لا تزال الإسماعيلية تعيش تحت وطأة الصدمة التى أحدثتها جريمة مقتل طفل وتقطيع جثمانه على يد زميله "يوسف" (13 عامًا)، لكن القصة، بكل ما تحمله من وحشية موثقة في اعترافات الجاني، لم تغلق بعد في وجدان الناس أو في مكاتب المحامين، فبشاعة التنفيذ والدقة في التخلص من الجثة، تفوق بكثير ما يمكن أن يرتكبه طفل بمفرده، مما يضع سيناريو "الجاني الوحيد" محل شكوك قانونية ومجتمعية عميقة.
في الأوساط القانونية بالإسماعيلية، دارت همسات حول مدى "معقولية" الواقعة بأكملها. المحامي أشرف العاصي، أحد كبار المحامين في الإسماعيلية، وفي سياق تحليلات قانونية عامة حول طبيعة هذه الجرائم، يؤكد أن القانون ينظر بعين الاعتبار إلى سن المتهم، مُشدداً على أن قانون الطفل المصري يختلف جذريًا في التعامل مع الأحداث، "العقوبة هنا ليست انتقامًا، بقدر ما هي تهذيب وإصلاح، لكن أمام جريمة بهذا القدر من التخطيط والتنفيذ البشع باستخدام أدوات مثل الصاروخ الكهربائي، لا بد للنيابة أن تدقق في كل صغيرة وكبيرة.
ومن جانبه، يرى المحامي عمرو توفيق، الذي يتابع مستجدات القضايا التي تثير الرأي العام، أن اعتراف الحدث، حتى لو كان تفصيليًا ومقترنًا بتمثيل الجريمة، لا يمكن أن يكون الكلمة الفصل ما لم يُدعم بتحقيق معمق في خلفيات الوقائع. ويضيف: "استخدام الصاروخ أو المنشار الكهربائي لتقطيع الجثة بهذه الدقة يتطلب قوة جسدية ومهارة معينة، أو على الأقل برودة أعصاب غير متوقعة في هذا السن، القانون هنا سيطرح تساؤلاً جوهرياً: هل كان هناك مُحرض؟ هل كان هناك مُساعد؟ أو على الأقل، هل كان هناك توجيه أو علم مسبق من شخص كبير.
التركيز القانوني الآن سينصب على محورين: الحالة النفسية للمتهم (الحدث)، ومدى أهليته للجريمة، والتحقق من وجود شركاء أو مساهمين في مرحلة ما بعد القتل، خاصة في عمليات التقطيع والتخلص من الجثة. فالطريقة المستوحاة من فيلم "ديكستر"، كما زُعم، تثير الشكوك حول تأثير خارجي عنيف على عقلية هذا الطفل.
في منطقة المحطة الجديدة حيث مسرح الجريمة، يسود اعتقاد راسخ لدى الجيران والأهالي بأن "يوسف" لم يرتكب هذه الجريمة بمفرده. أصواتهم امتزجت بالذهول والحزن، مؤكدة أن الأمر أكبر من مشاجرة بين طفلين انتهت بـ"الجاكوش" والقتل.
سلوى محمود علي "، إحدى الجارات، قالت والدموع تملأ عينيها: "يوسف طفل هادئ. صحيح أنه يقضي وقتاً طويلاً بمفرده، لكن من أين له هذه القوة وهذا التفكير الشيطاني؟ تقطيع جثة بـ صاروخ ووضعها في أكياس ونقلها لأماكن متفرقة؟ لا يمكن أن يكون هذا عملاً فردياً. يجب أن يكون هناك حد كبير ساعده، أو شخص آخر دفعه أو شجعه".
سعيد النجار، أحد كبار المنطقة، أضاف "نحن هنا في حى المحطة الجديدة مجتمع بسيط. هذه الأفعال لا تأتي من فراغ، الشكوك تدور حول الظروف المحيطة بغياب الأب طوال اليوم، حتى لو كان الفيلم هو الملهم، فتنفيذ الفكرة بهذه الدقة يحتاج إلى تخطيط وإمكانيات تتجاوز طفلًا في الثالثة عشرة. نتوقع أن تكشف تحقيقات النيابة العامة عن خيوط جديدة بخصوص وجود شركاء في عملية إخفاء الجثة أو حتى التخطيط للجريمة".
التركيز ينصب تحديداً على عملية التقطيع والتخلص من الأشلاء. فهل يمكن لطفل، حتى لو كان عنيفاً، أن يحمل أدوات ثقيلة كالصاروخ الكهربائي، ويستخدمها، ثم يحمل أجزاء الجثمان بنفسه ويتخلص منها دون أن يراه أحد أو يشك فيه؟ هذه التساؤلات هي التي دفعت الرأي العام للتشكيك في سيناريو الجاني الأوحد.
في مواجهة هذه التكهنات القانونية والمجتمعية، تعمل النيابة العامة بصرامة على استكمال التحقيقات، فـ"التحريات حول ملابسات الواقعة وتحديد الدافع وراء ارتكاب الجريمة" لا تزال جارية. وقد أمرت النيابة بالتحفظ على مسرح الجريمة وإجراء معاينة دقيقة لمحتوياته، وانتداب الطبيب الشرعي لوضع تقرير مفصل حول سبب الوفاة وطبيعة الإصابات.
كما أن فحص الحالة النفسية للمتهم سيلعب دوراً حاسماً في تحديد مسؤوليته الجنائية وتصور المحكمة للواقعة. لكن المؤكد أن القصة لن تنتهي عند اعتراف "يوسف". فمجتمع الإسماعيلية ينتظر بشغف ما ستكشف عنه تحقيقات النيابة حول "اليد الخفية" التي ربما ساعدت أو وجهت هذا الطفل، لتغلق بذلك باب التكهنات المفتوح على مصراعيه بعد جريمة هزت براءتهم ودفعت بهم إلى التساؤل عن حدود الشر وعمق الهاوية في مجتمعهم.
كانت محافظة الإسماعيلية عاشت في حالة من الذهول والأسى بعد الكشف عن تفاصيل واقعة مأساوية هزّت الرأي العام، تمثلت في مقتل الطفل محمد (12 عامًا) والتمثيل بجثته، على يد زميله في الدراسة يوسف (13 عامًا). الجريمة، التي فاقت بشاعتها كل تصور، بدأت أحداثها بين أسوار المدرسة لتنتهي في عتمة منزل المتهم، مُستوحاة من سيناريوهات أفلام الجريمة الأجنبية.
بدأت فصول المأساة مع العثور على أشلاء جثمان طفل في نطاق مركز الإسماعيلية، تحديدًا بجوار منطقة كارفور. على الفور، تلقى اللواء محمد عامر، مدير أمن الإسماعيلية، بلاغاً عاجلاً من اللواء أحمد عليان، مدير إدارة البحث الجنائي بالإسماعيلية، بالواقعة.
أمر اللواء احمد عليان بتشكيل فريق بحث لكشف غموض الجريمة البشعة، ترأسه العميد مصطفى عرفه، رئيس مباحث مديرية أمن الإسماعيلية. وضمّ الفريق كلًا من المقدم محمد هشام مفتش مباحث مركز الإسماعيلية، والمقدم أحمد جمال رئيس مباحث المركز، والمقدم عمرو الألفي، رئيس مباحث قسم أول الإسماعيلية، والنقيب محمود طارق معاون مباحث المركز، بالإضافة إلى عدد من ضباط المباحث ومعاونو رئيس مباحث قسم أول الإسماعيلية.
بدأت التحريات الأولية التي أجراها فريق البحث بتتبع آخر خطوات الطفل المجني عليه محمد. بفحص كاميرات المراقبة القريبة من المدرسة، تبين أن الطفل كان بصحبة زميله في الصف يوسف (13 عامًا).
عند استدعائه، ادعى يوسف أنه افترق عن صديقه بالقرب من أحد المطاعم بحي أول، لكن مراجعة الكاميرات كشفت كذب أقواله، حيث ظهر برفقة محمد حتى دخلا سوياً إلى منزله الكائن بمنطقة المحطة الجديدة التابعة لحي أول الإسماعيلية، ليختفي بعدها الطفل محمد تمامًا.
وأظهرت التحريات أن المتهم يوسف خرج من المنزل عدة مرات خلال اليوم، حاملاً أكياسًا سوداء، ومع تضييق الخناق، ومداهمة المنزل، عُثر على ملاية ملطخة بالدماء وكاب خاص بالمجني عليه،
وبمواجهة المتهم بالأدلة انهار يوسف واعترف بتفاصيل جريمته البشعة. أوضح أن مشادة نشبت بينه وبين زميله أثناء تواجدهما بالمنزل، تعدى خلالها الأخير عليه بـ«كاتر»، فقام يوسف بضربه بـ«جاكوش» (مطرقة) على الرأس حتى فارق الحياة.
هنا تبدأ تفاصيل الوحشية التي هزت الإسماعيلية، ففي غياب والده النجار الذي يتغيب عن المنزل طوال اليوم، استغل يوسف غيابه وشرع في تنفيذ سيناريو دموي استخدم يوسف في البداية "منشارًا كهربائيًا" لوالده لتقطيع الجثة إلى 6 أجزاء.
وكشفت التحريات بأنه أقدم على فعل إجرامي أكثر بشاعة؛ حيث قام باستخدام "صاروخ كهربائي" لتقطيع جثمان زميله إلى أشلاء صغيرة، لضمان التخلص منها بفعالية.
ووضع يوسف الأشلاء داخل أكياس سوداء، ألقى منها 4 أجزاء بجوار بحيرة كارفور، وجزئين داخل مبنى مهجور بالمنطقة.
وكما كشفت التحقيقات، أن المتهم استوحى طريقة تنفيذ الجريمة وتفاصيل التقطيع من مشاهدته لفيلم أجنبي بعنوان “ديكستر”، الذي تدور أحداثه حول قاتل متسلسل يقطع ضحاياه بنفس الطريقة.
انتقلت النيابة العامة على الفور إلى مسرح الجريمة بمنطقة المحطة الجديدة لإجراء معاينة تفصيلية للواقعة، وتم فرض كردون أمني حول موقع العثور على الأشلاء.
قررت النيابة العامة حبس المتهم (يوسف) على ذمة القضية،
وتكليف إدارة البحث الجنائي بمديرية أمن الإسماعيلية باستكمال التحريات حول ملابسات الواقعة وتحديد الدافع الحقيقي وراء ارتكاب الجريمة.
وسرعة فحص الحالة النفسية للمتهم، لتقييم مدى أهليته للجريمة في هذا السن.
كما قررت النيابة انتداب الطبيب الشرعي لإجراء الصفة التشريحية على جثمان الطفل لتحديد سبب الوفاة وتوقيتها وتقديم تقرير مفصل.
وكذلك التحفظ على مسرح الجريمة وإجراء معاينة دقيقة لمحتوياته.
وتم نقل جثمان الطفل إلى ثلاجة مستشفى جامعة الإسماعيلية تحت تصرف النيابة العامة، تمهيدًا للتشريح والتصريح بالدفن
تواصل النيابة العامة اتخاذ الإجراءات القانونية لكشف كل خيوط الجريمة البشعة التي هزّت الشارع الإسماعلاوي بأكمله، وبدأت تثير تساؤلات مجتمعية حول تأثير العنف المرئي على عقول الأطفال.
اترك تعليق