أصبح البروتين يتصدر قوائم الغذاء اليومية لكثيرين، وخصوصًا الرجال، باعتباره مفتاحًا لـ بناء العضلات والحفاظ على اللياقة. لكن خبراء التغذية يحذرون من أن التركيز المفرط على هذا العنصر الغذائي قد يؤدي إلى نتائج عكسية، صحية وخطيرة على المدى الطويل. فهل الإفراط في تناول البروتين مفيد حقًا؟ أم أن الاعتدال والتوازن هما الطريق الأمثل؟
فبحسب روب هوبسون، أخصائي التغذية المعتمد، فإن البروتين ضروري بلا شك لـ بناء العضلات والحفاظ على القوة وتجديد الأنسجة، إلا أنه ليس العنصر الغذائي الوحيد المهم، مشددا على أن الكربوهيدرات والدهون تلعبان دورا لا يقل أهمية في دعم وظائف الجسم اليومية.
وقال هوبسون: "في الواقع، يحصل معظم الناس بالفعل على أكثر من كفايتهم من البروتين، إذ يستهلك البالغون في المملكة المتحدة نحو 1.2 جرام لكل كيلوجرام من وزن الجسم يوميا، بينما توصي الإرشادات الرسمية بقرابة 0.75 جرام فقط".
ويُترجم ذلك إلى حوالي 60 جراما يوميا للرجال و54 جراما للنساء، بينما يحتاج من تجاوزوا الخمسين عاما إلى كمية أعلى قليلا بسبب ضعف امتصاص البروتين مع التقدم في العمر.
ورغم أن البروتين يعد حجر الأساس في بناء العضلات والعظام والأنسجة، إلا أن تناوله بكميات مفرطة قد يؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة. فعملية تكسير البروتين داخل الجسم تنتج فضلات مثل اليوريا والكالسيوم، التي تُصفّى عن طريق الكلى. ومع زيادة البروتين، تتعرض الكلى لضغط إضافي قد يسبب تكوّن حصوات أو فشلا كلويا مبكرا.
ويحذر هوبسون من أن الإفراط في البروتين لا يعني صحة أفضل، بل قد يأتي على حساب عناصر غذائية أساسية أخرى مثل الألياف والفيتامينات والمعادن، ما يخلّ بتوازن النظام الغذائي العام.
البروتين وسن اليأس
توضح الدكتورة فيديريكا أماتي، الباحثة في تطبيق الحمية الغذائية ZOE، أن احتياجات الجسم للبروتين تتغير بمرور الوقت، لكن ذلك لا يستدعي مضاعفة الاستهلاك. فخلال مرحلة انقطاع الطمث، تميل النساء إلى فقدان الكتلة العضلية والعظمية، إلا أن زيادة البروتين الحيواني وحدها لن تعالج المشكلة، بل قد تزيد من خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان.
وأظهرت دراسة أجريت بجامعة جنوب كاليفورنيا وشملت أكثر من 6000 شخص فوق سن الخمسين، أن اتباع نظام غذائي غني بالبروتين — يشكل فيه البروتين أكثر من 20% من السعرات اليومية — ارتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان والسكري والوفاة المبكرة.
وخلصت الدراسة إلى أن من يتناولون كميات مرتفعة من البروتين كانوا أكثر عرضة للوفاة بسبب السرطان أربع مرات مقارنة بمن يستهلكون كميات معتدلة.
وأشار البروفيسور تشارلز سوانتون، من مركز أبحاث السرطان في المملكة المتحدة، إلى أن اللحوم الحمراء والمصنّعة تزيد خطر الإصابة بسرطان الأمعاء، فيما أظهرت دراسات أخرى أن الإفراط في البروتين قد يحفّز نمو الأورام من خلال تنشيط مسارات خلوية مسؤولة عن النمو والانقسام.
كيف نحقق التوازن؟
بدلا من التركيز على كميات البروتين أو تتبع الأرقام، ينصح الخبراء بالاهتمام بتنوّع مصادر البروتين وجودتها.
ويقول هوبسون: "أفضل نهج هو الجمع بين البروتينات الحيوانية والنباتية مثل العدس والبيض والمكسرات والصويا والأسماك والدواجن ومنتجات الألبان".
فعلى سبيل المثال، يمكن لرشة من البذور والمكسرات على الزبادي صباحا أن توفّر أكثر من 10 غرامات من البروتين، بينما يحتوي صدر الدجاج الصغير على نحو 30 غراما، وهي كمية كافية لوجبة رئيسية.
وأوضح هوبسون: "المفتاح ليس في تناول المزيد من البروتين، بل في تناول البروتين الأفضل ضمن نظام غذائي متوازن. فالصحة لا تتحقق بالمبالغة في عنصر واحد، بل بالاعتدال والتنوع".
اترك تعليق