تعد الطفولة مرحلة حاسمة في تشكيل الصحة الجسدية والنفسية للإنسان على المدى البعيد، حيث تؤثر التجارب السلبية المبكرة على جودة الحياة في المستقبل. وفي دراسة حديثة تناولت هذا الموضوع بشكل مفصل، سعى الباحثون لفهم العلاقة بين هذه التجارب الصحية السلبية وعواقبها على المدى الطويل.
اعتمدت الدراسة على بيانات من نظام مراقبة عوامل الخطر السلوكية لعامي 2021 و2022 في الولايات المتحدة، حيث شملت أكثر من 80 ألف مشارك بالغ.
ووجد الباحثون أن الأفراد الذين تعرضوا للإساءة الجسدية أو الجنسية في طفولتهم يعانون من زيادة في مخاطر الإصابة بعدد من الأمراض المزمنة، مثل الذبحة الصدرية، التهاب المفاصل، الربو، مرض الانسداد الرئوي المزمن، والنوبات القلبية، إلى جانب المشاكل النفسية مثل الاكتئاب والإعاقة، حتى بعد أخذ عوامل أخرى بعين الاعتبار.
وأشارت الدراسة إلى أن من تعرضوا للإساءة الجنسية فقط كانوا أكثر عرضة للإصابة بمشاكل صحية بنسبة تتراوح بين 55% إلى 90%، بينما كان من تعرضوا للإساءة الجسدية أكثر عرضة بمعدل بين 20% و50%.
وأكدت شانون هولز، الباحثة في معهد دورة الحياة والشيخوخة بجامعة تورنتو، على أهمية هذه النتائج، قائلة: "إن تأثيرات الصدمات المبكرة على الصحة لا يدركها الكثيرون، وتؤكد دراستنا العلاقة الوثيقة بين تعرض الطفل للإساءة والصحة في المراحل المتقدمة من العمر".
كما شملت الدراسة بحثًا في دور الدعم العاطفي في حياة الطفل، حيث أظهرت أن الأطفال الذين تعرضوا للإساءة وكان لديهم شخص بالغ داعم كانوا أقل عرضة للتأثيرات الصحية السلبية في مرحلة البلوغ.
وأضافت أندي ماكنيل، طالبة الدكتوراه في كلية فاكتور-إنوينتاش للعمل الاجتماعي، أن "الدعم العاطفي يساهم في التخفيف من الآثار السلبية للإساءة، لكننا بحاجة إلى مزيد من البحث لفهم آلية هذا التأثير".
ولم يقتصر تأثير الدعم العاطفي على الأطفال الذين تعرضوا للإساءة فقط، بل امتد أيضًا إلى الأطفال الذين لم يتعرضوا لها، حيث أظهرت الدراسة أن غياب شخص بالغ داعم في حياة الطفل يزيد من احتمالية إصابته بالمشاكل الصحية الجسدية بنسبة تتراوح بين 20% إلى 40%، ويضاعف من خطر إصابته بالاكتئاب في مرحلة البلوغ.
وأشار إسمي فولر تومسون، مديرة معهد دورة الحياة والشيخوخة بجامعة تورنتو، إلى أن "عدم وجود بيئة آمنة في الطفولة قد يكون له تأثير سلبي على الصحة، يعادل في خطورته التعرض للإساءة الجسدية".
اترك تعليق