الدقهلية ـ ايمان الميهي وأيمن العماوي:
في واحدة من أنجح قصص التحول الزراعي في مصر. ومن قلب قرية بسيطة بمحافظة الدقهلية. بدأت ملامح حلم قومي جديد قد يغيّر خريطة زراعة الأرز في مصر لعقود قادمة. ويُعيد التوازن بين الاستهلاك والإنتاج ويوقف استنزاف مئات الملايين من الدولارات في استيراد الأرز البسمتي من الخارج.
من قرية "الربع" بمركز تمي الأمديد. انطلقت أولي خطوات زراعة الأرز البسمتي محليًا. وهو ذلك الصنف الفاخر الذي طالما ارتبط بالمناسبات والعزائم المصرية. والذي ظلت مصر تعتمد علي استيراده من الهند وباكستان لعقود. رغم قدراتها الزراعية الممتازة.
المهندس محمد موسي. أحد أبناء القرية. لم ينتظر دعمًا رسميًا أو تمويلًا. بل بدأ مغامرته بكيلو جرام واحد فقط من الأرز البسمتي الشعير حصل عليه من صديق هندي. وعلي مدار مواسم متتالية. بصبر وإصرار. نجح موسي في تطوير هذا الكيلو إلي 100 كجم شعير. ومن ثم إلي فدانين ونصف من الزراعة الفعلية. ثم إنتاج نحو 15 طنًا من التقاوي.
هذه التجربة الفردية سرعان ما لفتت أنظار وزارة الزراعة ومراكز البحوث والجامعات. التي بدأت في تقديم الدعم الفني والعلمي. لتتحول التجربة من مجرد زراعة تجريبية إلي مشروع استراتيجي واعد.
قام محرر " الجمهورية اون لاين" بمحافظة الدقهلية بزراعة فدانين من الأرز البسمتي في أرض شديدة الملوحة. بتوجيه مباشر من الدكتور حمدي موافي. رائد تطوير أصناف الأرز المصري. وبإشراف الباحث عبده سباعي من جامعة قناة السويس. واجه الفريق تحديات بيئية كبيرة. لكن بالإرشاد العلمي والتقنيات الحديثة. تم التغلب عليها.
شملت التوصيات الزراعية الخاصة حرث الأرض بشكل متعامد واستخدام مركبات البوتاسيوم والسوبر فوسفات ونظام ري متقطع ري يوم وراحة يومين وتقسيم السماد الأزوتي علي ثلاث دفعات قبل طرد السنابل واستخدام المغذيات الورقية والأحماض الأمينية.
نجح أحد المهندسين المحليين في استيراد وتعديل ماكينات لفرك وتعبئة الأرز البسمتي محليًا. ما سهّل عملية الإنتاج وخفّض التكاليف. وجعل المنتج المصري منافسًا قويًا للأرز المستورد في الشكل والطعم. بل وتفوّق عليه في السعر. ودون الحاجة إلي دولار واحد!
زار علماء المعهد القومي للأرز بقيادة الدكتور حمدي موافي أراضي التجارب في الدقهلية. خاصة مزرعة المهندس جلال سلامة في جمعية 15 مايو بناحية زيان. حيث جري اختبار صنف "جيزة بسمتي 201". والذي أظهر نتائج مبشرة. تصل بإنتاجية الفدان إلي 5 أطنان شعير في الظروف المثالية.
أوصي الخبراء. منهم الباحث عبده السباعي. بعدة إجراءات لضمان نجاح الصنف تقليل معدل التقاوي إلي 20 كجم للفدان فقط بسبب تفريع الحبة الواحدة إلي 10 تفريعات خلال أول 50 يومًا ورش المغذيات قبل المغرب وتجنب الري وقت الظهيرة ومواجهة آفات مثل اللفحة والدودة بدقة.
وشارك في الدعم الميداني أيضًا المهندس حسن الشرقاوي. خبير الزراعة بالمعاش. الذي أشرف علي الجدولة المثالية للري والتسميد.
قال المهندس خالد أبو بكر. صاحب مضرب أرز. إنهم يشعرون بسعادة كبيرة باهتمام الدولة بهذا النوع من الأرز الذي كانوا يستوردونه لسنوات. مضيفًا نأمل أن تسمح الدولة بإدخال الماكينات المتخصصة لهذا النوع من الأرز وتخفيف الجمارك عامًا واحدًا علي الأقل لدعم انتشاره.
فيما طالب مزارعون بضرورة نشر التقاوي عبر الجمعيات الزراعية تحت إشراف البحوث الزراعية. مع إصدار دليل إرشادي لطريقة الزراعة المناسبة لهذا النوع.
أكد مدير عام مديرية الزراعة بالدقهلية أن الوزارة تتابع تطورات زراعة الأرز البسمتي عن قرب. من خلال إدارات الإرشاد الزراعي ومشاركة فعالة من مراكز البحوث لتوجيه المزارعين.
إذا استمرت هذه الجهود بنفس القوة. فمن المتوقع أن تتحول مصر خلال 3 إلي 5 سنوات إلي واحدة من كبري الدول المنتجة والمصدرة للأرز البسمتي. لتنافس الهند وباكستان. وتغلق فجوة استيراد كانت تستنزف 300 مليون دولار سنويًا.
ومع إنتاج محلي عالي الجودة. ومزارع إرشادية مدروسة. ومضارب متخصصة. تصبح الحبة الذهبية البسمتي صناعة قومية جديدة. وورقة رابحة علي طريق تحقيق الأمن الغذائي وتقوية الاقتصاد الوطني.
اترك تعليق