هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

خطيب المسجد الحرام: ما يعني المرء هو كل ما يضيف إلى حياته الدينية

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة، المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه وتجنب مساخطه ومناهيه.


و قال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام بمكة المكرمة ، إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا خَلَقَ الإِنسانَ وكَرَّمَهُ، وَمَازَهُ وفَضَّلَهُ، زَيَّنَهُ بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَحَلَّاهُ بِنِعْمَةِ النَّظَرِ والإِمْعَانِ، وجَعَلَ كمالَهُ بِقَدْرِ مَا حَصَّلَ مِن التَّقْوَى والاتزانِ، وَنُقْصَانَهُ بِقَدْرِ مَا اتَّصَفَ بِهِ مِنَ الخِفَّةِ والعصيان، وإِنَّ مِن أَعظَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى كمال عقْلِ المَرْءِ ونُضْجِهِ، بَلْ، وعلَى وَرَعِهِ وَدِينِهِ، اشْتَغَالَهُ بِمَا يَعْنِيهِ، وَبُعْدَهُ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ، فَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٌّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ: مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ، تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ، وقالَ الإِمَامُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: "وقَدْ جَمَعَ النبيُّ الوَرَعَ كُلَّهُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ: مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ"، فَهَذَا يَعْمُ التَّرْكَ لِمَا لَا يَعْنِي مِنَ الكَلَامِ، والنَّظَرِ، وَالاسْتِمَاعِ، وَالبَطْشِ، وَالْمَشْيِ، وَالْفِكْرِ، وَسَائِرِ الحَرَكَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ، فَهَذِهِ الكَلِمَةُ شَافِيَةٌ فِي الوَرَعِ"، مبينًا أن المَقْصُودُ بِحُسنِ الإِسلام في هذا السياق، كمالُهُ الواجب، الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى الإِحْلَالِ بِهِ نُقْصُ فِي الدين، وضعف في الإيمان، وليس أصل الإسلام، الَّذِي ليسَ بَعدَهُ إِلَّا الكُفْرُ.
وأشار إلى أن ما يعني المرءَ، هُو كُلُّ ما يَهُمُّهُ ويَنْفَعُهُ ويُضِيفُ إلى حياتِهِ الدِّينِيَّةِ قِيمَةً وَفَائِدَةً وَثَوَابًا، مِمَّا يُقَرِّبُهُ إِلى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، مِنَ العلمِ النَّافِعِ، والعَمَلِ الصَّالِحِ، وكَثَرَةِ الذِّكْرِ، وقراءة القرآنِ، وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ، ونوافل العبادات، والإحسان إلى الخَلْقِ، وإِلى حَيَاتِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ، مِن مَصَالِحِهِ الَّتِي لَا تَسْتَقِيمُ الحياةُ إِلَّا بها، مِنَ الكَسْبِ الحَلالِ، وَالقِيامِ عَلَى شُؤُونِ الأَهْلِ والأَبْنَاءِ، وَمَا هُوَ مِنْ صَمِيمِ مَسْئُولِيَّتِهِ، تُجَاهَ وَطَنِهِ ومجتمعه، وَمَا لَا يَعْنِي المَرْءَ- عِبَادَ الله- هُوَ كُلُّ مَا لَا يَنْفَعُهُ فِي دِينِهِ وَلا دُنْيَاهُ، وَفِي الاشْتِعَالِ بِهِ مَضْيَعَةٌ لِلأَوقَاتِ، وتفويت للحسَناتِ، وكَسْبٌ للسَّيِّئَاتِ، مِنَ الكَلَامِ فِي شُؤُونِ الآخَرِينَ، والتَّنْقِيبِ عَن أحوالهم، والتدخُلِ فِي خُصُوصِيَّاتِهِم، الَّتِي تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وكثرَةِ الجِدَالِ والمِرَاءِ، وَتَتَّبِعِ العَوْرَاتِ وَالعُيُوبِ، مِمَّا لَا يَحِلُّ رُؤْيَتُهُ وَلَا سَمَاعُهُ، فَالسَّلَامَةُ لَا يَعْدِلها شَيْءٌ، إِلَّا أَن يُسْتَشارَ الْمُؤْمِنُ، فَعَلَيْهِ حِينَهَا أَن يُخْلِصَ لِعِبَادِ اللهِ فِي النَّصِيحَةِ، فَأَعْظَمُ الغِشُ الغِشْ فِي النُّصْحِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ".
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام، على أنه مما يَنْبَغِي أَن يَحْرِصَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُ هو تَرْكُ فُضُولِ الكَلامِ فِي غَيْرِ فَنْهِ وَتَخَصُّصِهِ، وَأَن يَدَعَ إِبْدَاءَ رَأيهِ فِي كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ، وَكُلِّ حادِثَةٍ ومُلِمَّةٍ، وَكُلِّ نَازِلَةٍ مُسْتَجَدَّةٍ، فَلِلسِّيَاسَةِ أهلها، ولِلفَتَاوَى أهلها، وللقضاء أهله، وللاقتصاد أهله، وللطَّبِ رِجَالُهُ، وَلِكُلِّ تَخَصُّصِ فُرسانُهُ، واحتِرَامُ التَّخَصُّصِ مَبْدَأَ عقلي، ومَقصَدٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ مِن تَرْكِ مَا لَا يَعْنِي العَبْدَ، يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ أَبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ"، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْتَدِهِ، وزادَ بَعْضُهُم: "وَأَقْضَاهُم عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم أَجْمَعِينَ"، وَجَعَلَ مَلَائِكَةٌ تَسِيحُ فِي الْأَرْضِ تَلْتَمِسُ حِلَقَ الذِّكْرِ، فِي أَعْمَالِ وَتَخَصُّصاتٍ لَا تُحْصَى، وَلَو شَاءَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا بِحِكْمَتِهِ وَإِرادَتِهِ، وَمَشِيئَتِهِ وقُدْرَتِهِ، لَجَعَلَ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ تَحْتَ تَصَرُّفِ مَلَكٍ وَاحِدٍ، لَفَعَلَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ؛ لَكِنَّهُ التَّعْلِيمُ الإِلَاهِي، وَالتَّوْجِيهُ الرَّبَّانِي.
وأوضح الدكتور بندر بليلة أنَّ مِمَّا يُعِينُ عَلَى هَذَا البَابِ مِنَ الأَدَبِ وَالوَرَعِ، أَن يَعْلَمَ العبدُ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِكُلِّ لَفْظَةٍ يَقُولُهَا، محاسَب عَلَى كُلِّ كَلِمَةٍ يَنْطِقُ بها، مُجازى عَلَى كُلِّ عِبَارَةِ يُسَطِّرُهَا، فِي أَيِّ مَجَالِ كَانَ، وَعَلَى أَي وَسِيلَةٍ كَانَتْ، مَرْئِيَّةً، أَو مَسْمُوعَةً، أَو مَقْرُوعَةً، فالسَّعِيدُ مَن راقَبَ رَبَّهُ، فَأَمْسَكَ عَلَيْهِ لسانه، واشْتَغَلَ بِخَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَتَرَكَ مَا لَا يَعْنِيهِ.





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق