في خطوة قد تغيّر مستقبل مكافحة العدوى المقاومة للأدوية، تمكن فريق دولي من العلماء من اكتشاف مضاد حيوي جديد يتمتع بفعالية مذهلة ضد أخطر أنواع البكتيريا المقاومة، ما يمنح الأمل في مواجهة أزمة طبية تهدد حياة الملايين حول العالم.
نجح علماء الكيمياء في جامعتي وارويك وموناش في تحديد مضاد حيوي جديد واعد يُعرف باسم بري-ميثيلينوميسين سي لاكتون، قادر على مكافحة الالتهابات البكتيرية المقاومة للأدوية، بما في ذلك MRSA وVRE، وهما من أخطر أنواع العدوى في المستشفيات.
تُعد مقاومة مضادات الميكروبات (AMR) أحد أكبر التهديدات الصحية في القرن الحادي والعشرين، وسط تحذيرات منظمة الصحة العالمية من ندرة الأدوية الجديدة قيد التطوير وارتفاع تكلفتها وضعف الاستثمار فيها.
وفق "ساينس ديلي" في دراسة نُشرت في مجلة الجمعية الكيميائية الأمريكية، كشف الباحثون أن هذا المضاد الجديد كان "مختبئًا على مرأى من الجميع" كمركّب وسيط في العملية الطبيعية لتكوين المضاد المعروف ميثيلينوميسين أ.
وأوضح البروفيسور جريج تشاليس، من قسم الكيمياء بجامعة وارويك، أن الفريق تمكّن من حذف الجينات المسؤولة عن إنتاج المضاد الحيوي الطبيعي، ليكتشف مادّتين وسيطتين غير معروفتين سابقًا، تتمتعان بقدرة مضادة للبكتيريا تفوق ميثيلينوميسين أ بأكثر من مئة مرة.
وخلال التجارب، أظهر لاكتون ما قبل ميثيلينوميسين سي فعالية كبيرة ضد المكورات العنقودية الذهبية والمعوية البرازية، وهما المسببان الرئيسيان لعدوى MRSA وVRE.
من جانبها، قالت الدكتورة لونا الخلف، الأستاذة المساعدة في جامعة وارويك:"من المدهش أن نجد مضادًا حيويًا قويًا كهذا في بكتيريا مدروسة منذ عقود، مثل ستربتوميسيس كويليكولور. هذا يثبت أن الطبيعة لا تزال تخفي كنوزًا علاجية لم تُكتشف بعد."
وأضافت الخلف أن هذا الاكتشاف يفتح بابًا جديدًا لفهم تطور البكتيريا المنتجة للمضادات الحيوية، إذ يُعتقد أن الكائنات المنتجة تطورت لتصنع نسخة أضعف لأسباب بيولوجية معقدة.
الأبحاث أثبتت أيضًا أن البكتيريا لا تطور مقاومة ضد بريميثيلينوميسين سي لاكتون بسهولة، حتى في الظروف التي عادة ما تُسبب مقاومة للفانكومايسين، وهو آخر خط دفاع علاجي أمام العدوى الشديدة.
وأكد البروفيسور تشاليس أن هذه النتائج تمثل "نموذجًا جديدًا في اكتشاف المضادات الحيوية"، يقوم على دراسة المركبات الوسيطة في المسارات الطبيعية لإنتاج الأدوية، بدلاً من البحث فقط عن الجزيئات النهائية.
وفي مرحلة التطوير القادمة، سيخضع المركّب لاختبارات ما قبل السريرية، بعد أن نجح فريق بقيادة البروفيسور ديفيد لوبتون من جامعة موناش في تطوير طريقة تركيب كيميائي قابلة للتوسع تسمح بإنتاج كميات كافية لأبحاث أعمق.
وقال لوبتون:"سنتمكن من دراسة العلاقة بين تركيب المركب وفعاليته وآلية عمله، مما قد يقود إلى تطوير نظائر أكثر فاعلية في المستقبل."
ويأمل الباحثون أن يؤدي هذا المركب الواعد إلى إنقاذ حياة أكثر من 1.1 مليون شخص يفقدون حياتهم سنويًا بسبب العدوى المقاومة للمضادات الحيوية.
اترك تعليق