في قلب حي اللبان بالإسكندرية، لا تزال الحكاية التي دونها التاريخ منذ أكثر من مئة عام حية على جدران مقهى بسيط، تحول مع الزمن إلى مزار شعبي يقصده الزوار لرؤية بيت "ريا وسكينة".
على الواجهة المتهالكة للمقهى تتدلى صور قديمة بإطارات باهتة لريا وسكينة، والمأمور، وعشماوي، وأول ضحية. وجوه خرجت من صفحات التاريخ لتعود إلى الواجهة، شاهدة على واحدة من أبشع الجرائم في القرن الماضي.
همسات الزائرين.. "هي دي الأوضة اللي كانوا بيدفنوا فيها الضحايا؟"
بين ضجيج المارة وصوت الباعة المتجولين، يمكنك أن تسمع اى زائر يهمس لصاحبه "هي هنا الأوضة اللي كانوا بيدفنوا فيها الضحايا؟" وكأن هذا السؤال نفسه أصبح جزءًا من طقوس الزيارة
صور تروي الحكاية
على جدار المقهى، علقت مجموعة من الصور النادرة ..صورة لريا وسكينة أثناء التحقيق، وأخرى لزوجيهما "حسب الله وعبد العال"، وثالثة للضابط الذي قاد عملية القبض عليهما، وأخرى نادرة للمأمور وعشماوي الجلاد.
وبين هذه الصور وملف المحضر الأصلي لهما، يقف الزائر مذهولًا أمام تاريخ وتفاصيل حكاية تتجسد أمام عينيه.
بديعة.. الطفلة التي أنهت الصمت
ومن بين كل الوجوه التي ارتبطت بهذه القضية، تبقى الطفلة بديعة "ابنة ريا "هي الأكثر مأساوية.
كانت الشاهدة الصغيرة التي أنهت الصمت، واعترفت على أمها وخالتها، لتدينهما بقتل سبع عشرة سيدة.
اعتراف بديعة انتهى بحكم الإعدام الذي نفذه عشماوي أمام أعين العالم.
وبعد أن أغلقت القضية صفحاتها الدامية، دخلت بديعة الملجأ لتعيش ما تبقى من طفولتها وحيدة.. قبل أن تصاب بمرض السل وتفارق الحياة هناك في صمت تام، لتبقى قصتها شاهدًا على مأساة دفعت ثمنها وهي لم تتجاوز الطفولة.
القهوة التي تحولت إلى متحف شعبي
يقول عم متولى محمد أحد ابناء الحى ومن مؤسسي المقهى، قررنا أن نحافظ على الحكاية من الاندثار. جمعنا كل ما نستطيع من صور ووثائق وقصاصات صحف، وعلّقنها على الجدران، لتصبح القهوة الصغيرة متحفًا شعبيًا مفتوحًا يقصده زوار اسكندرية.
قائلا "الناس بتيجي من كل حتة… فيه اللي بييجي بدافع الفضول، وفيه اللي عايز يشوف بيت ريا وسكينة بنفسه."
من بيت الجريمة إلى جولة سياحية
اليوم، وبعد مرور أكثر من قرن على القضية، أصبح المكان ضمن الجولات السياحية التي تنظمها بعض الشركات تحت عنوان "رحلة في شوارع الإسكندرية القديمة".
يتوقف الزوار أمام المقهى، يلتقطون الصور ويستمعون إلى روايات سكان الحي التي تمتزج فيها الحقيقة بالأسطورة.
وهكذا، تحولت الجريمة إلى حكاية تتناقلها الأجيال، والحكاية إلى تراث شعبي، والبيت الذي كان يخشاه الجميع إلى محطة على خريطة السياحة الشعبية في الإسكندرية.
اترك تعليق