قيس بن عبادة الخزرجي، من أكرم بيوت العرب وأعرقها نسبا، كان يخدم النبي علية الصلاة والسلام، وكان يمتاز بأعظم الأخلاق منزلة ومكانة وشرفا، فهو أحد الفضلاء الأجلة وأهل الرأي والمكيدة في الحروب.. أبوه الصحابي الجليل سعد بن عبادة.
* يكني قيس بأبي عبدالله، وكان أميراً مجاهداً وسيدا للخزرج.. عرف عنه بأنه الداهية الذي يتفجر حيل، ومهارة، وذكاء، ولم يكن في المدينة المنورة وما حولها إلا من يحسب لدهائه ألف حساب، فلما أسلم، علمه الإسلام أن يعامل الناس بإخلاصه، لا بدهائه، وكلما واجه موقفا صعبا، يأخذه الحنين إلي دهائه المقيد، فيقول عبارته المأثورة عن نفسه وهو صادق: "لولا الإسلام، لمكرت مكرا لاتطيقه العرب".
* حين أسلم أباه سعد بن عباده رضي الله عنه أخذ بيد ابنه قيس وقدمه الي الرسول صلي الله عليه وسلم قائلا : هذا خادمك يا رسول الله.. وقد رأي فيه النبي سمات التفوق وعلامات الصلاح فأدناه منه وقربه إليه، وظل قيس صاحب هذه المكانه دائما.
* كان يتميز قيس بن عبادة بشجاعته وبسالته وإقدامه، فكان حاملا للواء الأنصار مع رسول الله صلي الله عليه وسلم.. وشهد معه معظم الغزوات، ويوم فتح مكة أخذ النبي عليه الصلاة والسلام الراية من أبيه "سعد" وأعطاها لابنه "قيس"، حيث كان بطلا قويا وفارسا مقداما ومجاهدا عظيما.
* قد تربي قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه، منذ الصغر علي الشجاعة والكرم، حتي صار يضرب به المثل في جوده وكرمه، وكان سيدا مطاعا كثير المال، وجوادا كريما، حاد الذكاء واسع الحيلة ومتوقد الذهن دائما.. ومن فضلاء الصحابة، فقد استعمله رسول الله علي الصدقة.
* وتألقت شجاعة قيس بن سعد بن عبادة في جميع المشاهد التي صاحب فيها النبي عليه افضل الصلاة والسلام وهو حي.. وواصلت تألقاتها في المشاهد التي خاضها بعد أن ذهب الرسول الي الرفيق الأعلي.
حيث جاهد مع الخلفاء الراشدين بعد ذلك.. ففي معارك صفين، والجمل، والنهروان كان قيس احد ابطالها المستبسلين.
* أثناء خلافة علي بن ابي طالب رضي الله عنه، ولاه حكم مصر، وكانت عين معاوية علي مصر دائما ..وكان ينظر اليها كأثمن درة في تاجه المنتظر.. من أجل ذلك لم يكد يري قيسا يتولي إمارتها حتي جن جنونه وخشي أن يحول قيس بينه وبين مصر الي الأبد، فأصبح معاوية بكل وسائله الماكرة وحيله الخبيثة يدس ضد قيس بن عبادة عند الإمام علي.. وعين "علي" مكان قيس .. "محمد بن أبي بكر" ولم يزل معاوية عليه حتي ضم مصر الي حكمه.
* وتبلغ شجاعة قيس ذروة صدقها بعد استشهاد الإمام "علي" فبايع ابنه الحسن رضي الله عنه ..لأنه هو الوريث الشرعي للإمامة من وجهة نظر "قيس" وقد وقف إلي جانب الحسن رضي الله عنه غير ملق الي الاخطار بالا.
*وحين اضطرهم معاوية لحمل سيوفهم للدخول في حرب من أجل الخلافه.. جاء قيس ومعه خمسة آلاف رجل من الذين حلقوا رءوسهم حداداً علي الإمام "علي" لحرب معاوية، لكن الحسن رضي الله عنه آثر أن يحقن دماء المسلمين فتفاوض مع معاوية وبايعه علي الخلافة بعد أن تنازل عنها.. فرجع قيس الي المدينة وجمع قومه وخطب فيهم وقال: إن شئتم جالدت بكم حتي يموت الأعجل منا، وإن شئتم أخذت لكم أمانا، فاختار جنوده الأمان وقالوا : خذ لنا أمانا فأخذ لهم الأمان من معاوية.
* وفي عام تسعة وخمسين هجرية مات الداهية الذي روض الإسلام دهاءه وكان ذلك في المدينة المنورة.
مات الرجل الذي كان يقول: لولا أني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول "المكر، والخديعة في النار، لكنت من أمكر هذه الأمة" رضي الله عنه وأرضاه.
اترك تعليق