فى قرية هادئة على أطراف بحر البقر بمركز الحسينية في محافظة الشرقية، لم يكن أحد يتخيل أن الدموع الغزيرة التي سكبتها "رضا" في جنازة زوجها، كانت دموعًا من نوع آخر.. دموعًا تُخفي خلفها نارًا اشتعلت في الجسد والروح.
خلف ستائر بيت بسيط، عاشت الزوجة الستينية سنوات طويلة من القسوة والإهانة، حتى تحولت أنوثتها إلى رمادٍ باردٍ وصبرها إلى جمرٍ متقد، قبل أن تتخذ قرارًا قاسيًا أنهى حياة زوجها "فرج. ال" صاحب الـ63 عامًا، وحوّل القرية إلى مسرح لجريمة هزّت القلوب.
بداية الشك.. جنازة لم تُطفئ النار
في الساعات الأولى من صباح الجريمة استيقظ أهالي قرية بحر البقر على رائحة حريقٍ غامض تنبعث من منزل الزوجين.
تدفّق الجيران مذعورين ليجدوا الجسد المحترق لـ"فرج" على فراشه، بدا المشهد في البداية حادثًا عرضيًا؛ النيران التهمت كل شيء، والزوجة المفجوعة تصرخ وتنتحب أمام الجميع، تستقبل العزاء بعينين دامعتين وقلبٍ باردٍ يخبئ السرّ الكبير.
لكنّ رجال المباحث لم يقتنعوا بالدموع، فكل شيء في مسرح الجريمة كان يقول عكس ما ترويه الزوجة.
تحريات دقيقة، وشهادات من الجيران كشفت أن "رضا" كانت تعيش حياة تعيسة مليئة بالعنف النفسي والجسدي، وأن علاقتها بزوجها كانت على وشك الانفجار منذ شهور.
اعتراف بين الرماد
بعد أيام من التحقيقات المكثفة، توصل فريق البحث الجنائي بقيادة المقدم هشام عبد الحميد، رئيس مباحث الحسينية، إلى مفاجأة مدوية:
الزوجة نفسها هي من أشعلت النار في زوجها أثناء نومه بعد أن ضربته بحجرٍ على رأسه لتتأكد من عدم استيقاظه.
وبمواجهتها بالأدلة، انهارت وانهالت بالاعتراف: “ماكنتش قادرة أتحمل قسوته أكتر من كده.. كل يوم إهانة.. كل يوم وجع.. كنت بموت بالبطئ.”
قرار النيابة.. والعدالة تفتح أعينها
تم ضبط المتهمة والتحفظ عليها تحت تصرف النيابة العامة، التي قررت حبسها 15 يومًا على ذمة التحقيقات، بعد أن وجهت إليها تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار.
وأمرت النيابة باستكمال التحريات الفنية ورفع الأدلة الجنائية من موقع الحريق الذي تحول إلى رمزٍ مأساوي لانهيار آخر خيوط الرحمة داخل بيتٍ كان يُفترض أن يكون مأوى للحب والأمان.
القرية تودّع الرجل.. والضمير يودّع الإنسانية
في عزبة صغيرة تتوسط الحقول، ما زال الأهالي يتحدثون عن الجريمة بين الذهول والأسى.
يقول أحد الجيران: “كانت ست طيبة على طول ساكتة، محدش كان يعرف النار اللي جواها.”
هكذا تنتهي القصة، لكن تبقى أسئلتها مفتوحة:
كم من بيوتٍ تُخفي وراء جدرانها وجعًا يشبه هذا؟ وكم من زوجاتٍ يبكين ظلمًا، قبل أن تتحول دموعهن إلى شرارةٍ تُشعل المأساة؟
اترك تعليق