والدكتور محمد العقبي مساعد وزيرة التضامن الاجتماعي، وهشام محمد مدير مكتب وزيرة التضامن الاجتماعي، ومنى الشبراوي رئيس الإدارة المركزية لشئون الأسرة والمرأة، ونرمين منصور مدير عام الإدارة العامة لشؤون تنمية الأسرة، إلى جانب رؤساء الإدارات المركزية ومديري المديريات.
قصة أحمد جاد من أسوان تظل شاهدًا على أن الأب الحقيقي لا يُقاس بما يملك، بل بما يمنح، وأن البطولة ليست في الصخب، بل في الصبر والعمل بصمت من أجل الآخرين.
اترك تعليق