لعبت السينما والدراما المصرية دوراً حيوياً ومحورياً في تشكيل الذاكرة الوطنية للبطولات والإنجازات التي حققها المصريون في حرب أكتوبر 1973، فقد تجاوزت كونها مجرد أعمال فنية لتصبح أداة للتعبئة المعنوية وتخليد البطولات، فقد نجحت أفلام مثل "الرصاصة لاتزال في جيبي" في توثيق روح المقاتل المصري وعرض التأثيرات الإنسانية والاجتماعية لقرار العبور،
إلي جانب العديد من الأعمال الدرامية والأغاني الوطنية، فالفن لم يكن مجرد راويا للأحداث، بقدر ما كان مساهما في ترسيخ معني النصر في وجدان الشعب المصري.
تناول العديد من الأفلام والمسلسلات ذكري انتصار حرب 6 أكتوبر المجيد، تخليداً لتلك الذكري العظيمة التي نحتفل بها سنويا، منها مسلسل "رأفت الهجان" وهو مسلسل درامي مصري عرض لأول مرة سنة 1988، يتكون من ثلاثة أجزاء من إخراج يحيي العلمي وهو من بطولة محمود عبدالعزيز ويسرا ويوسف شعبان، يدور حول ملحمة وطنية عن سيرة البطل المصري "رفعت علي سليمان الجمال" الذي كان له دور فعال في الإعداد لحرب أكتوبر.
بينما يروي مسلسل "السقوط في بئر سبع" القصة الحقيقية للجاسوس إبراهيم شاهين وزوجته انشراح موسي، اللذين عملا لصالح إسرائيل بعد نكسة 1967 وكيف تم الكشف عنهما والإيقاع بهما، وتستند القصة إلي رواية "إبراهيم وانشراح" للكاتب الصحفي عبدالرحمن فهمي وضم المسلسل مجموعة كبيرة من نجوم الفن كان علي رأسهم سعيد صالح وإسعاد يونس وخالد محمود وأبوبكر عزت، ومن إخراج نور الدمرداش.
ومن الأعمال التي لاقت نجاحاً جماهيرياً كبيراً مسلسل "دموع في عيون وقحة" بطولة عادل إمام ومحمود الجندي ومعالي زايد وإخراج يحيي العلمي، الذي قدم في 14 حلقة فقط وكان بمثابة الكتالوج أو الأساس الذي سارت عليه مسلسلات الجاسوسية من بعده، من خلال شخصية جمعة الشوان الذي تم زرعه داخل إسرائيل، ولكنه أمد مصر بمعلومات وجهاز مهم ساعدها في حربها.
حول رصد الفن المصري بأشكاله المتنوعة لنصر أكتوبر، أكد الناقد الفني محمد فاروق أن الفنانين كان لهم دور كبير في رفع الروح المعنوية للجنود والتعبير عن المرحلة، فبعضهم ساهم عبر الغناء مثل نجاة الصغيرة وشادية، وبعضهم من تطوع في دعم المجهود الحربي مثل نادية لطفي التي وزعت الطعام علي الصفوف الأولي، وهالة فاخر التي تطوعت في المستشفيات لمساعدة المصابين، ولكن رغم ذلك لم تظهر تلك المشاركات في الأفلام والدراما بشكل قوي كما ظهر في الغناء مثل أغاني عبدالحليم حافظ وأم كلثوم وغيرهما.
وقال فاروق إن نصر أكتوبر لم يرصد بشكل كاف بالأعمال الدرامية، بل كانت الأغاني أكثر تأثيراً من الدراما والسينما، فليس هناك سوي أفلام محدودة تناولت هذا الإنجاز كـ "الرصاصة لا تزال في جيبي"، مشيراً إلي أنه قد يرجع ذلك إلي افتقار المنتجين للجرأة الكافية لإنتاج عمل يليق بنصر أكتوبر.
أوضح أن المراحل التالية من التاريخ ما بعد نصر أكتوبر، تم التوسع في رصدها درامياً أو سينمائياً بشكل جيد، كمسلسل "الاختيار" الذي رصد مرحلة مهمة للغاية من تاريخ مصر وبشكل متقن، أما نصر أكتوبر فلم يرصد بالشكل الكافي والوافي لما حققته مصر من نصر في تلك المرحلة العظيمة من تاريخها.
من جانبه، أكد المؤرخ والكاتب محمد الشافعي أن حربي الاستنزاف وأكتوبر تضمنتا عشرات الآلاف من العمليات التي تصلح لبطولات عظيمة صالحة للأعمال الدرامية، منها بعض العمليات مازالت تدرس في الأكاديميات العسكرية، منها العملية الرئيسية ضرب المدمرة إيلات والغارة علي ميناء إيلات والغارة على النقاط الحصينة في لسان بورتوفيق ولسان التمساح، موضحاً أن الدراما ليست فقط للتسلية، ولكنها تقدم جرعة تاريخية ومعلومة مهمة لتحافظ على انتماء وولاء الأجيال الجديدة وهي الوسيلة الأسرع لذلك.
حول أهم الأعمال الدرامية التي رصدت حرب أكتوبر، قال إن الفيلم التليفزيوني "حكايات الغريب" من أهم تلك الأعمال التي تضمنت لفتة رائعة عن البطل المطلق من خلال الإشارة إلي بطولة المصريين جميعا في حرب أكتوبر. إلا أنه لم ينل نصيبه من الشهرة، وكذلك فيلم "الممر" الذي أعاد الجمهور إلي مشاهدة الأفلام الوطنية، مشيرا إلي أن هناك العديد من الأبطال الذين يستحقون إبراز بطولاتهم خلال حرب أكتوبر كالبطل الأسطورة إبراهيم الرفاعي الذي قام بـ 42 عملية وعبدالمنعم رياض، ومئات الأبطال الآخرين.
أشار إلي أنه رغم أنه تم إنتاج عدة أفلام جيدة عن حرب الاستنزاف مثل "أبناء الصمت" و"أغنية علي الممر" و"الطريق إلي إيلات" و"العمر لحظة"، إلا أن حرب أكتوبر كانت أقل حظاً في الأعمال الدرامية، فالحرب قامت بشكل مفاجئ في حين كان تصوير بعض الأفلام جاريا، كأفلام "بدور، الوفاء العظيم، الرصاصة لاتزال في جيبي"، فتم تحميل تلك الأفلام بعض المشاهد من حرب أكتوبر.
في الدراما، أوضح الشافعي أن مسلسل "رأفت الهجان" أفضل عمل درامي وكذلك مسلسل "دموع في عيون وقحة" اللذان أبرزا قدرة ونجاح المخابرات المصرية، مشدداً علي أن بطولات أكتوبر والاستنزاف في حاجة لصحوة، خاصة أن إسرائيل تزعم انتصارها وتنشر أخبار مغلوطة ضمن محاولاتها لاحتلال التاريخ، لذلك لابد من تنفيذ مشروع قومي لتسجيل بطولات الأحياء من أبطال أكتوبر، للحفاظ علي التاريخ ولتقديم نموذج مبهر ومضيء للأجيال الجديدة.
تناولت السينما في كثير من الأعمال التي قدمتها نصر أكتوبر، فقد تناول فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي" قصة مجند شاب لجأ إلي أحد الفلسطينيين في غزة ليساعده علي الاختفاء حتي تتاح لهم سبل العودة إلي أوطانهم، وينجح بالفرار بحرا ويعود بعد حرب 1967 إلي بلدته محطماً يائساً وبعد أن نشبت حرب أكتوبر وتم العبور، عاد محمولاً علي الأكتاف وهو مازال يحمل الرصاصة في جيبه.. أنتج الفيلم عام 1974 ومن بطولة محمود ياسين وحسين فهمي ويوسف شعبان وصلاح السعدني، ونجوي إبراهيم، ومن إخراج حسام الدين مصطفي.
من الأفلام التي تناولت البطولات المصرية في حرب الاستنزاف، فيلم "الطريق إلي إيلات" الذي أنتج عام 1993، وتدور أحداثه إبان حرب الاستنزاف عام 1969 ويتناول كيف تمكنت مصر من تدمير سفينتين حربيتين والرصيف الحربي بنجاح.. شارك به مجموعة كبيرة من الفنانين منهم عزت العلايلي ونبيل الحلفاوي وعبدالله محمود ومادلين طبر ومحمد سعد، ومن إحراج إنعام محمد علي.
يعتبر فيلم "أبناء الصمت" من أهم الأفلام التي تناولت الحرب، إنتاج عام 1974 وشارك في بطولته محمود مرسي ونور الشريف وميرفت أمين ومحمد صبحي ومديحة كامل وأحمد زكي، ومن إخراج محمد راضي، تقع أحداثه خلال حرب الاستنزاف ويركز العمل علي بطولة الجنود الذين دفعوا دماءهم ثمنا لتحرير أرضهم.
من الأعمال السينمائية التي تناولت حرب أكتوبر فيلم "أيام السادات" إنتاج عام 2001، الذي يروي السيرة الشخصية وحياة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بطولة كل من أحمد زكي وميرفت أمين ومني زكي وأحمد السقا وأحمد فؤاد سليم وإخراج محمد خان، وانضم لهذه القائمة مؤخراً فيلم "الممر" الذي يتناول فترة النكسة عام 1967 وما تبعها في إطار درامي عسكري، حيث يرصد أثر هذه الفترة علي الشعب والجيش، وكيفية تحويل الجنود حالة الانهزامية التي تملكتهم في ذلك الوقت إلي طاقة إيجابية مشحونة بالأمل والانتصار، شارك في بطولة "الممر" أحمد عز وأحمد رزق وإياد نصار ومحمد فراج وأحمد صلاح حسني، ومن تأليف وإخراج شريف عرفة.
اترك تعليق