عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلى يَا رسولَ اللَّهِ. قَالَ: إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخطى إِلى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلكُمُ الرِّباطُ رواه مسلم.
حديث عظيم يُعد من جوامع كلمه ﷺ، يضع فيه محمد صلى الله عليه وسلم بين يدي أمته منهج حياة يربط المسلم بربه في كل لحظة بين صلاة وصلاة، ويحول العادات اليومية إلى عبادات عظيمة الأجر، عبر وصفة إيمانية، وخطة شاملة تجمع بين العمل القلبي والجسدي، وتُثمر محوًا للذنوب ورفعة في الدرجات، وبالتالي الفوز بالجنان.
في هذا الحديث النبوي الشريف، يرشدنا النبي ﷺ إلى ثلاث أعمال عظيمة تُكفّر الخطايا وتُرفع بها الدرجات:
إسباغ الوضوء على المكاره:
أي إتمامه بإتقان حتى مع وجود مشقة كالبرد أو التعب، مما يدل على صدق النية وقوة الإيمان.
كثرة الخطا إلى المساجد:
أي التردد المستمر للصلاة فيها، سواء بالبعد المكاني أو التكرار، وهو عمل يُكتب فيه الأجر على كل خطوة.
انتظار الصلاة بعد الصلاة:
أي ربط القلب بالطاعة، والجلوس في المسجد أو الانشغال بذكر الله حتى يحين وقت الصلاة التالية، وهذا من أعظم صور الرباط في سبيل الله.
وختم رسول الله ﷺ الحديث بقوله "فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلكُمُ الرِّباطُ" ليصف هذه الأعمال بأنها "رباط"، أي تشبه الجهاد في سبيل الله، من حيث الثواب وربط النفس بالطاعة.
ولهذا الحديث النبوي الشريف فوائد عظيمة اجلها العلماء في ست فوائد هي:
الفائدة الأولى: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم أصحابه عليهم السلام ما ينفعهم في أمر دينهم، ويربطهم بالآخرة.
الفائدة الثانية: فضل إسباغ الوضوء؛ خاصة إذا كان فيه مشقة؛ كأيام الشتاء، والبرد الشديد، والمراد بالإسباغ هو إتمام الوضوء.
الفائدة الثالثة: فضيلة حضور صلاة الجماعة في المسجد، وكثرة الخطا إلى المسجد
الفائدة الرابعة: انتظار الصلاة في المسجد من الصلاة التي أدَّاها إلى الصلاة التالية لها، وهنا المنتظِر قد ترك كل شيء، وانقطع لله تعالى، فكيف إذا شغل نفسه في تلك المدة بالذكر وقراءة القرآن، والبُعْد عن المُشْغِلات كالجوَّال مثلًا سارق الأوقات؟!
الفائدة الخامسة: أن هذه الأعمال المرغب فيها، والمحافظة عليها كالرباط وهو الجهاد، وأصل الربط كما تقدم الحبس؛ فكأن من هذا حاله حبس نفسه على هذه الطاعة.
الفائدة السادسة: إذا كان هذا الفضل ورد في أعمال تؤدَّى قبل الصلاة، ولها تعلق بها فكيف بالصلاة نفسها؟.
فحافظ على هذه الأعمال، وجاهد نفسك على أدائها؛ لتنال ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من تكفير للخطايا، ورفع للدرجات.
اترك تعليق