هيرمس
    مصر
  • 29℃ القاهرة, مصر

رئيس مجلس الإدارة

طارق لطفى

رئيس التحرير

أحمد سليمان

العدالة تنتصر.. القضاء يبرئ موظفًا من تهمة المليار في أكبر قضية جمارك

في صباح هادئ من عام 2024، عاد "عبد الجليل" إلى وطنه مصر قادمًا من السعودية لقضاء إجازة قصيرة بعد سنوات من العمل موظف مبيعات في إحدى شركات الشحن. لم يكن يعلم أن هذه العودة البسيطة ستقلب حياته رأسًا على عقب، فبمجرد وصوله، ألقت قوات الأمن القبض عليه بناءً على حكم غيابي بالسجن 10 سنوات، صادر ضده في القضية رقم 1002 لسنة 2018 جنايات نويبع، بتهم تتعلق بتزوير جوازات سفر وتوكيلات رسمية ضمن شبكة تهريب جمركي تسببت في خسائر للدولة قدرت بمليار جنيه.


"نظرية السماسرة".. الحيلة التي فجّرت القضية

كشفت التحقيقات أن شركة الشحن السعودية التي كان يعمل بها عبد الجليل، والتي تضم عددًا من العاملين المصريين، كانت مسرحًا لما عُرف لاحقًا بـ"نظرية السماسرة"؛ وهي خطة احتيالية تعتمد على استخدام جوازات وتوكيلات مزورة لشحن البضائع من السعودية إلى مصر، رغم القوانين التي تحظر الشحن بعد شهر من مغادرة الشخص للبلاد دون توكيل رسمي.

بدأت القضية تتكشف عندما تقدم عدد من المواطنين ببلاغات بعد تلقيهم إشعارات جمركية لبضائع لم يطلبوها، واتضح لاحقًا وجود 10 جوازات سفر وتوكيلات مزورة، ما أدى إلى فتح تحقيق واسع النطاق في ميناء نويبع.

التحقيقات: لجان تتساقط وفضائح تتكشف

باشرت مباحث الجمارك التحقيقات وشُكلت لجنة خماسية لفحص المستندات، تبعتها لجنة سباعية من النيابة العامة لفحص أعمال اللجنة الأولى، ليُكشف تورط عدد من أعضاء اللجنة الأولى في التستر على المتهمين والتواطؤ مع مستخلصين جمركيين ضمن الشبكة.

تمت إحالة 22 متهمًا للمحاكمة، بينهم "عبد الجليل" المتهم الخامس، رغم أنه كان خارج البلاد طوال فترة وقوع الجرائم.

رحلة المحاكمة: 7 سنوات من الغموض والانتظار

استمرت القضية في محكمة طور سيناء لأكثر من سبع سنوات، شهدت خلالها تغيّرات في هيئة المحكمة وحُجز الحكم أربع مرات لـ"دقة الفحص"، وسط تساؤلات عن غموض كبير يحيط بالوقائع.

لكن دخول المحامي ميشيل حليم على خط الدفاع غيّر مسار القضية، إذ تمكن أولًا من الحصول على قرار بإخلاء سبيل عبد الجليل، ثم شرع في تفنيد الاتهامات بندًا بندًا أمام المحكمة.

الدفاع يقلب الموازين: عبد الجليل مجرد موظف

مذكرة الدفاع كشفت عن أخطاء فادحة في تحريات الأمن. فقد أجريت التحريات على شخص خارج مصر دون اختصاص، وأعدها ضابط تولى الملف بعد خمس سنوات من بداية التحقيقات دون معلومات دقيقة. بل إن الضابط لم يكن يمتلك أي بيانات صحيحة عن المتهم، لا اسمه الحقيقي ولا رقمه القومي، واعتمد على افتراض خاطئ بأنه مدير شركة الشحن.

لكن المحامي قدم مستندات رسمية تثبت أن عبد الجليل مجرد موظف مبيعات، وأن القانون السعودي لا يسمح للمصريين بامتلاك الشركات، ما ينفي صفة "المدير" أو "المالك" عنه تمامًا.

كما تضمنت المرافعة كشف تناقضات في شهادة أحد المستخلصين الجمركيين الذي زعم علم عبد الجليل بالتزوير، ثم تراجع أمام المحكمة عن أقواله.

كلمة القضاء: البراءة

استنادًا إلى ما قدمه الدفاع من أدلة دامغة، قضت المحكمة ببراءة "عبد الجليل"، مؤكدة عدم توافر أركان الجريمة سواء المادية أو المعنوية، وانتفاء المصلحة أو العلم بالتزوير.

وقال المستشار ميشيل حليم، محامي المتهم، إن التزوير في القانون المصري يتطلب علمًا يقينيًا من المتهم، وليس مجرد شك أو افتراض. وأضاف أن موكله لم يكن لديه سلطة أو صفة قانونية تخوله الاطلاع أو التعامل مع المستندات محل الاتهام.

كما أوضح أن التحريات الأمنية كانت مخالفة للمستندات الرسمية، وأن النيابة العامة أغفلت التحقيق مع صاحب الشركة السعودي الجنسية، وهو الطرف الأصيل في الواقعة.

الخاتمة: الدليل هو الفيصل

بهذا الحكم، أسدلت المحكمة الستار على واحدة من أكثر قضايا الجمارك تعقيدًا، لتؤكد أن الشبهات والافتراضات لا تُدين أحدًا، وأن العدالة لا تُبنى إلا على الأدلة. والدليل قال كلمته: "عبد الجليل بريء".





تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي

تابع بوابة الجمهورية اون لاين علي جوجل نيوز جوجل نيوز

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل

اترك تعليق