قال السفير محمد سفيان براج سفير الجزائر ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية ان الجزائر العاصمة إحتضنت الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية (IATF 2025) تحت شعار "بوابة نحو فرص جديدة". في الفترة من 4 إلى 10 سبتمبر، وقد جسّد هذا الحدث البارز التوجه القاري نحو تعزيز التكامل الاقتصادي وتوسيع آفاق التعاون جنوب–جنوب، بحضور قادة عدد من الدول الشقيقة والصديقة، من بينها: تونس، ليبيا، موريتانيا، الجمهورية العربية الصحراوية، تشاد، موزمبيق، غرينادا، بربادوس، وسانت كيتس ونيفيس، إلى جانب الرئيسين السابقين لكل من نيجيريا والنيجر، ونائبي رئيسي ناميبيا وكينيا، والوزير الأول لجمهورية بوروندي.
أضاف السفير فى تصريحات صحفية انة قد شارك أكثر من أربعين وزيرًا مكلفين بقطاعي التجارة والصناعة، فضلًا عن ممثلين عن منظمات دولية وإقليمية، إضافة إلى عدد من الشخصيات الإفريقية البارزة، ما منح الحدث زخمًا دبلوماسيًا واقتصاديًا استثنائيًا.
اوضح ان الرئيس عبد المجيد تبون أكد في كلمته الافتتاحية أمام المنتدى، التزام الجزائر بدعم مسيرة التنمية في إفريقيا وتعزيز السيادة الاقتصادية لدولها، معلنًا عن إنشاء صندوق خاص لدعم المؤسسات الناشئة والمبتكرين الشباب عبر القارة. و كشف عن مبادرة استراتيجية تقضي بفتح الموانئ الجزائرية أمام الدول الإفريقية الحبيسة مثل مالي والنيجر وتشاد، لتمكينها من التصدير والاستيراد عبر الموانئ الجزائرية ونقل بضائعها بالسكك الحديدية في آجال لا تتجاوز 24 ساعة. وقد اعتُبرت هذه الخطوة نقلة نوعية تفتح لتلك البلدان المعزولة عن البحار منافذ جديدة للتواصل مع أوروبا والعالم، على أن ترافقها مشاريع كبرى، في مقدمتها مدّ خطوط سكة حديدية تربط شمال الجزائر بجنوبها وتمتد لاحقًا إلى باماكو ونيامي ونواكشوط، فضلًا عن تعزيز شبكة النقل الجوي مع مختلف عواصم القارة.
على صعيدي المشاركة والنتائج، سجلت النسخة الرابعة للمعرض أرقامًا قياسية غير مسبوقة. فقد بلغ عدد العارضين 2148 عارضًا من 70 دولة (49 دولة إفريقية و21 من خارج القارة)، متجاوزًا سقف التوقعات الذي لم يكن يتعدى 2000 عارض. كما استقطب المعرض ما مجموعه 112,476 زائرًا، بينهم 60,650 حضروا ميدانيًا و51,826 شاركوا عن بُعد، وهو ما يفوق بكثير تقديرات المنظمين التي لم تتجاوز 35 ألف زائر.
أما على مستوى المبادلات التجارية، فقد حققت الطبعة الرابعة قيمة قياسية بلغت 48,3 مليار دولار أمريكي في شكل عقود شراكة والتزامات استثمارية، كانت حصة الجزائر منها 23 مليار دولار: 11,4 مليار دولار صفقات فعلية مبرمة اكتملت إجراءات التوقيع بشأنها، و11,6 مليار دولار التزامات قيد الدراسة والتفاوض. كما تم تسجيل 987 مشتريًا مهنيًا، متجاوزين الهدف الأصلي المحدد بـ 750 متعاملاً اقتصاديًا، وهو ما جعل هذه الدورة محطة فارقة في مسار الاندماج الاقتصادي القاري، ورسّخ مكانة الجزائر كمنصة محورية للتعاون الإفريقي وجسر رئيسي نحو فرص جديدة للقارة.
تضمن برنامج الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية، تنوعًا كبيرًا في النشاطات واللقاءات، عكس مكانة هذا الحدث كأحد أبرز التظاهرات الاقتصادية القارية. فقد كان منتدى التجارة والاستثمار في إفريقيا في صدارة الفعاليات، حيث نُظّمت عدة جلسات حوارية تناولت موضوعات محورية مثل دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مكانة المرأة في التجارة، واستعمال العملات المحلية في المبادلات البينية الإفريقية. وبالموازاة مع ذلك، احتضن المعرض فعاليات متنوعة، شملت: المعرض التجاري، الصالون الإفريقي للسيارات، القطب الإفريقي للبحث والابتكار (ARIH)، برنامج الاتحاد الإفريقي للمؤسسات الناشئة، إضافة إلى الملتقى الإفريقي للإبداع "كانكس" (CANEX) ولقاءات الأعمال الثنائية (B2B).
كما أُدرج في البرنامج بعدٌ خاص بالشتات الإفريقي، حيث أشرف الوزير الأول، السيد سيفي غريب، على افتتاح يوم الجاليات الإفريقية 2025 بالمركز الدولي للمؤتمرات. وقد أكد في كلمته على أهمية مساهمة هذه الجاليات في تنمية القارة، مبرزًا في الوقت ذاته المكانة الخاصة التي توليها الجزائر لجاليتها الوطنية.
وعلى الصعيد الوزاري، عُقدت مائدتان مستديرتان: الأولى حول تجسيد منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (زليكاف)، والثانية حول الاندماج الإفريقي في مجال صناعة السيارات. كما عرف المعرض تنظيم لقاء رفيع المستوى حول العلاقات الإفريقية-الأمريكية تحت شعار "تحويل التغيرات السياسية إلى فرص استراتيجية"، إلى جانب إطلاق منصة القطاع الخاص للزليكاف، وندوة متخصصة حول التجارة الرقمية لإفريقيا بلا حدود. وشهد الحدث كذلك تنظيم هاكاثون IATF 2025، مع تسليم الجوائز للشركات الناشئة الإفريقية المتوجة، في مبادرة هدفت إلى دعم الشباب ورواد الأعمال المبتكرين عبر القارة.
وإذا كانت الجزائر قد كرست نفسها كقاطرة للتعاون الإفريقي ومركزًا لوجستيًا عابرًا للقارة، فإن المشاركة المصرية برزت في واجهة الحدث لتؤكد موقع القاهرة كجسر استراتيجي يربط شمال القارة بعمقها الإفريقي. فقد استقطب الجناح المصري آلاف الزوار، عاكسًا ثقة الأسواق الإفريقية بالمنتج المصري، بينما شكّلت استثمارات شركة السويدي إليكتريك في الجزائر بقيمة 2,5 مليار دولار إحدى أبرز ثمار المعرض، إذ تمثل خطوة نوعية نحو إقامة مشاريع استراتيجية في مجالات الطاقة والبنية التحتية تمتد آثارها إلى دول الساحل وإفريقيا الوسطى. كما شاركت 12 مؤسسة حكومية وخاصة مصرية بقوة في قطاعات الصناعة والدواء والتكنولوجيا، بما من شأنه أن يعزز فرص الشراكة المصرية-الإفريقية ويجعل من مصر طرفًا رئيسيًا في دفع مسار الاندماج القاري.
إن الجمع بين الحضور المصري الاستثماري والمبادرات الجزائرية في مجال البنى التحتية العابرة للقارة، يعكس تقاطعًا استراتيجيًا بين البلدين: مصر تعزز موقعها كقوة اقتصادية قادرة على التوسع نحو العمق الإفريقي، والجزائر ترسخ دورها كبوابة عبور ومركز لوجستي رئيسي للقارة.
هذه الدينامية الاقتصادية والسياسية كانت محل إشادة واسعة من قادة وشخصيات إفريقية ودولية، في مقدمتهم الرئيس النيجيري الأسبق أوليسيغون أوباسانجو الذي اعتبر أن الطبعة الجزائرية للمنتدى قد تجاوزت كل التوقعات وأظهرت "قوة إفريقيا"، إلى جانب ممثلة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التي ثمّنت دور الجزائر في دعم مسار الاندماج الاقتصادي القاري. وهكذا برهنت هذه النسخة من المعرض على أنها ليست مجرد تظاهرة اقتصادية عابرة، بل خطوة متقدمة نحو بناء إفريقيا موحدة، متضامنة ومزدهرة، قادرة على فرض نفسها كلاعب مؤثر في الاقتصاد العالمي.
في تقديمه لنتائج الطبعة الرابعة لمعرض التجارة البينية الإفريقية، أشار وزير الخارجية الجزائري، السيد أحمد عطاف، إلى إن حصيلة هذا الحدث لا ينبغي أن تختزل في الأرقام، مهما كانت أهميتها ودلالتها، بل تستحق قراءة أعمق تكشف عن معانٍ استراتيجية أبعد. فهذه النتائج تؤكد أولًا، أن إفريقيا استعادت زمام المبادرة، وأضحت أكثر قدرة على صياغة مساراتها التنموية بعيدًا عن انتظار المساعدات الخارجية. وثانيًا، أن القارة تشهد دينامية متنامية في التجارة والاستثمار البيني، بما يعكس وعيًا متزايدًا بجدوى الاعتماد على الذات وتعزيز الروابط الاقتصادية المشتركة. وثالثًا، أن إفريقيا رسّخت يقينها بأن مستقبلها مرهون بقدراتها الداخلية، وبإرادة أبنائها وبناتها وعطائهم الفكري والعملي.
وفي هذا السياق، تقف إفريقيا اليوم أمام منعطف تاريخي لا يجوز تفويته. فإذا كانت قد حُرمت في الماضي من موقعها الطبيعي في الثورة الصناعية تحت وطأة الاستعمار، وإذا لم تستفد بالقدر الكافي من الثورة المعلوماتية بسبب تراكم الأزمات والصراعات، فإن الواقع الراهن لا يسمح لها أن تبقى على هامش التحولات التكنولوجية العميقة التي يشهدها العالم في ميادين الرقمنة والروبوتية والنانوتكنولوجيا والطاقات المتجددة. فهذه الثورات هي التي تعيد صياغة ملامح الاقتصاد العالمي وترسم موازين القوى في المستقبل.
اترك تعليق