هناك العديد من الكلمات التي تم استعمالها في كتاب الله تعالي. كثيراً ما تفسَّر بمعني واحد. فمن ذلك كلمة "الإشفاق". والكثيرون يفسرونها بالخوف. ولكننا حينما نمعن النظر في آي القرآن الكريم نجد بوناً بينهما شاسعاً. فهذه الكلمة "الإشفاق" تكاد تقتصر استعمالاتها علي عباد الله تبارك وتعالي.
"وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ" والذين آمنوا مشفقون منها "أي الساعة". ومن هنا كان الإشفاق عناية مشوبة بخوف. وقد يغلب جانب هذا أو ذاك. أعني العناية أو الخوف حسب ما يقتضيه السياق. "إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ" يغلب فيه جانب العناية. "أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتي" يغلب فيه جانب الخوف.
وما أجمل ما قاله ابن فارس من أن الشين والفاء والقاف أصل واحد يدل علي رقة في الشيء. ثم يشتق منه. فمن ذلك قولهم: أشفقت من الأمر إذا رفقت وحاذرت.
ومن ذلك كلمة "وجل". فهذه الكلمة التي تفسر بالخوف. كذلك نجدها في كتاب الله تعالي تستعمل في سياق أخص من الخوف. فالوجل هو استشعار الخوف. وهو حالة نفسية تعرض للنفس عند بداية شيء ما. وحينما نمعن النظر فيما يشبه هذه المادة. بخاصة في حرفيها الأولين ندرك دقة المعني للكلمة من جهة. وما بين الكلمات العربية من وشائج القربي. وذلك مثل كلمات "وجس". وهي الإحساس بالشيء. و"وجد" و"وجف". فالوجل أحد مقدمات الخوف. قال تعالي: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ".
والقرآن الكريم وهو يأسرنا بروعة بيانه. وهو يحدثنا عن قصة إبراهيم عليه اسلام يذكر الوجل تارة والخوف تارة أخري.
وإجالة للفكر بعض الشيء. نجد أن كلاً من الكلمتين استعملت في مكانها اللائق بها الذي لا يصلح فيه غيرها. ففي سورة الحجر "وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامي عَلِيمي". وفي سورة الذاريات: "هلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامى قَوْمى مُّنكَرُونَ فَرَاغَ إِلَي أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلي سَمِيني فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ". فلقد ذكرت كلمة "الوجل" عند دخولهم وتسليمهم عليه. ولكن كلمة "الإيجاس بالخوف" جاءت في السياق القرآني بعد ذلك حينما امتنعوا عن الأكل.
وهكذا نجد أن كلاً من الوجل والخشية والإشفاق لا يمكن أن تفسر بالخوف.
لغويات
التلاوة والقراءة:
التلاوة لا تكون إلا لكلمتين فصاعدا. والقراءة تكون للكلمة الواحدة يقال قرأ فلان اسمه ولا يقال تلا اسمه وذلك أن أصل التلاوة اتباع الشيء يقال تلاه إذا تبعه فتكون التلاوة في الكلمات يتبع بعضها بعضا. ولا تكون في الكلمة الواحدة إذ لا يصح فيه التلو.
اترك تعليق