في مشهد مأساوي أدمى القلوب، تحولت زغاريد الأفراح إلى صرخات أنين وبكاء في قرية البحاروة التابعة لمركز أولاد صقر بمحافظة الشرقية، بعدما لقي الشاب طه عبد الرحيم طه، 19 عاماً، مصرعه بطعنة نافذة في الرقبة، وهو يحاول فض مشاجرة بين جار ونجله، كان الضحية يوزع دعوات زفاف شقيقه، استعداداً لليلة فرحٍ انتظرها أهله، لكن القدر حوّل الأجواء إلى مأتم كبير خيّم بالحزن على القرية بأكملها.
بدأت القصة حين اندلع خلاف بين أحد أبناء القرية ووالده، ليتدخل الشاب طه محاولاً تهدئة الموقف، قائلاً: «عيب يا رمضان متضربش أبوك»، لكن المتهم، ويدعى رمضان م. (25 عاماً – مبيض محارة)، عاجله بطعنة بسلاح أبيض أودت بحياته فى الحال، قبل أن يحاول الفرار.
سرعان ما تلقّت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن الشرقية بلاغاً بالواقعة، وانتقلت قوة من مباحث مركز أولاد صقر، وبتكثيف التحريات تمكنت من ضبط المتهم وإحالته للنيابة العامة التي تولت التحقيق، وقررت تشريح الجثمان وبيان سبب الوفاة، وسط مطالبات الأهالي بسرعة القصاص العادل.
دموع الأسرة
لم تكن الواقعة مجرد جريمة قتل عادية، بل فجعت أسرة بأكملها كانت تستعد لأيام من البهجة، يقول السيد عبد الرحيم، الشقيق الكفيف للمجني عليه: "طه كان نور عيني اللي كنت بشوف بيها.. هو اللي شايلنا كلنا بعد مرض والدنا.. وكان بيصرف علينا أنا وإخواتي ذوي الاحتياجات الخاصة.. مش قادر أصدق إنه مشي ومش راجع".
أما والدة الضحية، التي عادت من السوق حاملة متطلبات زفاف نجلها، فقد صُدمت بالخبر المفجع، قالت وهي تبكي بحرقة: "ابني الصغير راح غدر.. كان السند ليا ولأبوه المريض ولإخوته.. كنت مستنية أشوف فرحه بعد كام شهر.. لكن رجع ليا جثة في المشرحة".
مأساة القرية
أهالى قرية البحاروة وصفوا المجني عليه بأنه كان من خيرة شبابها، معروفاً بأخلاقه الطيبة، وبأنه العائل الوحيد لأسرته، يساعد والده المريض ويحنو على أشقائه الثلاثة من ذوي الاحتياجات الخاصة، الجميع أجمع أن مشهد الجنازة كان أشبه بـ"عرس الشهيد"، حيث ودّعوه بدموع مختلطة بالصدمة والدعاء بالقصاص.
مطالب بالقصاص
الأب المكلوم اكتفى بكلمات موجعة: "إحنا مالناش خصام مع حد.. ابني اتقتل غدر وهو بيدافع عن راجل كبير.. مش طالبين غير القصاص وحقه يرجع".
لتظل قصة "شهيد الشهامة" صرخة إنسانية في وجه الغدر، ورسالة تذكير بقيمة الوفاء والحق، بعد أن دفع شاب حياته ثمناً لموقف نبيل.
قال الحاج "عبدالستار"، أحد كبار أهالي القرية، وهو يغالب دموعه: "طه كان ولد في حاله، معروف عنه الجدعنة والاحترام، عمرنا ما سمعنا له صوت عالي ولا مشكلة مع حد. يوم الحادثة اتدخل بس علشان يمنع الابن من إهانة أبوه، ودي حاجة كلنا بنعتبرها من الشهامة والأصول، لكن الغدر سبق الطيبة، وخسرنا شاب زي الورد مايتعوضش".
أما "أم محمود"، جارة الأسرة، فقد وصفت المشهد قائلة: "إحنا كنا شايفين طه بيجري يوزع كروت فرح أخوه، والابتسامة ماليه وشه، مين كان يصدق إن بعد ساعات قليلة هيتحمل على الأكتاف جثة! دا كان عائل بيته وسند أهله، وموته فاجعة قصمت ظهر القرية كلها، بيته بقى مظلم بعد ما كان مليان حياة".
وقال "حسن"، أحد أصدقاء الضحية: "طه كان دايمًا يقول لنا: أنا سند أبويا وإخواتي، ولازم أكون عون ليهم، كان بيشتغل ليل ونهار في المحارة علشان يجيب لقمة عيش بالحلال، والنهاردة بقى شهيد شهامته، دفع حياته تمن كلمة حق وموقف رجولة، ذكراه هتفضل عايشة جوانا، وحقه لازم يرجع".
اترك تعليق