لم يعد التعليم الفني في مصر مجرد مسار بديل أو خيارًا ثانويًا للطلاب. بل تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلي ركيزة استراتيجية لرؤية الدولة نحو التنمية المستدامة 2030. ومسار ذكي يفتح آفاقًا واسعة لمستقبل مهني واعد لأبناء الوطن.
هذا التحول لم يأتِ من فراغ. وإنما جاء نتيجة جهود حكومية متواصلة لإعادة بناء المنظومة التعليمية الفنية والتقنية علي أسس حديثة. ترتكز علي الجودة. والتكنولوجيا. وربط التعليم بسوق العمل المحلي والدولي.
ويؤكد ذلك التقدم الكبير الذي حققته مصر علي مؤشرات التعليم الفني عالميًا. حيث قفزت 70 مركزًا دفعة واحدة في مؤشر التعليم التقني والتدريب المهني الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. لتصل إلي المركز الـ43 عام 2024. بعد أن كانت في المركز الـ113 عام 2017. كما تقدمت 10 مراكز في مؤشر جودة التعليم وفقًا لتصنيف "US News". لتحتل المركز 41 عالميًا عام 2024 مقارنة بالمركز 51 عام 2019.
إشادة دولية
هذه الطفرة النوعية في التعليم الفني لاقت إشادة من المؤسسات الدولية. إذ أكد البنك الدولي أن برنامج إصلاح التعليم في مصر يركز علي تطوير مهارات التفكير النقدي والتعلم الذاتي لدي الطلاب. بما يؤهلهم لمتطلبات سوق العمل. فضلًا عن تقرير اليونسكو الذي أكد أن مصر تخطو خطوات جادة في دمج أدوات الذكاء الاصطناعي والرقمنة داخل المنظومة التعليمية. في إطار التزامها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.
قفزة كبيرة
شهدت مصر توسعًا غير مسبوق في مدارس التعليم الفني. فخلال عقد واحد فقط. ارتفع عدد المدارس بنسبة 104.1% ليصل إلي 3444 مدرسة عام2025/2024. مقارنة بـ1687 مدرسة عام 2014/2013 كما ارتفع عدد طلاب التعليم الفني بنسبة 56.7% ليصل إلي 2.35 مليون طالب عام 2024/2025. مقابل 1.5 مليون طالب عام 2013/2014.
أولت الدولة اهتمامًا خاصًا بمدارس التكنولوجيا التطبيقية باعتبارها نموذجًا متكاملًا للتعليم الفني الحديث. حيث تم افتتاح 105 مدارس علي مستوي الجمهورية. أبرزها: مدرسة السويدي الدولية. وإلكترو مصر. وHST. وإيجيبت جولد. كما يجري التوسع في مدارس متخصصة تخدم المشروعات القومية مثل مدارس البترول والبتروكيماويات. وتكنولوجيا الطاقة النووية بالضبعة. ومدارس الطاقة الشمسية. ومدارس مياه الشرب والصرف الصحي.
المناهج.. من الحفظ إلي الجدارات
إدراكًا لأهمية تطوير المناهج. تبنّت الدولة منهجية الجدارات المهنية. التي تركز علي تنمية قدرات الطالب العملية. وليس مجرد الحفظ. وحتي الآن. تم استحداث وتطوير 230 برنامجًا وتخصصًا جديدًا. وبلغت نسبة تطوير المناهج وفق الجدارات 85%
كما أنشأت الوزارة هيئة إتقان ووحدة لتحسين وضمان جودة التعليم الفني. بالإضافة إلي وحدة لمتابعة تنفيذ استراتيجية الإصلاح. وتم أيضًا عقد 90 شراكة مع القطاع الخاص في مجال التعليم والتدريب المزدوج.
كما تم اعتماد النسبة المرنة لخريجي المدارس الفنية عند التقديم للجامعات التكنولوجية. بما يفتح أمامهم مسارًا مميزًا لاستكمال التعليم العالي.
أكد محمد عبد اللطيف. وزير التربية والتعليم والتعليم الفني. أن الوزارة تعمل وفق معايير دولية حديثة. تستهدف إعداد خريجين قادرين علي المنافسة في سوق العمل المحلي والإقليمي والدولي. ومؤهلين للحصول علي فرص عمل داخل مصر وخارجها.
أوضح الوزير أن هذا التوجه يتجسد في نموذج مدارس التكنولوجيا التطبيقية (ATS). الذي يقوم علي شراكة استراتيجية بين الوزارة والقطاع الخاص أو الشركاء الدوليين. حيث يتولي الشريك الخارجي إعداد المناهج وفق أحدث المعايير العالمية. بينما توفر الوزارة البنية التحتية والدعم الفني واللوجيستي. ولدينا الآن 105 مدارس علي مستوي الجمهورية. مع خطة للتوسع وتحويل نحو 1,270 مدرسة فنية إلي مدارس للتكنولوجيا التطبيقية والتعليم المزدوج. بما يضمن تعميم التجربة وتوسيع نطاق الاستفادة.
أكد الوزير أن التعليم الفني يمثل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة. لافتًا إلي أن مصر تضم 1,270 مدرسة تعليم فني من بينها 172 مدرسة زراعية تمتد علي مساحة تقارب 3 آلاف فدان. ما يعزز فرص التدريب العملي والتطبيقي للطلاب.
أشار "عبد اللطيف" إلي أن الوزارة تعمل علي جعل التعليم الفني بوابة للتصدير والاستثمار الخارجي. موضحًا أن من أبرز التحديات التي تواجه هذا التوجه هو نقص العمالة الفنية المؤهلة دوليًا. إلي جانب العوائق الاجتماعية المرتبطة بثقافة المجتمع تجاه التعليم الفني. الأمر الذي يستوجب تغيير النظرة المجتمعية إلي هذا المسار التعليمي.
أضاف الوزير أن مصر تعمل علي فتح آفاق تعاون دولي واسع. خاصة مع الدول التي تعاني من نقص العمالة الفنية المتخصصة نتيجة تراجع إقبال الشباب هناك علي الوظائف التقليدية. مما يوفر فرصًا واعدة أمام العمالة المصرية المؤهلة. مؤكدًا أن الوزارة بدأت بالفعل في تدريب الطلاب وتأهيلهم وفق معايير دولية. بما يتيح لهم العمل في الأسواق الخارجية. خصوصًا في الوظائف التقنية الحديثة.
أوضح الوزير أن هناك تعاونًا مع الاتحاد الأوروبي والجانب الإيطالي لإنشاء مكاتب إقليمية داخل مصر تمنح شهادات معتمدة دوليًا. بما يمكّن الخريجين من العمل مباشرة في الخارج. كما لفت إلي توقيع اتفاقيات مع الجانب الإيطالي ووزارة الكهرباء لإنشاء خمس مدارس متخصصة في الكهرباء. وأخري في الصناعات الدوائية بالتعاون مع وزارة الصحة. بالإضافة إلي خطط لإنشاء مدارس في صناعة الألومنيوم وقطاعات حيوية أخري.
أكد أن الوزارة تستهدف بناء نموذج عمل مشترك ومستدام داخل كل مدرسة فنية. يعزز فرص التدريب العملي ويوفر مصدر دخل ذاتيًا للمدارس. دون تحميل المستثمر أعباء إضافية. موضحًا أن هذا التوجه يتم عبر شراكات متكاملة مع القطاع الخاص. بما يضمن ربط التعليم الفني باحتياجات سوق العمل الفعلية.
أشار الوزير إلي تعاون مرتقب مع الجانب الهولندي في إعداد خريجين متخصصين في تنسيق المواقع الزراعية والمساحات الخضراء. وكذلك التعاون مع اليابان في نقل تقنيات زراعة الأرز وتطبيقها في المدارس الزراعية المصرية.
وشدد "عبد اللطيف" علي أن الوزارة تسعي إلي بناء شراكات دولية قوية ومستدامة في مجالات التدريب. الاعتماد الدولي. تطوير المناهج. وبرامج التسويق المؤسسي. بما يسهم في إعداد جيل جديد من الفنيين المؤهلين للعمل بكفاءة في الداخل والخارج. ويضع مصر في مقدمة الدول التي تراهن علي التعليم الفني كقاطرة للتنمية الاقتصادية.
أكد د. أيمن بهاء الدين. نائب وزير التربية والتعليم والتعليم الفني. أن ما تحقق خلال السنوات الماضية في مجال التعليم الفني يمثل نقلة نوعية حقيقية. ونحن لم نعد نتحدث عن تعليم نظري منفصل عن السوق. وإنما عن منظومة تعليمية جديدة تقوم علي الجدارات والمهارات العملية. وتُبني بالشراكة مع كبري المؤسسات الصناعية والخدمية. وهذا ما جعل مصر تحصد إشادة دولية واسعة. وتصبح تجربتها نموذجًا يُحتذي به إقليميًا.
أضاف إن أحد أهدافنا الرئيسية هو إتاحة التعليم الفني بجودة عالية لكل من يرغب فيه. لذلك حرصنا علي التوسع الكبير في عدد المدارس والتخصصات. ولكن الأهم من الكم هو النوع. أي أن يكون لدينا مدارس حديثة بمناهج متطورة. ومعلمون مدربون. وشراكات مع القطاع الخاص. وهو ما نعمل عليه بجدية.
أشار نائب الوزير. إلي أن مدارس التكنولوجيا التطبيقية ليست مجرد مؤسسات تعليمية تقليدية. بل هي مصانع لإعداد الكوادر الماهرة. والطالب في هذه المدارس يتعلم علي أحدث الأجهزة. يتدرب داخل المصانع والشركات. ويحصل علي شهادة معترف بها محليًا ودوليًا. وهذه المدارس تضمن أن الخريج سيكون جاهزًا لسوق العمل من اليوم الأول.
قال د. أيمن. إن تطوير المناهج وفق الجدارات يعني أن الطالب لا يخرج بشهادة ورقية فقط. بل بمهارات محددة يمكن قياسها. وأصبحنا نركز علي ما يستطيع الخريج القيام به عمليًا. وليس ما يحفظه في الامتحان. وهذا التغيير الجوهري يعيد تعريف التعليم الفني في مصر.
أضاف نائب الوزير. أن المستقبل رقمي بلا شك. ولذلك نركز علي مراكز الإبداع الرقمي التي تتيح للطلاب تعلم البرمجة. الذكاء الاصطناعي. وريادة الأعمال الرقمية. ونحن نُعِد جيلًا قادرًا علي المنافسة في الاقتصاد الرقمي العالمي.
أوضح أن الربط بين التعليم وسوق العمل لا يتحقق فقط أثناء الدراسة. بل أيضًا بعد التخرج. ولذلك أطلقنا مراكز التطوير المهني لمساعدة الخريجين علي اكتساب المهارات المطلوبة. وإيجاد فرص عمل مناسبة. بل وتشجيعهم علي خوض مجال ريادة الأعمال.
أشار إلي أننا لا ننكر أن هناك تحديات. مثل تغيير الصورة الذهنية للتعليم الفني. وتوفير التدريب المستمر للمعلمين. ومواكبة التطورات التكنولوجية السريعة. ولكننا نعمل علي ذلك من خلال حملات توعية مجتمعية. وبرامج تدريب متواصلة. وشراكات دولية مع مؤسسات تعليمية كبري.
أوضح د. بهاء الدين أن طلاب التعليم الفني يتمتعون بمهارات عملية أعلي من طلاب التعليم العام. مشيرًا إلي أن ما ينقصهم هو المعرفة النظرية الأساسية. وهو ما تعمل الوزارة علي تطويره حاليًا من خلال تحديث العلوم الأساسية وإعادة هيكلة المناهج. بما يمنح خريجي التعليم الفني فرصة أفضل لاستكمال دراستهم الجامعية أو الاندماج مباشرة في سوق العمل.
أشار نائب الوزير. إلي أن هناك فرص عمل واسعة متاحة لخريجي التعليم الفني. خاصة في الأسواق الأوروبية والأفريقية. حيث يزداد الطلب علي الكوادر الفنية المؤهلة. وأكد أن القارة الأفريقية تمثل وجهة واعدة للاستثمار المصري. ما يعزز من أهمية تأهيل الشباب في تخصصات مهنية متنوعة.
أكد "بهاء الدين" أن الوزارة تستهدف إطلاق مسارات جديدة للتعليم الفني تشمل مجالات الخدمات مثل التعليم الفندقي والتجاري. إلي جانب التخصصات الصناعية والزراعية. وذلك استجابة للتحولات في الاقتصاد العالمي الذي يزداد اعتماده علي قطاع الخدمات.
كشف نائب وزير التعليم أن هناك عددًا من المستهدفات الأساسية للتطوير. أبرزها: تأهيل الخريجين بمهارات مهنية وخبرات عملية تمكنهم من المنافسة محليًا ودوليًا. وتعزيز ريادة الأعمال عبر دعم الطلاب لبدء مشروعاتهم الخاصة. وتسهيل التحاق خريجي التعليم الفني بالجامعات الحكومية والخاصة بعد اجتياز اختبارات المعادلة. وإتاحة مسارات متنوعة تشمل العمل المباشر في الصناعة. الالتحاق بالتعليم العالي. أو الاحتراف المهني بالخارج.
أضاف أن هناك نظامًا جديدًا للقبول بالجامعات التكنولوجية الحكومية. حيث تخصص 90% من مقاعدها لخريجي التعليم الفني. ويتم الالتحاق عبر مسابقة مركزية ينظمها المجلس الأعلي للجامعات تشمل اختبارات معادلة تتيح للطلاب استكمال دراستهم الجامعية في تخصصات مثل الهندسة والزراعة والتجارة والحقوق.
وفيما يخص التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة. أوضح نائب الوزير أن الوزارة أطلقت بالتعاون مع البنك الألماني للتنمية (KfW) والاتحاد الأوروبي مشروعًا لإنشاء ثلاثة مراكز تميز متخصصة في الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة. مزودة بأحدث الأدوات التدريبية وورش العمل والمعامل. مؤكدًا أن مؤسسة السويدي للكهرباء تعد شريكًا رئيسيًا في المشروع. نظرًا لخبرتها الطويلة في دعم التعليم الفني.
أكد "بهاء الدين" عن أن مبادرة إشراك القطاع الخاص في إدارة وتشغيل المدارس الفنية الزراعية. يعزز التكامل بين التعليم واحتياجات سوق العمل. موضحًا أن الهدف هو أن يكون لكل مدرسة فنية شريك من القطاع المرتبط بتخصصها. سواء في الزراعة أو الصناعة أو السياحة. مؤكدًا أن وجود هذا الشريك يسهم في تطوير المناهج. وتوفير فرص تدريب عملية. وفتح آفاق أوسع للتوظيف بعد التخرج.
أشار إلي أن الوزارة تستهدف بحلول عام 2030 أن تكون جميع المدارس الفنية البالغ عددها نحو 1200 مدرسة. بينها 200 مدرسة زراعية. مرتبطة بشراكات حقيقية مع كيانات اقتصادية. مع التوسع في إنشاء مدارس داخل المنشآت الإنتاجية الكبري لتوفير بيئة تعليمية عملية مندمجة مع سوق العمل.
وأوضح نائب الوزير. أنه تم عمل هيئة مستقلة لضمان الجودة والاعتماد الفني والتكنولوجي "إتقان". بهدف وضع معايير موحدة لمؤسسات التعليم الفني واعتمادها بشكل مستقل. بما يفتح الباب أمام الاعتراف الدولي بالشهادات المصرية.
أكد أيمن بهاء الدين. علي أن التعليم الفني أصبح يمثل محورًا استراتيجيًا في خطط الدولة. ليس فقط لتلبية احتياجات السوق المحلي. بل أيضًا لتأهيل كوادر قادرة علي المنافسة عالميًا. مشددًا علي أن الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص هي الطريق الأمثل لبناء تعليم فني حديث ومستدام.
اترك تعليق